قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات اليمنية تعرقل أعمال الإغاثة وتُفاقم تفشي الكوليرا القاتل في أنحاء البلاد. عرقلت أطراف النزاع، بما فيها الحوثيون والحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المساعدات والوصول إلى المعلومات، ولم تتخذ تدابير وقائية كافية للتخفيف من انتشار الكوليرا. كما احتجز الحوثيون موظفي المجتمع المدني وهددوهم، بمن فيهم عمال الإغاثة الإنسانية، ضمن حملة اعتقالات أخيرة.
تشير البيانات التي جمعتها وكالات الإغاثة إلى أنه من 1 يناير/كانون الثاني إلى 19 يوليو/تموز، كان هناك حوالي 95 ألف حالة مشتبه بإصابتها بالكوليرا، ما أدى إلى وفاة 258 شخصا على الأقل، وفقا لشخص يعمل مع "مجموعة الصحة في اليمن"، وهي مجموعة من منظمات الإغاثة والسلطات والجهات المانحة، بقيادة "منظمة الصحة العالمية". على جميع أطراف النزاع إنهاء انتهاكاتهم وتجاوزاتهم لحق اليمنيين في الصحة، وعلى الحوثيين إنهاء اعتقالاتهم التعسفية للعاملين في المجتمع المدني والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية.
قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "العوائق التي تواجه أعمال الإغاثة من قبل السلطات اليمنية، وخاصة الحوثيين، تساهم في انتشار الكوليرا. مات حتى الآن أكثر من 200 شخص بسبب هذا المرض الذي يمكن الوقاية منه، وإقدام الحوثيين على احتجاز عمال الإغاثة يشكل تهديدا خطيرا يفاقم القيود على المساعدات المنقذة للحياة".
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع سبعة أطباء يعملون في مستشفيات في مختلف أنحاء اليمن بشأن الاستجابة للكوليرا، ومع العديد من الاختصاصيين الآخرين في الرعاية الصحية. تواصلت هيومن رايتس ووتش أيضا مع 20 مسؤولا في وكالات إغاثية، من بينهم أطباء وعلماء أوبئة يعملون على الاستجابة لتفشي الكوليرا، ومع مسؤول صحي حكومي. في 24 يوليو/تموز، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الحكومة اليمنية والحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي لطلب مزيد من المعلومات. التقت الحكومة اليمنية بـ هيومن رايتس ووتش وأوضحت أن العديد من القيود التي تواجهها في معالجة تفشي الكوليرا مرتبطة بنقص التمويل. قدمت أيضا معلومات توضح الإجراءات التي اتخذتها لإبلاغ اليمنيين بتفشي المرض. رد المجلس الانتقالي الجنوبي قائلا إن على هيومن رايتس ووتش توجيه أسئلتها إلى الحكومة اليمنية، رغم أن المجلس الانتقالي الجنوبي يضم جزءا من "مجلس القيادة الرئاسي" للحكومة اليمنية المكون من ثمانية أعضاء والذي حل محل الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي عام 2022. يقود أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي أيضا وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الشؤون الاجتماعية، وكلاهما يتعامل مع المساعدات الإنسانية، وكانتا ضالعتين في عرقلة المساعدات. لم يرد الحوثيون على استفسارات هيومن رايتس ووتش.
يشهد اليمن نزاعا منذ نحو 10 سنوات. منذ مارس/آذار 2015، نفّذ تحالف بقيادة السعودية والإمارات ومرتبط بالحكومة العديد من الضربات الجوية العشوائية وغير المتناسبة، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وضرب المباني المدنية، بما فيها المستشفيات، في انتهاك لقوانين الحرب. دمرت الأطراف المتحاربة ما لا يقل عن 120 منشأة طبية، بالإضافة إلى مرافق للمياه والصرف الصحي.
