اليمن: ماذا بعد الجولة التمهيدية من حوار القوى السياسية الجنوبية؟
يمن فيوتشر - القدس العربي - احمد الاغبري الاربعاء, 05 يونيو, 2024 - 11:34 صباحاً
اليمن: ماذا بعد الجولة التمهيدية من حوار القوى السياسية الجنوبية؟

انتهت الجولة التمهيدية لأعمال الحوار بين عديد من القوى السياسية الجنوبية، بتيسير من المعهد الأوروبي للسلام في الأردن، خلال 1-3 يونيو/ حزيران الجاري، بنتائج دبلوماسية خالصة في فحواها، والهدف جذب قوى جنوبية أخرى للالتحاق بالجولات المقبلة من الحوار، وبالتالي كانت هذه الجولة هي المحك، وبناء عليها سيترتب انعقاد الجولات اللاحقة من عدمه، ولهذا كانت “تحضيرية” في متنها.

من الطبيعي أن يأتي البلاغ الصحافي للجولة التمهيدية من هذا الحوار تسجيليًا للحدث أكثر منه تعبيرًا عن مواقف من راهن قضايا المشهد اليمني عمومًا وفي جنوب وشرق اليمن خصوصًا، وهذا أمرٌ ينسجمُ مع طبيعة الجولة باعتبارها “تمهيدية”، بمعنى أنها معنية بوضع أسس ومعايير وتحديد أجندة حوار الجولات المقبلة، فالحوار الجنوبي – الجنوبي يكتنفه كثير من الإشكالات، وبالتالي فالسير في وديانه سيكون محفوفًا بمخاطر عديدة، ما لم يتم مراعاة ظروف المرحلة، ومعالجة ما يكتنف هذا الإشكال ، من خلال تحديد خريطة التحاور بين مكونات هذه الجغرافيا بعناية وقبل ذلك دفعها للمشاركة، فذلك سيكون الاختبار الحقيقي لهذا الحوار ممثلا في التوافق الجنوبي ، والخروج من مأزق “الانتقالي”.

على مدى السنوات القليلة الماضية التقت قيادات وممثلو المعهد الأوروبي للسلام، ومقره بروكسل ويعمل على دعم أجندة السلام للقادة الأوروبيين والاتحاد الأوروبي، بعددٍ من قيادات يمنية جنوبية، بما فيها قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، ورؤساء سابقين للدولة الشطرية في جنوب اليمن قبل عام 1990.

بلا شك إن ذلك يندرج في سياق تحضيرات المعهد للوصول بالمشهد السياسي الجنوبي في اليمن إلى حوار يسعى لإذابة ثلج الخلاف، والوصول إلى موقف جنوبي موحد تجاه مختلف الإشكالات وفي مقدمتها الانفصال، لاسيما ونحن إزاء مشهد سياسي جنوبي مليء بالضوضاء، التي تعكس تعددًا واسعًا غير منتظم في المواقف المختلفة في اتجاهاتها عما يُعلن عنه المجلس الانتقالي الجنوبي، حتى وإن كان بعضها، بما فيها المكونات (المفرّخة)، يتفق مع ما ينادي به “الانتقالي”، إلا أن الخلاف مازال سيد الموقف بين معظم القوى السياسية في علاقتها بالانتقالي، مهما حاول الأخير، من خلال تفوقه الإعلامي والعسكري وتحالفاته المثيرة، أن يفرض نفسه وكأنه الممثل الوحيد للقضية الجنوبية، بينما الواقع مختلف تمامًا، وفي حال تُرك المشهد كما هو عليه فإن هذا الواقع المضطرم بنيران الخلاف تحت الرماد سيمثل تهديدًا للسلام والاستقرار مستقبلاً هناك.

“الانتقالي الجنوبي” واستباقًا منه لرفع لافتة (الحوار الجنوبي)، وفي سياق مساعيه لفرض نفسه ممثلًا وحيدًا (اجباريًا) لمكونات الجنوب السياسية فقد عمل على تنظيم وعقد “مؤتمر الحوار الجنوبي” في مايو/أيار 2023، بمشاركة بعض المكونات ورفض مكونات أخرى، وهو المؤتمر الذي أثار جدلًا سياسيًا كبيرًا هناك، إذ لا يمكن لمكون سياسي أن يكون منظمًا للحوار ومشاركًا فيه وصاحب الصوت الأعلى في مداولاته، وقبل ذلك هو من يوضع شروط التحاور والمشاركة فيه. وقد تم في ذلك المؤتمر إقرار “ميثاق الحوار الجنوبي” وتفويض “الانتقالي” ممثلًا وحاملًا سياسيًا للقضية الجنوبية، التي مازالت تحتاج لمزيد من الدرس السياسي والنقاش الثقافي لدى المكونات الجنوبية.

