يُبرز اختيار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لثلاثة من المشرّعين المؤيدين بشدة لإسرائيل لشغل مناصب عليا في صناعة السياسة الخارجية، أن تركيزه سينصب على تعزيز الدعم لإسرائيل وإذكاء الصراع مع إيران بمجرد توليه منصبه.
حتى بعد أن فاز بأصوات العديد من الأميركيين العرب الذين انتقدوا إدارة بايدن بسبب دعمها إسرائيل في حرب غزة، فإن الاختيارات ستكون مطمئنة للغاية للقادة الإسرائيليين بعد العلاقة التي شابها التوتر أحياناً بين الرئيس جو بايدن وقادة تل أبيب.
أعلن ترمب يوم الأحد أنه اختار النائبة عن نيويورك، إليز ستيفانيك، كسفيرة للبلاد في الأمم المتحدة. وقال شخص مطلع على الأمر إنه انتقى يوم الإثنين المشرّع عن فلوريدا، مايك والتز، مستشاراً للأمن القومي. ومن المتوقع أن يعين السناتور عن ولاية فلوريدا، ماركو روبيو، وزيراً للخارجية.
تعيينات ترمب مؤيدة لإسرائيل
ستيفانيك، التي ألقت كلمة أمام "الكنيست" الإسرائيلي، في مايو، ودعت إلى فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، كتبت على موقع "إكس" يوم السبت، قبل يوم واحد من إعلان ترمب اختيارها: "الولايات المتحدة مستعدة للعودة إلى حملة الضغط القصوى التي يتبناها الرئيس ترمب ضد إيران. لفترة طويلة جداً، تشجع أعداؤنا بسبب ضعف إدارة بايدن-هاريس".
أما روبيو، فينتمي إلى صف المؤيدين بشكل واضح لإسرائيل (والمعروفين باسم الصقور)، إذ أصدر في أكتوبر بياناً أعلن فيه أنه يؤيد "حق إسرائيل في الرد بشكل غير متناسب لوقف هذا التهديد" من إيران.
ترمب لن ينتقد نهج تل أبيب
تشير هذه المواقف، وكل ما وعد به ترمب حتى الآن، إلى أنه سيتبع النهج الذي سار عليه حيال المنطقة في المرة السابقة التي كان فيها رئيساً، ولكن بقوة أكبر. ورغم أنه يُتوقع أن يدعو لإنهاء حرب إسرائيل ضد حماس في قطاع غزة، وحملتها ضد حزب الله في لبنان، فمن المستبعد أن ينتقد الطريقة التي تنفذ بها القوات الإسرائيلية عملياتها ضد المسلحين المدعومين من إيران. وتحدث ترمب بالفعل إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ثلاث مرات في الأيام الأخيرة عبر الهاتف، وأخبره الشهر الماضي بأن "يفعل ما يتوجب فعله" فيما يتعلق بإيران ومجموعاتها المسلحة بالوكالة.
من شبه المؤكد أن ترمب سيحاول توسيع "اتفاقيات أبراهام" لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، والتي احتفت بها إدارته الأولى باعتبارها إنجازاً بارزاً على السياسة الخارجية. أما الرئيس بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، فحاولا تقديم التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية كحافز لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للالتزام بوقف إطلاق النار والاعتراف بدولة فلسطينية.
يحافظ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على علاقات وثيقة مع ترمب، ويتسق معه لناحية عدم إبداء ثقة كاملة تجاه إيران، لكنه تمكن بالمقابل من الحفاظ على علاقة بين الرياض وطهران، ووصف يوم الإثنين أن حرب إسرائيل ضد حماس بـ"إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين.
إطلاق يد إسرائيل في إيران
بالفعل، هناك مؤشرات على أن ترمب سيمنح إسرائيل حرية أكبر في التعامل مع إيران. فخلال تجمع انتخابي في نورث كارولينا بشهر أكتوبر، بعد أن هاجمت إيران إسرائيل، قال ترمب إن إسرائيل يجب أن "تضرب (المواقع) النووية أولاً وتقلق بشأن الباقي لاحقاً"، مما يشير إلى أنه منفتح على شن هجوم على البرنامج النووي الإيراني، وهو الأمر الذي حثّ الرئيس بايدن الإسرائيليين على تجنبه.
وثمة احتمال أن تفعل إسرائيل ذلك خلال ما يُعرف بفترة "البطة العرجاء" (lame-duck) لبايدن، وهي الفترة الانتقالية التي تستمر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات إلى موعد تنصيب ترمب في يناير.
