عندما ذهبت إلى الطبيبة للكشف عن المشكلة، أخبرتني أن السبب استخدامي قطع القماش لـ الدورة الشهرية"، تختزل الثلاثينية فاطمة (اسم مستعار) مشكلتها الدورية الحساسة في ظل الصراع، فيما تقطن في مدينة الحديدة الساحلية، غربي البلاد، ضمن منزل متواضع مع أبنائها الخمسة.
قبل اندلاع النزاع في اليمن، كان باستطاعة (فاطمة) الوصول لـ شراء "الفوط الصحية" ((Sanitary pads شهريًا، إذ كان الوضع الاقتصادي جيدًا بالنسبة لها، قبل اندلاع الحرب التي عصفت بسعر العملة وتفاقم الأسعار، ما أدى لصعوبة الوصول إلى هذه القطع الماصة للطمث، واضطرارها بالتالي لاستخدام القماش الذي تسبب بالتهابات شديدة.
الشابة سمية (اسم مستعار)، الساكنة في ريف تعز، جنوبي غرب اليمن، وهي يتيمة الأب تعيش مع أمها رفقة اختين وأخ، تقول من جهتها إن وضعًا اقتصاديًا كان جيدًا لعائلتها قبيل رحيل أبيها، ما مكنّها من شراء هذه الفوط الصحية، "بعد وفاة والدي ومع الحرب تأثر وضعنا المادي، أصبحت والدتي غير قادرة على شراء الفوط الصحية؛ لانشغالها بتوفير وشراء الأساسيات من طعام وشراب"، ما ألجأها إلى تقطيع الملابس القديمة واستخدامها، متسببة بـ"اسمرار المنطقة الحساسة وخروج روائح كريهة من المهبل، إثر ارتداء الأقمشة بديلًا عن الماصّات صحيًا".
•وقْع الحرب..
جراء النزاع، خيّمت ظروف اقتصادية قاسية على المجتمع اليمني بشكل عام وعلى النساء خصوصًا، مما جعلهن غير قادرات على شراء "ماصّات الطمث"، وبالتالي اللجوء لبدائل القماش، وفق القابلة إشراق المساح.
وبحسب الصيدلي إبراهيم محمد، فإن إقبال النساء على شراء هذا النوع من القطع الصحية تراجع جراء استفحال الأزمة الاقتصادية بفعل الحرب، وهو ما يؤكده أيضًا الصيدلي كمال فضل.
لا تقدم المنظمات الدولية والمحلية "الفوط الصحية" للنساء والفتيات حتى بحدود نسبية من الاحتياج في البلد الغارق بنزاع مرير للعام العاشر على التوالي.
تقصت معدة التقرير عما إذا سعت المنظمات الدولية لتوزيع فوط صحية بشكل دوري او متقطع للنساء والفتيات، دون تلقي ردود إيجابية، باستثناء تدخل محدود تلقته النازحات ضمن حقيبة الكرامة.
تقول مديرة دار الإيواء التابع لاتحاد نساء اليمن في مديرية الشمايتين بتعز، هناء الشرجبي: "عند استقبال الحالة يتم إعطاؤها شهريًا حقيبة الكرامة وجميع الأدوات الصحية التي تحتاجها".
لكن موظفة بإحدى المنظمات، طلبت عدم ذكر اسمها؛ لعدم تخويلها بالتصريح، تشير إلى أن اعتمادًا محدودًا من قبل مانحين تم منذ ما بعد 2021، بتوزيع "حقيبة الكرامة" للنساء المعنفات فقط في المخيمات ودار الإيواء، فيما "لا يزال التمويل قليلًا للغاية إزاء احتياج أكبر من قبل النساء لهذه الحقيبة".
•مخاطر صحية.. بدائل
أخصائية النساء والقبالة فوزية سلطان، أوضحت أن استخدام أي أداة ملوثة بدلًا من الفوط الصحية، مثل الكرتون أو قطع قماش غير مغسولة جيدًا قد يتسبب بعدوى بكتيرية، والأكثر أن تحدث إصابة بنوع من البكتيريا يسمى "البكتيريا العنقودية" وهو نوع خطير للغاية إن حدث وأصاب المهبل يمكن أن تصل العدوى للرحم وقناة فالوب.
تضيف سلطان عن مخاطر هذه الإصابة، المحتمل أن تسبب التهابًا في الحوض قد يؤدي لتسمم في الدم، ما ينتج لاحقًا عدم القدرة على الحمل مجددًا، مشيرة لبعض البدائل والإرشادات "حالما اضطرت النساء لأدوات بديلة للفوط الماصّة، يمكن استخدام المناديل الورقية مؤقتًا إذا ما كانت متاحة لمرة واحدة، وحال استخدام ملابس قديمة يجب غسلها جيدًا بالكحول أو الكلور".
من ناحيتها، تقول اختصاصية التجميل والبشرة إلهام علي، إن استخدام قطع القماش للدورة الشهرية يسبب عديد أضرار كحدوث طفح جلدي؛ جراء الاحتكاك بين الفخذين في ظل عدم الامتصاص والرطوبة، إلى جانب ما يسمى بـ"عدوى الخميرة المهلبية" و"التهاب الكبد"، بفعل تلوث الأقمشة التي عادة ما تنبعث منها روائح كريهة.
•حلول مؤقتة
تلفت القابلة إشراق المساح إلى أن قطع القماش ليست بديلًا للفوط الصحية رغم الاستخدام قديمًا، وإنما حل مؤقت، "لا بد من تعقيمها جيدًا وتعريضها للشمس واستخدام قطعة جديدة بعد كل تغيير، ينصح أن تكون معقمة وجديدة ونظيفة وأن يتم تبديلها وعدم ارتدائها لفترة طويلة"، مشددة على الاهتمام بالنظافة الشخصية باستمرار.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع "تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام"، الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.