رغم أن التحالف لم ينفذ ضربات جوية منذ أبريل/نيسان 2022، عندما وافقت الأطراف المتحاربة على وقف لإطلاق النار الذي صمد إلى حد كبير، لم يُحاسَب التحالف أو الأطراف المتحاربة الأخرى، ولا قدموا تعويضات كافية، عن الأذى والأضرار التي لحقت بالمدنيين. أدت هذه الهجمات إلى إضعاف البنية التحتية الصحية والصرف الصحي التي تعاني من نقص الاستثمار بالفعل، وساهمت في الأزمة الإنسانية الهائلة التي يواجهها اليمن اليوم.
حاليا، يحتاج أكثر من 18 مليون من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون إلى المساعدة الإنسانية، ويُخَفَّض تمويل وكالات الإغاثة كل عام، لأسباب منها القيود المفروضة على المساعدات من قبل الجهات الحاكمة. البنية التحتية للرعاية الصحية المتضررة بشدة في اليمن، ونقص مياه الشرب المأمونة، وارتفاع معدلات سوء التغذية، وتزايد مستويات رفض اللقاح والتردد لدى الحوثيين بشأن اللقاح، وفقا لعدة مصادر، سهلت انتشار الكوليرا وتأثيرها في اليمن.
وفقا لطبيب يعمل مع منظمة إغاثية في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، رغم أن أعراض الكوليرا بدأت تظهر على المرضى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رفضت سلطات الحوثيين الاعتراف بالأزمة للوكالات الإنسانية حتى 18 مارس/آذار 2024، عندما كان هناك بالفعل آلاف الحالات. في مارس/آذار، بدأ الحوثيون أخيرا بتقديم معلومات حول حالات الكوليرا في الأراضي التي يسيطرون عليها، لكنهم لم يعلنوا عن تفشي المرض.
اعتقلت سلطات الحوثيين أيضا ما لا يقل عن 12 من موظفي "الأمم المتحدة" والمجتمع المدني منذ 31 مايو/أيار، وقالت مصادر مطلعة لـ هيومن رايتس ووتش إن عدد المحتجزين مستمر بالتزايد. تركت الاعتقالات العديد من الوكالات تتساءل عما إذا كانت ستستمر في تقديم المساعدات الإنسانية بأمان في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أو كيف ستستمر، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفاقم تفشي الكوليرا الحالي.
في الجنوب، استجابت الحكومة اليمنية، التي تضم المجلس الانتقالي الجنوبي، بسرعة لأخبار تفشي الكوليرا في أكتوبر/تشرين الأول 2023 من خلال العمل مع الوكالات الإنسانية لإنشاء عيادات وشراء الأدوية اللازمة. رغم استمرارها في تبادل المعلومات مع الوكالات الإنسانية منذ بداية التفشي، قال مصدر مطلع لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة أصدرت تعليمات لمنظمات الإغاثة بعدم استخدام كلمة "كوليرا" في البيانات العامة، خاصة بالعربية. يعيق ذلك قدرة الناس على اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تزايد انتشار المرض.
بالإضافة إلى ذلك، قالت مصادر في وكالات الإغاثة إن الحكومة اليمنية ألقت في البداية باللوم على المهاجرين من القرن الأفريقي في تفشي المرض، ما وضع المهاجرين في وضع أكثر خطورة في اليمن. لا يملك معظم المهاجرين في اليمن وثائق قانونية، في ظل فرص عمل محدودة وصعوبات شديدة في الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية.
ليس من الواضح مصدر تفشي المرض، إلا أن الكوليرا متوطنة في اليمن. وفقا لـ "المنظمة الدولية للهجرة"، خلال تفشي الكوليرا الأخير في اليمن من 2016 إلى 2022، كان لدى اليمن 2.5 مليون حالة مشتبه بها "وهو أكبر تفشي للكوليرا تم الإبلاغ عنه على الإطلاق في التاريخ الحديث"، مع أكثر من 4 آلاف وفاة.
رغم هذه الخسائر الفادحة في الأرواح، لم تتخذ السلطات التدابير اللازمة لمنع تفشي المرض في المستقبل. تنتشر الكوليرا إلى حد كبير عن طريق المياه والمنتجات الزراعية، مثل الفواكه والخضروات، مع ذلك، لم تتخذ السلطات والجهات المانحة تدابير كافية للاستثمار في البنية التحتية الكافية للمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، في جميع أنحاء اليمن، ولم تبادر إلى توعية المجتمعات المحلية بشأن الممارسات الفعالة والوقائية في مجال النظافة والزراعة.