الإدارة الجديدة "ربما تحاول أن تتبع نهجاً متوازناً يشمل 'إنهاء الحرب، والمضي قدماً في اتفاقيات أبراهام، وتعزيز بعض الاستراتيجيات التي كانت فعالة مع إيران في الإدارة السابقة"، وفق ما يراه مايكل ديمينو، الزميل في"ديفينس بريوريتيز" (Defense Priorities) والذي عمل محللاً في وكالة المخابرات المركزية خلال إدارة ترمب الأولى.
وخلال الحملة الانتخابية، قدّم ترمب نفسه كعامل حاسم في تغيير موازين الشؤون الدولية مع استمرار الحرب في كل من الشرق الأوسط وأوكرانيا. وقال إن هجوم 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص وأشعل حرب غزة، لم يكن ليحدث أبداً في عهده لأن بايدن تخلى عن نهجه الأكثر صرامة، والذي قال إنه كان يردع إيران ووكلاءها.
كما تعهد ترمب بإنهاء النزاعات في المنطقة، ووصف إدارة بايدن-هاريس بأنها "محبّو حرب غير عقلانيين"، واعداً بأن انتخابه سيعني "السلام في العالم مرة أخرى".
انتقادات موجهة لإدارة بايدن
أكد ترمب، في أكثر من مناسبة، على أنه سيتمكن من وقف الحرب في منطقة الشرق الأوسط، ووصف إدارة بايدن-هاريس بأنها "مهووسة بالحرب". وقال إن انتخابه يعني عودة "السلام في العالم مرة أخرى".
رفض مسؤولو إدارة بايدن الاتهامات بالتساهل مع إيران، وبيّنوا أنهم فرضوا عقوبات على العديد من الأفراد والكيانات في البلاد.
يَعتبر ستيفن ويرثيم، الزميل الأول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن "السردية التي يقدمها ترمب تقول: أنا أمثل التغيير في السياسة الخارجية. ما يجري حالياً غير مُجدية، وانظروا إلى نتائج (السياسة الحالية)، إنها مروعة. سأقوم بتغيير ذلك وأفعل شيئاً مختلفاً".
مفاجأة للناخبين العرب واليهود
في النهاية، تمكن ترمب من استقطاب بعض الأميركيين اليهود من خلال دعمه الحماسي لإسرائيل ونتنياهو، وفي الوقت نفسه استمال الأميركيين العرب والمسلمين الساخطين في ولاية ميتشيغين وأماكن أخرى عبر وعوده بالتغيير.
لكن قد تكون هناك مفاجأة بانتظار أولئك الناخبين. فخلال الأسبوع الجاري، صرح وزير المالية الإسرائيلي المتشدد بتسلئيل سموتريتش، أن بلاده يجب أن تفرض سيادتها على الضفة الغربية العام المقبل. ويعتقد أن ترمب "سيدعم دولة إسرائيل في هذه الخطوة".
في حين دعمت إدارة بايدن إسرائيل بالأسلحة طوال الحرب، أعرب الرئيس الأميركي ووزير الخارجية أنتوني بلينكن عن احتجاجهما الشديد على الخسائر بين المدنيين، حيث ارتفع عدد القتلى في غزة إلى أعلى مستوى على الإطلاق، ويزيد حالياً عن 43 ألف ضحية، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس. وحثّ الاثنان إسرائيل كثيراً على قبول وقف إطلاق النار، وإبقاء احتمال قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف مفتوحاً. وتُصنّف "حماس" كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
السعودية والدولة الفلسطينية
أثار الغضب المتزايد بين شريحة واسعة من العرب والمسلمين تجاه هجمات إسرائيل على غزة تعقيدات أمام إمكانية تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض، وعزز تبنّي الأخيرة لموقف أكثر تشدداً. وأكدت السعودية أن تطبيع العلاقات مرهون باتخاذ خطوات حاسمة وغير قابلة للتراجع نحو إقامة دولة فلسطينية.
في الوقت عينه، حرصت السعودية على تجنب الانجرار إلى الصراع بين إسرائيل وإيران ووكلائها الإقليميين، بما في ذلك الحوثيين في اليمن المجاور. وانعكست هذه الاعتبارات في خطاب ألقاه الأمير محمد بن سلمان في افتتاح قمة العربية الإسلامية التي عُقدت في الرياض يوم الإثنين لمناقشة الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، حيث قال ولي العهد: "تجدد المملكة إدانتها ورفضها القاطع للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الشقيق". مضيفاً: "يجب على العالم أن يلزم إسرائيل باحترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة وألا تُهاجم أراضيها".