توقع تقرير دولي حديث أن يتواصل انكماش الناتج المحلي في اليمن للعام الثاني على التوالي، بفعل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة التي يغذيها الصراع المستمر والتوترات الإقليمية والانقسام المصرفي.
وقال البنك الدولي (WB) في تقرير أصدره الأربعاء: "من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة 1.0% في عام 2024، بعد أن شهد في عام 2023 انكماشاً بنسبة 2.0%، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5% في عام 2022، بفعل استمرار الصراع والتوترات الإقليمية والانقسام المصرفي التي تؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تعانيها البلاد".
وأضاف التقرير أن الاقتصاد اليمني يواجه أزمات متفاقمة وعقبات كبيرة، حيث شهدت البلاد خلال الفترة بين عامي 2015 و2023 انخفاضاً بنسبة 54% في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، مما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، كما أن انعدام الأمن الغذائي يؤثر على نصف السكان، إضافة إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين صفوف الشباب.
وأفاد البنك الدولي أن المالية العامة للحكومة المعترف بها دولياً شهدت تدهوراً كبيراً في عام 2023، حيث تقلصت إيراداتها بأكثر من 30%، نتيجة الانخفاض الكبير في عائدات النفط، وتقلص إيرادات الجمارك، نظراً لإعادة توجيه الواردات من عدن إلى الموانئ التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، اضطرت معه إلى "إجراء تخفيض حاد في الإنفاق، مما أثر على الخدمات العامة الأساسية والنمو الاقتصادي طويل الأجل".
وأشار التقرير إلى أن عجز الحساب الجاري لدى الحكومة ارتفع في عام 2023 إلى 19.3% من إجمالي الناتج المحلي بعد أن كان 17.8% في عام 2022، وكان للحصار المفروض على صادرات النفط تأثير كبير على هذا العجز، "في حين ظلت احتياطيات النقد الأجنبي مستقرةً بشكل نسبي بفضل المساندة المالية التي قدمها الشركاء، ومنها تحويل جزء من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي".
وأكد البنك الدولي أن استمرار الضغوط على المالية العامة والتجزؤ الاقتصادي بين المناطق الشمالية والجنوبية يهدد بتعميق الانقسام ويزيد من تعقيد جهود التعافي، "فعلى سبيل المثال، أدت إعادة توجيه الواردات إلى انخفاض كبير في الإيرادات الجمركية لعدن، مما زاد من الضغوط على الأوضاع الاقتصادية في الجنوب مقارنة بالشمال".
وأوضح التقرير أن التوترات الإقليمية المتصاعدة، وخاصة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، كان لها تأثيرات حادة على الأوضاع الاقتصادية، حيث تسببت بتعطيل حركة الشحن والتجارة الدولية، مما زاد من تكاليف الشحن وأقساط التأمين، وبالتالي وضع المزيد من الضغوط على الاقتصاد اليمني، و"تتوقف إمكانية زيادة المعونات والاستثمارات على تحقيق هدنة دائمة والالتزام بإعادة الإعمار من جانب جميع الأطراف المعنية".
من جهتها قالت مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن؛ دينا أبو غيدا إنه رغم تزايد حدة التحديات الاقتصادية والإنسانية في اليمن، إلا إن إمكانية التعافي تظل قائمة في ظل المساندة والإستراتيجيات الصحيحة، ولدى البنك الدولي التزام صارم بمساندة اليمنيين لتجاوز هذه الأزمات، وتقديم المساعدات، وتمهيد الطريق لبناء مستقبل مستدام وقادر على الصمود".
وأورد التقرير أن الصراعات الإقليمية المستمرة، وانخفاض قيمة العملة، والضغوط على المالية العامة تشكل مخاطر كبيرة أمام تعافي الاقتصاد اليمني، الأمر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود في "مجالات العمل الحيوية، ومنها التصدي للضغوط التي تعانيها المالية العامة، وتخفيف الاضطرابات التجارية، وتحقيق استقرار العملة".
وشدد البنك الدولي على أن الآفاق الاقتصادية لليمن لا تزال تتسم بقدر كبير من عدم اليقين، كما يُعد استئناف صادرات النفط والتعافي الاقتصادي واسع النطاق أمرين بَعِيدي المنال في الوقت الراهن، "ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق سلام دائم يمكن أن يؤدي بسرعة إلى تحسين الآفاق الاقتصادية للبلاد، جنباً إلى جنبٍ مع المساعدات المالية الخارجية وجهود إعادة الإعمار".