ناقش العديد من العاملين في الوكالات الإنسانية نقص التمويل لليمن وتأثيره على الاستجابة للكوليرا.
الحوثيون والحكومة اليمنية ملزمون بحماية حقوق الإنسان للجميع في الأراضي التي يسيطرون عليها، بما فيها الحق في الحياة والصحة والمستوى المعيشي اللائق، الغذاء والماء ضمنا. تنتهك عرقلة المساعدات هذه الالتزامات. رغم أن الموارد والقدرات المحدودة قد تعني أنه لا يمكن إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالكامل إلا مع مرور الوقت، تظلّ السلطات ملزمة بضمان الحد الأدنى من المستويات الأساسية للرعاية الصحية، بما يشمل الرعاية الصحية الأولية الأساسية.
ينبغي للسلطات اليمنية إزالة العوائق أمام إيصال المساعدات، بما يشمل معلومات الصحة العامة. ينبغي للحوثيين أيضا وقف الاحتجاز التعسفي وإخفاء موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني وعمال الإغاثة، والإفراج عن أي شخص محتجز تعسفا.
قالت جعفرنيا: "سيستمر تفشي الكوليرا في حصد الأرواح طالما تعرقل السلطات اليمنية المساعدات، وتتقاعس السلطات والمجتمع الدولي عن الاستثمار الكافي في تدابير الوقاية من الكوليرا والتخفيف من آثارها. لا يمكن أن يحدث هذا إلا في مكان يستطيع فيه منظمات المجتمع المدني ووكالات المساعدات الإنسانية العمل دون خوف على سلامتها".
القيود على نشر المعلومات الصحية الهامة
قالت مصادر الوكالات الإنسانية إن السلطات، ولا سيما الحوثيين، ضغطت على وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لوقف نشر البيانات العلنية عن حالات أو وفيات الكوليرا. منذ 30 أبريل/نيسان، لم تعلن منظمة الصحة العالمية عن أي بيانات جديدة حول عدد حالات الكوليرا المسجلة. مع ذلك، قالت مصادر لـ هيومن رايتس ووتش إن أعداد الحالات زادت بسرعة منذ أبريل/نيسان، عندما أبلغت منظمة الصحة العالمية عن أرقام الحالات آخر مرة. أفاد "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) في 12 مايو/أيار أن هناك حوالي 500 إلى ألف حالة جديدة كل يوم، وأن "الشركاء في مجال الصحة يتوقعون أن يتراوح العدد الإجمالي للحالات من 133 ألف إلى 255 ألف حالة بحلول سبتمبر/أيلول 2024".
قال أحد الأشخاص العاملين في مجموعة الصحة في اليمن إنه في اجتماع مع وزير الصحة الحكومي، أعطِي الناس "تعليمات واضحة بعدم نطق كلمة كوليرا واستخدام عبارة "الإسهال المائي الحاد" [بدلا من ذلك]". قال مصدران أيضا إن مديرة "مستشفى الصداقة" في عدن أُقيلت بعد ظهورها في التلفزيون وحديثها عن تفشي وباء الكوليرا. قال وزير الصحة العامة في الحكومة اليمنية لـ هيومن رايتس ووتش إن التحقيق جار في الحادثة لكن المديرة طُردت لأسباب لا علاقة لها بتعليقاتها العلنية عن الكوليرا.
قال عامل في المجال الإنساني: "في الجنوب، يتوخون الحذر الشديد بشأن [استخدام] الأرقام بشكل علني جدا... ولكن الحقيقة هي أن لدينا تفشيا للكوليرا، ولم يعلنوا عنها كحالة طوارئ وهي تنتشر بسرعة كبيرة".
