استعرضت رئيسة تحرير موقع "يمن فيوتشر"، ثريا دماج، الاثنين في جنيف، إحاطة موسعة حول التأثيرات المتشعبة للحصار الخانق الذي فرضته جماعة الحوثيين على محافظة تعز، جنوبي غرب البلاد، منذ تسعة أعوام، قبيل الاختراق الحذر، يونيو/حزيران الماضي، في فتح طريق رئيس، شرقي المدينة المكتظة.
وتطرقت في ندوة على هامش فعاليات الدورة الـ56 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى التعقيدات التي اعترضت مسار الخدمات الطبية والتعليم، أمام آلاف المرضى وطلبة الجامعة، إلى جانب تضاعف تكاليف نقل السلع والاحتياجات الأساسية للسكان، بالاعتماد على "طريق وحيد يمر عبر خط الضباب وهيجة العبد ثم المقاطرة بمحافظة لحج ومنها إلى مدينة عدن" المعلنة عاصمة مؤقتة للحكومة اليمنية، ما أدى لـ"رفع الأسعار بنسبة 35%".
المداخلة التي جاءت تحت عنوان "طرق تعز المغلقة والبديلة في ظل الحصار المتواصل"، توسعت في شرح الظروف الصعبة وسط وعورة الممرات البديلة التي وسعت مسافة التنقل بين مدينتي تعز وعدن إلى نحو ثلاثة أضعاف، بعد أن غدت عشر ساعات أمام المسافرين بدل ثلاث ساعات ونصف، فيما "تمتد المسافة لناقلات الشحن الثقيل لنحو 22 ساعة".
وتأتي الندوة في إطار حملة "افتحوا الطرق في اليمن"، دشنها الائتلاف اليمني لحقوق الإنسان، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، لتسليط الضوء على معاناة اليمنيين جراء الإغلاق المستمر للطرق الرئيسية، ومطالبة أطراف الصراع بفتحها، وتمكين أفراد المجتمعات المحلية من حرية التنقل والسفر وضمان أمنهم، إلى جانب وقف توظيف ملف الطرق في المساومات السياسية.
وكشفت دماج عن وفاة 151 شخصًا وإصابة 21 آخرين بين عامي 2017 و2021، جراء انقلاب المركبات في "هيجة العبد"، الواقعة بين محافظتي لحج وتعز، وفق تقارير حقوقية ورسمية، "وبحسب إحصائيات مكتب شئون الحصار في تعز، فإن الطرق الوعرة والبديلة التي اتخذها السكان للتنقل مع استمرار الحصار تسببت بنحو 481 حادث مروري نتج عنها 374 حالة وفاة وإصابة 966 حالة وخسائر قدرت ب 475 مليون دولار".
وقالت رئيسة التحرير: "منذ أول نقاش بشأن فتح طرق تعز في 14 أبريل/نيسان 2016 في ظهران الجنوب في السعودية، ومفاوضات الكويت 2018، مرورًا باتفاق استكهولم 2018 وحتى مشاورات الأردن 2022، لم تفِ جماعة أنصار الله الحوثيين بوعودها، على الرغم من رفع القيود عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي"، الواقعين تحت سيطرتها.
ومع فتح طريق جولة القصر، 13 يونيو/حزيران الماضي، بشكل منفرد من جماعة الحوثيين، أشارت دماج إلى ملابسات الخطوة التي تمت "دون غطاء أممي واتفاق سياسي واضح"، ما بعث القلق، وأدى لـ"اعتقال عدد من المدنيين العابرين والعائدين لمنازلهم من قبل أفراد نقاط أمنية تابعة للحكومة المعترف بها دوليًا"، فيما يخشى مراقبون من "تعثرها".
وفي سرد مطول، تطرقت المداخلة لـ"قصة حصار مدينة تعز"، منذ مطلع أبريل/نيسان 2015، وصولًا إلى لـ"12 يوليو/تموز 2015"، حيث "باتت جميع طرق الجهة الشرقية مغلقة سواء الرئيسية أو الفرعية".
وقالت دماج: "بحلول الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أُطبق الحصار على تعز بشكل كلي، نصبت قوات الحوثيين نقاط تفتيش من بينها نقطة "معبر الدحي" حيث تعرض السكان للتفتيش والإيقاف لعدة ساعات، وصُدرت بضائعهم وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016 كان لمنظمتي السابقة نصيب من هذه الانتهاكات حيث تم مصادرة معدات إغاثية إيوائية كان من المفترض أن يتم تسليمها لـ400 أسرة نازحة في مديرية المسراخ، كما تم منع دخول المواد والاحتياجات الاساسية بينما اضطر الأطباء إلى إدخال الأدوية التي يحتاجها بعض المصابين بأمراض مزمنة تحت جلابيب النساء".
وأضافت، "فرض الحوثيون حصارًا قاسيًا على المدينة. كان القناصة يعتلون أسطح الأبنية المحيطة بالطرق بما في ذلك الفرعية وحتى الأزقة. توقفت جميع الخدمات العامة، كما انعدمت المشتقات النفطية أيضًا. أصبح غاز الطهي معدومًا أو متاحًا بأسعار خيالية في السوق السوداء فقط، شوهدت حينها الحمير في الشوارع وبين البيوت وهي تحمل الحطب. ولم يكن من المسموح إدخال أنابيب الأكسجين للمستشفيات".
واستعرضت دماج "القصة الأليمة"، لـ"حمامة يوسف علي"، التي "لا تزال بمثابة تذكير بتلك المرحلة القاسية، حيث تعرضت لإصابة خطيرة كان من الممكن إنقاذ حياتها عندما وصلت إلى المستشفى، لكن الأطباء رفضوا إجراء عملية جراحية لها لاستخراج الشظايا من صدرها بسبب عدم توفر الأكسجين، مما أدى الى وفاتها يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2015".
وطالبت رئيسة التحرير باسم "الائتلاف اليمني لحقوق الإنسان"، في ختام مداخلتها، من جميع أطراف النزاع، "الرضوخ أمام المطالب الشعبية بفتح بقية الطرق وتحديدًا جماعة أنصار الله الحوثين، ومنها الطرق الرئيسية الثلاث الأخرى، شرقي وشمالي المدينة، وهي طريق حوض الأشراف، طريق كُلابة، وطريق عصيفرة الحوجلة".
كما طالبت "جميع أطراف الصراع بضمان حماية وكرامة المواطنين المتنقلين ومنع الاعتقالات التعسفية بما فيها تفتيش السيارات والهواتف والتدخل في خصوصيتهم"، و"تقديم قائمة بالضمانات التي يجب أن يوقع عليها أطراف النزاع فيما يتعلق بملف فتح الطرقات وضمان استمراريته ومراقبة دولية وأممية"، إلى جانب مطالبة "جماعة أنصار الله الحوثيين" بـ"تسليم خارطة الألغام الأرضية المزروعة في الأطراف المترامية حول مدينة تعز"، بالإضافة لـ"مراقبة المجتمع الدولي ملف حقول الألغام الأرضية".