قبول العبسي، صحفية يمنية اضطرت إلى مغادرة اليمن بعد اغتيال شقيقها الصحفي محمد العبسي والعمل من بلد ثان كرئيسة مؤسسة قرار للإعلام ومدافعة عن حقوق الإنسان وباحثة.
قبول حاصلة على بكالوريوس في الأدب الفرنسي، بدأ مشوارها المهني في الجانب المدني عام 2006 من خلال عملها في وزارة الصحة اليمنية، وتحديداً في الإدارة العامة للمعلومات. لكن مع بداية عام 2011، تغيّرت الأوضاع في اليمن بشكل جذري، وهو ما دفعها إلى الانتقال إلى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، حيث ركزت على الرقابة والعمل مع منظمات حقوقية. بالإضافة إلى عملها مع منظمة الأمم المتحدة في اليمن، كانت بعيدة كل البعد عن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، مكتفيةً بكتابة بعض المقالات.
تحوّل جذري بعد الحرب
بعد اندلاع الحرب في اليمن، تغيّرت العديد من الظروف العملية في حياتها، حيث وجدت نفسها مضطرة للعمل في مجالات لم تخطر ببالها من قبل. ورغم تلك التغيرات، كانت صدمة اغتيال شقيقها الصحفي الاستقصائي محمد العبسي المعروف في اليمن عام 2016، الحدث الذي أعاد توجيه حياتها بشكل كامل. إذ شكّل اغتيال شقيقها ضربة قاسية لعائلتها وللمجتمع الاعلامي والصحفي في اليمن، لكنه أيضاً شكّل دافعاً قوياً لقبول للاستمرار في العمل الإعلامي والصحفي من أجل الدفاع عن حرية الصحافة.
إعادة إحياء المؤسسة: وفاءً لذكرى شقيقها
أسس شقيق قبول، محمد العبسي مؤسسته الصحفية في عام 2011، حيث كانت تعمل معه في بعض الأحيان. ومع ذلك، توقفت المؤسسة تماماً في عام 2014 نتيجة التحديات الأمنية. وفي عام 2017، قررت قبول إعادة تشغيل المؤسسة كمحاولة لإحياء ذكرى شقيقها، والعمل على استكمال مسيرته في الدفاع عن الصحفيين الذين تم اغتيالهم أو اعتقالهم. أعادت فتح المؤسسة لتصبح متخصصة في الصحافة والتنمية، مع تركيز أكبر على الإعلام الاستقصائي ودعم الصحفيين. ومع ذلك، واجهت العديد من التحديات، بدءاً من ضرورة الحصول على تمديد نشاط المؤسسة في ظل الصعوبات السياسية والأمنية، وصولاً إلى الاستيلاء على مكاتبها في صنعاء، ما دفعها إلى الانتقال إلى الجنوب لإعادة تشغيل المؤسسة.
التحول نحو الصحافة النسوية
بعد إعادة افتتاح المؤسسة، ركزت قبول على دعم النساء الصحفيات، وتوجيه النشاطات نحو تمكين النساء في مجال الإعلام. عملت المؤسسة على دعم الصحفيين من خلال توثيق الانتهاكات التي تعرضوا لها، سواء بالاغتيال أو الاعتقال. وتمتعت المؤسسة بشهرة بفضل اسم شقيقها، مما منحها تميزاً واضحاً في اليمن كمؤسسة نسوية تدافع عن حقوق الصحفيين، بالإضافة إلى خلق نوع جديد من الصحافة الاستقصائية في البلاد.
تحديات العمل الصحفي في المنفى
تعمل قبول وتدير شؤون المؤسسة بين مصر واليمن، بسبب خطر المتابعة الأمنية والتهديدات من قبل الحكومة، التي تلاحق العديد من المنظمات المعارضة في الخارج وتحاول التضييق على أنشطتها.
رغم هذه التحديات، تواصل مؤسسة "قرار" عملها انطلاقاً من إيمانها العميق بضرورة تعزيز حقوق الإنسان وحرية التعبير في اليمن. تستخدم المؤسسة التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع جمهورها في الداخل والخارج، وتستفيد من دعم الشركاء الدوليين والمنظمات الحقوقية العالمية والمحلية لتعزيز تأثيرها.
تحديات العمل الصحفي في اليمن
"لا يخفى على أحد الصعوبات الكبيرة التي يواجهها المجتمع المدني في اليمن"، تقول قبول لشبكة الصحفيين الدوليين، وتضيف: "سواء من الناحية الأمنية أو القانونية. في الشمال، يتعرض الصحفيون للاعتقالات التعسفية، وفي الجنوب، من الصعب الحصول على التراخيص اللازمة لتنظيم الفعاليات والأنشطة. على الرغم من هذه التحديات، أعمل أنا وفريقي على تقديم الدعم القانوني والنفسي للصحفيين، والإسهام في إخراج بعضهم من اليمن في الحالات الحرجة".