قال أحد العاملين في وكالة إغاثة محلية إن الحكومة تتواصل علنا مع منظمات الإغاثة الإنسانية بشأن تفشي المرض، لكنها لا تتواصل مع الناس. قال: "لا يريدون نشر أي من البيانات لأنهم لا يريدون أن يُلاموا عليها"، وأضاف أن وسائل الإعلام المحلية لم تتحدث عن تفشي المرض، لأنه كان "حساسا" وقد يسبب "مشاكل" للصحفيين إذا تكلموا. قال ممثلون عن الحكومة اليمنية لـ هيومن رايتس ووتش إنهم أعلنوا عن تفشي الكوليرا في عدة حالات، وهو ما أكدته هيومن رايتس ووتش.
إشراك الناس ضروري لمكافحة انتشار المرض. قال طبيب يعمل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إن مرضى الكوليرا في كثير من الأحيان لا يأتون إلى المستشفيات إلا بعد ظهور أعراض تهدد حياتهم، بما فيها اختلال وظائف الكلى، بسبب عدم وعيهم بأنهم قد يكونون قد أصيبوا بالكوليرا وليس فقط الإسهال. قال الطبيب: "المشكلة هي أن الناس لا يذهبون إلى المستشفيات فور إصابتهم بالمرض، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي للناس وعدم وعيهم بتفشي الكوليرا".
كما ألقت الحكومة في البداية اللوم على المهاجرين الأفارقة كمصدر للمرض، ما يعرضهم لخطر الوصم ويفاقم نقص الرعاية الكافية للسكان المهاجرين في اليمن. يعاني المهاجرون في اليمن أصلا من قلة الاستفادة من الخدمات الصحية، كما أن افتقارهم إلى الوضع القانوني يجعلهم عرضة للاعتقال التعسفي والاحتجاز والاستغلال وسوء المعاملة. وكما أشار عديد من خبراء الأمراض، فإن الكوليرا متوطنة في اليمن ولا يلزم نقلها من بلد آخر حتى يحدث تفشي المرض.
قال أحد خبراء الأمراض: "كان هناك جزء في [الحكومة] يقول إن هذه مشكلة تتعلق بالمهاجرين ولن تنتشر إلى السكان اليمنيين [...] قالوا إنهم سيطردون المهاجرين وستُحَل المشكلة. لكن بالطبع ليست هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور، وسينتشر المرض إلى بقية السكان".
قال طبيب يعمل مع وكالة إغاثية إن "الكوليرا مرض يهدد الحياة إذا لم يُعالَج جيدا منذ البداية. وعندما ينتشر، نحتاج جميعا إلى العمل معا للتعامل معه".
في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كانت السلطات أقل شفافية بكثير من السلطات الأخرى في اليمن فيما يتعلق بتفشي المرض. قال جميع الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش والذين يعملون في وكالات الإغاثة في مناطق الحوثيين إن الحوثيين لم يقدموا أي بيانات أو معلومات حول تفشي الكوليرا إلى مجموعة الصحة حتى مارس/آذار. قال عديد من الأطباء إن الحوثيين ينكرون بشدة وجود الكوليرا في المناطق التي يسيطرون عليها، رغم أن الأطباء دقوا ناقوس الخطر.
عندما سُئل خبير الأمراض عن تأثير الكوليرا على المهاجرين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، قال: "لا أستطيع حتى أن أخبركم لأنني لا أعرف. الحساسية وعدم مشاركة البيانات يعنيان أنهم لم يقدموا إلينا أي معلومات [حول ذلك] مطلقا، لذا لا أعرف حتى ما يحدث بالضبط [هناك]".
منذ 18 مارس/آذار، بدأ الحوثيون بتقديم معلومات إلى الوكالات الإنسانية حول تفشي الكوليرا، بما فيها أعداد الحالات. لكن بعكس الحكومة اليمنية، التي كانت تزود الوكالات الإنسانية بـ "بيانات خام"، كانت سلطات الحوثيين توفر فقط عدد الحالات في كل محافظة. قال خبير أمراض آخر إن ذلك يعيق قدرة الوكالات الإنسانية على تقديم استجابة مستهدِفة، لأنها تحتاج إلى بيانات خام "لتحليل وتحديد المناطق التي تأتي منها الكوليرا".
