يستيقظ محمد فجر كل يوم وينطلق إلى البحر قبالة شبوة باحثًا عن رزق يومه أو وجبة أسرته الوحيدة.
تعلّم محمد الصيد في سن مبكرة، وورث معرفة البحر من أسلافه الذين توارثوها جيلًا بعد جيل. وعلى الرغم من حبه للبحر، يُكافح الصياد الفخور لتوفير احتياجات أسرته المكونة من تسعة أفراد، وأصبح هذا الأمر أصعب خاصة بعد أن مرض أحد أطفاله.
تقع قرية "حورة" بعيدًا عن المدينة الرئيسية، حيث يواجه السكان رحلة شاقة تمتد 50 كيلومترًا للوصول إلى أقرب مركز طبي. كانت هذه الرحلة تمثل سفرًا مرعبًا لمعظم القرويين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو العلاج.
يقول محمد: "عندما يمرض أحدنا، يصبح توفير الرعاية الصحية اللازمة له عبئًا ثقيلًا. بعض العائلات تضطر للابتعاد عن أفرادها لأيام بحثًا عن الخدمات الصحية، مما يزيد من صعوبة وضعهم المالي".
مشكلة صحية طارئ
وخلال الوقت الذي تُعاني فيه اليمن من عشر سنوات من الصراع، شهدت البلد أيضًا أكبر تفشي للكوليرا في التاريخ الحديث (2016-2022) ، حيث تم تسجيل أكثر من 2.5 مليون حالة مشتبه بها وأكثر من 4 آلاف حالة وفاة. وقد تسببت الأزمة الأخيرة بالفعل في وجود أكثر من 30 ألف حالة مشتبه بها منذ بداية العام.
وزاد عدد الحالات بشكل مُلاحظ ضمن أكثر الفئات ضعفًا في شبوة ممن لديهم وصول محدود للخدمات الصحية الأساسية أو ليس لهم القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات أصلًا. وزادت الأمطار الغزيرة والفيضانات من انتشار الكوليرا. ويوضح محمد أنه شهد وفاة امرأة في الطريق إلى أقرب مركز صحي جراء توقف الحركة على الطريق بفعل الفيضانات.
واستجابة لهذه الاحتياجات الحرجة، دعمت المنظمة الدولية للهجرة إعادة فتح مركز حورة الطبي، وجلب هذا أملًا جديدًا لمحمد وأسرته. صُمم المركز لمعالجة مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، مع التركيز بشكل رئيسي على الكوليرا.
تمكين المجتمعات
ساهمت جهود المنظمة الدولية للهجرة في مكافحة الكوليرا بأكثر من مجرد تقديم الخدمات الطبية؛ حيث حشد فريق المنظمة متطوعين من المجتمع المحلي لرفع الوعي بمكافحة الوباء، والتزم هؤلاء المتطوعون بمساعدة المجتمعات في إدارة تفشيه.
"تأثرت بشدة بمعاناة مجتمعنا، لذا قررت أن أصبح عاملة صحية لمساعدة مجتمعي،" توضح لنا جميلة، متطوعة.
طوال فترة تفشي الكوليرا تضمنت الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين الثقافة الصحية للمجتمع، والترويح لممارسات الصحة العامة. من خلال دعمهم الثابت، ساهم متطوعو المنظمة الدولية للهجرة بشكل كبير في تقديم الإرشادات الصحية العامة.
تغيير ممارسات المجتمع والتأسيس لعادات جديدة كان مهمة مليئة بالتحديات، ولكن هِمّة المتطوعين كانت عالية. ومن خلال الزيارات المنزلية، شجعوا العائلات على تنفيذ أنشطة تحمي صِحتهم وسلامتهم. انطلاقًا من الترويج للوعي بنظافة اليدين وانتهاء بالدعوة لتطبيق ممارسات المياه النظيفة، بذل المتطوعون كل الجهود الممكنة لتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.
بدأت فرق التطوع أنشطتها في مركز حورة الطبي، وهو المنشأة الصحية الوحيدة في المنطقة. لكن تفشي الكوليرا تعدى سكان قرية "حورة"، حيث أثر أيضًا على المهاجرين الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية. وللتعامل مع هذه الاحتياجات طلبت المنظمة الدولية للهجرة مساعدة فرقها الطبية المتنقلة المتواجدة على طرق الهجرة الرئيسية.
استراتيجية الجهوزية
بالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان اليمنية والمكاتب الصحية المحلية، وسّعت المنظمة الدولية للهجرة جهودها بشكل مستمر لتقديم المساعدات الفورية للمناطق المتأثرة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.
تضمن استراتيجية المنظمة الدولية للهجرة للجهوزية والاستجابة الشاملة وجود خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة داخل المراكز لمنع انتقال العدوى بين المرضى والطاقم الطبي. ونظرًا لاحتمالية وجود مياه ملوثة، تُقدم المنظمة الدولية للهجرة للمجتمعات الضعيفة أجهزة الكلورة ذاتية العمل، ومواد معالجة المياه، وحقائب النظافة والتعامل مع الكوليرا.
دعم فريق الترويج للنظافة بالمنظمة توزيع حقائب الكوليرا ونفذ أنشطة ترويج نظافة مُعززة لزيادة فِهم وتبني الممارسات الصحية. وتبين أن منهجية معالجة مصادر المياه كانت فعالة في تقليل نطاق تفشي الكوليرا في المجتمعات المتضررة.
استعادة الأمل
تعامل المتطوعون في مركز حورة الطبي مع المشاكل الصحية الفورية خاصة الكوليرا في مجتمعاتهم. ولم تقتصر إنجازاتهم على إحداث تغيرات إيجابية لتعزيز الرعاية الصحية للجماعات الضعيفة فحسب، ولكن أيضًا زرعوا الأمل والمرونة في أرجاء المجتمع.
ومنذ بدء التفشي، كان متطوعو الصحة والنظافة يقدمون خدمات الرعاية الصحية والجلسات التثقيفية للنساء والأطفال والرجال الذين طالما حُرموا من هذه الخدمات في السابق. وامتد تفانيهم في مساعدة الناس إلى ما بعد ساعات العمل العادية، حيث استمروا في دعم من يطلبون المساعدة حتى في أوقات متأخرة من الليل.
ومع مرور الوقت، ومن خلال الجهود التعاونية والمستمرة لمكافحة الكوليرا، تحقق تقدم كبير في سد الفجوة في خدمات الرعاية الصحية للمجتمعات المستضيفة والمهاجرين في شبوة. والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية لم يضع حجر الأساس لمستقبل أكثر صحة فحسب، لكنه عزز أيضًا إحساس المجتمع بالأمان.