بناء القدرات وتعزيز الصحافة الحديثة
إلى جانب العمل في قضايا حقوق الإنسان، تقوم المؤسسة التي تديرها قبول بتدريب الصحفيين الشباب من خلال دورات تدريبية حديثة في مختلف مجالات الإعلام، بما في ذلك صحافة البيانات، الصحافة المكتوبة، التغطية أثناء الحروب، واستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام. من أبرز المشاريع التي نفذتها المؤسسة مشروع حول "التربية الإعلامية"، وهو مجال جديد في اليمن، ركز على تدريب المدربين في هذا المجال، حيث تم تدريب 30 شاباً وشابة من أعمار تتراوح بين 18 و30 سنة، معظمهم من طلاب الجامعات، ومن ثم تمّ اختيار 8 أشخاص قاموا بتدريب المزيد من طلاب الصحافة في المراكز والجامعات.
أهمية الإعلام في ظل الحروب
تشير قبول في حديثها لشبكة الصحفيين الدوليين، إلى أنّ الحرب في اليمن لم تكن مجرد قصف ودمار مادي، بل أدت إلى تفكك النسيج الاجتماعي وتعزيز الاحتقان الداخلي. في ظلّ غياب الإعلام المستقل، تفاقمت الفجوة الإعلامية، مما أدى إلى انتشار خطاب الكراهية والمعلومات المغلوطة. تؤكد قبول أنّ "الإعلام يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تحقيق السلام من خلال نشر الحقائق، محاسبة الفاسدين، وكشف الانتهاكات، خاصةً أن الإعلام يعد السلطة الرابعة وهذا ما نقوم بفعله كمؤسسة متخصصة في هذا الشق".
أهمية الشراكات الدولية
رغم الظروف الصعبة، نجحت قبول في بناء شراكات دولية ساهمت في تحقيق نقلة نوعية لمؤسستها. عملت المؤسسة مع جهات دولية مثل المركز الدولي للصحفيين (ICFJ)، وشبكة الصحفيين الدوليين (IJNet)، وDeutsche Welle، مما ساهم في تطوير قدرات المؤسسة وتوسيع أنشطتها. وبفضل هذه الشراكات، تمكنت المؤسسة من تنظيم تدريبات على مستوى دولي، شارك فيها صحفيون من مختلف الدول العربية.
التخطيط للمستقبل
تسعى قبول إلى تعزيز دور مؤسستها كمرجع للصحافة الاستقصائية في اليمن، ودعم الصحفيين الذين تعرضوا للانتهاكات. ترى أن الإعلام يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق العدالة الانتقالية في اليمن، ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين. كما تطمح إلى تنفيذ مشاريع جديدة على المستوى المحلي والدولي، تركز على تمكين الصحفيين، لا سيما النساء، وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها.
نصائح للمنصات الإعلامية المستقلة الناشئة
من خلال تجربتها الشخصية والمهنية، تقدم قبول نصائح هامة للمنصات الإعلامية المستقلة، حيث تؤكد على ضرورة وضوح الرؤية والابتعاد عن السعي للربح السريع. ترى أنّ التميز في جزء معين من الصحافة هو ما يجعل المنصة قادرة على جذب مشاريع جديدة. كما تشدد على أهمية الشراكات الدولية، ليس فقط في الجانب المالي، بل أيضاً في بناء القدرات وتوسيع الآفاق.
تجربة مركز التوجيه
من التجارب الأكثر تأثيراً تقول قبول هي مشاركتها في برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية التابع لشبكة الصحفيين الدوليين في عام 2022. "ساعدني هذا البرنامج على تطوير مؤسستي من خلال تحديد الأهداف، وضبط الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة. وأعتبره المساهم الأول في نقلة نوعية لمؤسستي، حيث ساعدني على التغلب على حالة التيه التي كنت أعاني منها في البداية، خاصةً فيما يتعلق بتحديد هوية المؤسسة والحفاظ على قيمها الأساسية".
الاستدامة واستمرار العمل
"نعمل حالياً على تطوير خطة للاستدامة المالية والإدارية لمؤسستنا. رغم أنّ تدريباتنا كانت ممولة بشكل أساسي وتقدم مجاناً، نسعى إلى تقديم تدريبات مدفوعة لتأمين دخل يساعد على استدامة العمل. وبالتالي فإن الشراكات، سواء كانت مالية أو غير مالية، هي عنصر أساسي في نجاح المؤسسات الإعلامية المستقلة في ظل الظروف الصعبة التي تواجه المجتمع المدني في اليمن".
تجربة قبول العبسي تمثل مثالاً يحتذى به في مواجهة التحديات والعمل من أجل قضايا حقوق الإنسان والصحافة المستقلة في اليمن. ورغم كل التحديات التي واجهتها، لا تزال مصرة على مواصلة النضال من أجل تعزيز الإعلام المستقل، ودعم الصحفيين في بلد يحتاج بشدة إلى أصوات حرة ونزيهة.