قال عامل إغاثة آخر: "الكوليرا ليست شيئا يمكن عزله بين الجنوب والشمال. يجب أن تحصل على بيانات كاملة من [كلا الجانبين]، وإلا فلن تتمكن من الاستجابة بشكل صحيح لأن الأشخاص يتحركون ذهابا وإيابا".
السلطات الحوثية تعيق وصول المساعدات
إقدام السلطات الحوثية على عرقلة وصول المساعدات عبر الشروط البيروقراطية الشاقة وغير المبرَّرة فاقم انتشار الكوليرا. رغم دعوة وكالات الإغاثة إلى تقديم المساعدات والتمويل بعد تفجّر أعداد الحالات خلال الربيع، تستمر السلطات في فرض شروط معقّدة على الوكالات من أجل الاستمرار في نشاطاتها، وقد توقف العديد من البرامج في انتظار التصاريح.
قال أشخاص عدة يعملون في وكالات إغاثة إنهم عانوا للحصول على الموافقة لبدء برامجهم في مكافحة الكوليرا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وقد انتظروا في بعض الحالات لأشهر. قال طبيب يعمل مع وكالة إغاثة: "تحتاج إلى موافقة خاصة لكل نشاط في الشمال – حتى إذا أرت القيام بزيارة ميدانية، يجب أن تحصل على إذن. إذا أردت إجراء تدريبات، تحتاج إلى إذن".
قال شخص آخر إن الحوثيين "يفرضون العديد من الشروط الإدارية ومتطلبات امتثال اعتباطية، يعقّدون طلبات التأشيرة، وقد أخّروا طلبات تأشيرات الخروج".
شرح أشخاص عدة المشاكل في جمع البيانات في مناطق الحوثيين وأثرها السلبي على قدرتهم على الاستجابة الفعّالة للوباء. قالت امرأة تعمل في وكالة إغاثة إن المنظمات "تحتاج إلى أذون [لجمع البيانات]، وتصاريح، وإلى تقديم الأدوات [التي ينوون استخدامها] ... وقد يرفض الحوثيون بعض الأسئلة أو الاستبيان كاملا".
طالت موجة الاعتقالات والاتهامات بالتجسس التي شنها الحوثيون مؤخرا أشخاصا يجمعون البيانات لوكالات الإغاثة، ما يشير إلى الخطر الجسيم الذي يواجه الموظفين خلال تأدية هذا العمل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. قال طبيب في وكالة إغاثة: "العمل في الشمال يستحيل أكثر فأكثر. تخطينا جميع الإشارات الحمراء. هل نريد الاستمرار على هذا الشكل؟"
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وبعد سنوات من المفاوضات الفاشلة، قرر "برنامج الأغذية العالمي" "إيقاف المساعدات الغذائية مؤقتا" في مناطق الحوثيين. وقالت منظمات إغاثة أخرى عديدة إنها تعاني لمواصلة عملياتها في مناطق الحوثيين بسبب القيود الواسعة ومحاولات الحوثيين السيطرة على برامجهم.
وكان لاشتراط الحوثيين على النساء، ومنهن العاملات في وكالات الإغاثة، اللواتي يسافر إلى المناطق التي يسيطرون عليها أن يكنّ مصحوبات بمحرَم أثر كبير على تقديم المساعدات. في رسالة موجّهة إلى الحوثيين، قال مقررون خاصون أمميون إن "عدم القدرة على السفر يؤدي إلى عدم القيام بالكثير من المهام الضرورية، ما يؤدي بدوره إلى خسارة في العمل. وهناك العديد من التقارير عن مغادرة عاملات إغاثة وظائفهن، وبالتالي خسارة مدخول ضروري لعائلاتهن".
تشرذم السلطات يعيق الاستجابة
اتخذت الحكومة اليمنية، التي تضم المجلس الانتقالي الجنوبي، خطوات في السنوات الأخيرة لتخفيف الشروط البيروقراطية المرهِقة على وكالات الإغاثة، إلا أن مصادر عديدة شعرت أنها استمرت في عرقلة بعض استجابات الإغاثة "عبر التدخل والبيروقراطية". مع ذلك، قال كثيرون إن القضية الأكبر هي الصراع الداخلي بين مختلف السلطات في الجنوب، لا سيما بين مختلف الهيئات وبين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على عدن ومحافظات عدة أخرى.
قال عامل إغاثة إن العديد من وزارات الحكومة – لا سيما الوزارة اليمنية للشؤون الاجتماعية، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، كلاهما بإدارة أعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي – تتصارع حول أي مجموعة مسؤولة عن إدارة المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك مَن يحق له الموافقة على النشاطات. وقد قال: "هذه مشكلة الحكومة اليمنية، إنها لا تعنينا، لكنها تؤثر على عملنا".
بالإضافة إلى هذه الضبابية، يؤدي الانقسام بين السلطات في مناطق مختلفة إلى مشاكل إضافية. إذ قال عامل إغاثة آخر: "المشكلة في الجنوب هي التشرذم. فجأة تقول لنا وزارة التخطيط [في إحدى المحافظات] ووزارة التخطيط [في محافظة أخرى] إننا نحتاج إلى موافقة منها بينما كنا نعتقد أن الأمر محصور بيننا وبين وزارة التخطيط في عدن".
حتى ضمن الوزارات نفسها، غالبا ما تكون هرمية السلطة مبهمة. قال أحد موظفي وكالة إغاثة: "تطلب الموافقة من شخص على قائمة بالأدوية المستوردة، فتجد أن كل شخص في الوزارة يريد أن تكون له السلطة على الأمور".
غياب الوقاية والاستثمار في الحلول طويلة الأمد
قد يكون العامل الأخطر في المساهمة في انتشار الكوليرا في اليمن هو عدم استثمار السلطات في الحلول طويلة الأمد والإجراءات الوقائية. وصف الأشخاص الذين قابلناهم غياب تعزيز الصحة المجتمعية، بما في ذلك الممارسات الزراعية الصحية، وغياب الاستثمار في البنى التحتية للمياه، والصرف الصحي، والنظافة، وهي سبب رئيسي لانتشار الكوليرا في البلاد.
في حين أن النزاع ألحق ضررا بنظام الصحة العامة وبنيته التحتية الهشَّيْن أصلا، يبقى غياب حملات التوعية والمشاركة المجتمعية مجال واضح تقاعست فيه السلطات عن تجنّب مزيد من انتشار الكوليرا.
قالت طبيبة تعمل في وكالة إغاثة إن السلطات لم تقم "بالترويج للصحة" ضمن المجتمعات المحلية. وأضافت: "الوقاية هي كل شيء. لا وجود لعمال صحة مجتمعية لنشر الرسالة. لا يُطبَّق أي شيء، رغم ما لدى السلطات على الورق".
قال عاملٌ وكالة إغاثة محلية: "لا نرى أي إشراك مجتمعي، لا نرى استراتيجية لإشراك المجتمعات المحلية... معظم التدخلات تركز على العلاج وتتجاهل العوامل المسببة، ولهذا ما نزال نرى عودة المرض".
قادت سلطات الحوثيين أيضا حملات ضد اللقاحات، التي يمكن استخدامها للوقاية من الكوليرا وغيرها من الأمراض، بما فيها الحصبة. قالت منظمة الصحة العالمية: "إن تفشي الأمراض التي يمكن تفاديها باللقاحات في اليمن نتيجة مباشرة لتزايد انخفاض مناعة الأطفال".
تتعدد التحديات اللوجستية أمام تأمين اللقاحات وتوزيعها في مختلف أنحاء اليمن، بما في ذلك "سلسلة التبريد"، أو تخزين اللقاحات ونقلها في بيئة يتم التحكم بدرجة حرارتها، والمتطلبات والنقص العالمي. غير أن عرقلة المساعدات، واعتقال عمال الإغاثة وموظفي شركات الأدوية، والحملات المناهضة للقاحات تفاقم هذه الصعوبات بشكل حاد.
قال طبيب يعمل في وكالة إغاثة: "لم يحصل الأطفال في الشمال على أي لقاح خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لذا هم معرضون أكثر من قبل للوفاة بسبب [أمراض يمكن تفاديها باللقاحات]. الأمر لا يتعلق بتوفّرها". وقد وصف "حملة ضخمة على منصات التواصل الاجتماعي"، كانت منظمة الصحة العالمية قد وصفتها بأنها "تشكك في الوقائع العلمية المثبتة وتنشر الخوف والشكوك في أذهان الأهل".
العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم وصفوا أثر سوء إدارة المياه والنفايات، بما في ذلك استخدام مياه الصرف الصحي لأغراض زراعية، على انتشار الوباء. قال خبير الأوبئة إن الكوليرا "يمكن السيطرة عليه، لكن في الواقع، عندما لا يتمكن 70% من السكان من الوصول إلى المياه النظيفة أو التخلص من النفايات، يصبح هناك مشكلة تلوث بيئي خطيرة".
قال مسؤول في مكتب الصحة الحكومي في تعز، ضمن الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، إنه وآخرين فحصوا الخضار الواردة إلى تعز من محافظات الشمال ووجدوا فيها كوليرا. وأضاف: "سُقيَتْ هذه الخضراوات بمياه الصرف الصحي". قال أيضا إن الناس في تعز يحتاجون إلى مزيد من الدعم من السلطات الحكومية لتنقية خزانات المياه في المناطق الريفية في المحافظة، والمزيد من الدعم في المياه والنظافة بشكل عام.
تقاعس السلطات عن الاستثمار في حلول طويلة الأمد يتفاقم بسبب نقص التمويل الدولي لوكالات الإغاثة. إذ قال طبيب، يعمل في وكالة إغاثة، "لم يعد الناس يضعون الأموال في اليمن". وبحسب أوتشا، تم تلقي 22.6% فقط من التمويل الضروري للإغاثة في 2024.
قال عاملا إغاثة إن النقص في التمويل أحد أسبابه، إن لم يكن السبب الوحيد، عرقلة الجهات الحكومية اليمنية للمساعدات. وقال عامل إغاثة، مشيرا إلى القيود الحوثية، إنه بالمقارنة مع عمل منظمته في سياقات أخرى، لم يرد المانحون في الغالب تمويل نشاطات الكوليرا في اليمن بسبب الوقت الطويل الذي قد تستغرقه إجراءات الموافقة.
قال عامل إغاثة: "النظام مهترئ، من أسفله إلى أعلاه. النظام الصحي لا يعمل بكامل طاقته، ولا نظام النقل، أو نظام المياه. ليس بإمكان الحكومة اليمنية أو الحوثيين القيام بأي شيء، لأنهما لا يملكان التمويل. ومع تردي وضع المانحين، تزداد صعوبة معالجة السلطات اليمنية للأسباب الرئيسية للمشاكل".
قال أطباء وعمال إغاثة إن وكالات الإغاثة تحتاج إلى العمل مع السلطات على خطة طويلة الأمد. إذ قال عامل إغاثة: "أولا، يجب وضع خطة استراتيجية وضمان أن تكون خطة طويلة الأمد. إذا حسّنتَ وضع الكوليرا، فإنك تُحسّن المياه والصرف الصحي والنظافة. إذا حسَّنتَ المياه والصرف الصحي والنظافة، فإنك تُحسِّن وضع سوء التغذية".
وأضاف أنه إذا تمت الاستجابة للكوليرا في حالات الطوارئ فقط، بدل وضع خطة وقائية طويلة الأمد، "سنرى التفشي نفسه بالضبط كل عامين، وسيقدمون العلاج فقط بدون معالجة الأسباب الرئيسية".
قال خبير أوبئة يعمل في وكالة إغاثة، "الكوليرا ليست مرضا جديدا. إنها مرض يجب ألا يكون موجودا. كان علينا أن نتخلص منه منذ قرون ... إذا كانت لديك مياه معالَجة بالكلور، وتحكُّم بمياه الصرف الصحي، وتحكُّم بكيفية ري المحاصيل، يمكن وقف انتشاره. الواقع أنه مرض ويمكنك بكل تأكيد القيام بأمر ما حياله".