واستهدف مؤتمر “الانتقالي” وفق بياناته الرسمية، الوصول إلى توافق سياسي جنوبي على اختيار ممثل وحامل للقضية الجنوبية، ومطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله وفق حدود ما قبل عام 1990.

وأعلنت مكونات سياسية جنوبية، حينها، رفضها المشاركة في المؤتمر. وانتقدت برنامجه، وأكدت ضرورة تنظيم ما اعتبرته حوار جنوبي – جنوبي يتم التحضير له وفق رؤية متفق عليها، وتجلس على طاولته جميع المكونات بندية، لتتفق على اختيار مَن يمثلها ويرفع مطالبها، معتبرة الحوار الذي نظمه “الانتقالي” كان أشبه بمحاولة فرض موقف ورأي المكون المنظم للمؤتمر، وعلى المكونات الأخرى “السمع والطاعة”.

وقد استطاع “الانتقالي” احتواء بعض المكونات الجنوبية، وبعضها عمل على تفريخ مكونات مماثلة لها، إلا أن المكونات السياسية الجنوبية الفاعلة مازالت في معظمها على خلاف مع ” الانتقالي”، وتطالب بحوار حقيقي يخرج بخلاصة مطالب الجنوبيين، ومن يمثلهم في حوار التسوية اليمنية.

من الطبيعي أن يأتي رد فعل “الانتقالي” على الجولة التمهيدية لحوار المكونات السياسية الجنوبية رافضًا لها، لأنه يعتبر نفسه المكون الوحيد والشرعي لما تُعرف بالقضية الجنوبية.

وقال جابر محمد، القيادي في “الانتقالي ” في تدوينة على منصة إكس:” ألا يعلم القائمون على المعهد الأوروبي للسلام بأن المشهد السياسي في الجنوب قد تغيّر، ، وأصبح هناك حامل سياسي للجنوب هو المجلس الانتقالي”.

وقال إن “الانتقالي مُنفتح تمامًا لأي حوار جنوبي واسع، وهذا ما يؤكده دائمًا في اجتماعاته، ولم يستثن أحد قط، وقد توج بالميثاق الوطني الجنوبي”.

وأضاف: “على كل حال لن نكون ضد هكذا لقاءات، ولكن أقدم لكم نصيحة بأن تعقد جلساتكم في عدن، وهي محل ترحيب، كما عقد المعهد الديمقراطي الأمريكي ورشة عمله بعدن قبل أيام بكل أمن وأمان”.

فيما قال مدون باسم “المشجري” وهو من مؤيدي “الانتقالي”: “ما يسمى الحوار الجنوبي بالبحر الميت الأردن، الذي رعاه المعهد الأوروبي للسلام، والذي استمر ساعة من الزمن وانتهى، شاركت فيه الدكاكين الميته الجنوبية”.

وحسب البلاغ الصحافي الصادر عن المعهد الأوروبي للسلام فقد “شارك في الحوار ممثلون عن الجهات التالية: المجلس الاعلى للحراك الثوري، الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار، حركة النهضة للتغيير السلمي، مؤتمر حضرموت الجامع، الائتلاف الوطني الجنوبي، التحالف الموحد لأبناء شبوة، مجلس حضرموت الوطني، مجلس شبوة الوطني العام، جنوبيات من اجل السلام”.

وأوضح لقد: “اتفق المشاركون على الأسس والمبادئ المنظمة للحوار، وقاموا باستعراض الوضع السياسي في الجنوب وفي اليمن بشكل عام، وناقشوا العلاقة بين المحافظات ومختلف مؤسسات الدولة، وسبل إعادة بناء المؤسسات في اليمن والتمثيل السياسي لمكونات الجنوب، بما في ذلك التمكين في مؤسسات الدولة، كما ناقش الحوار بعض المقترحات حول إشراك قوى سياسة أخرى في أعماله، والموضوعات التي سيتم مناقشتها في دورات الحوار القادمة”.

وأضاف: “اتفق المشاركون على ضرورة حل كافة الخلافات في الجنوب من خلال التفاوض والحوار ونبذ العنف، مع ضرورة احترام كافة الحقوق والحريات المكفولة وفقاً للمواثيق الدولية”.

وأفاد بإن “المشاركين عقدوا على هامش الحوار لقاءً مع سفراء الأتحاد الأوروبي والمانيا وهولندا وبريطانيا لدى اليمن، وكذلك لقاء مع نائب ممثل الأمم المتحدة في اليمن من أجل تبادل الآراء حول تطورات الأوضاع في الجنوب وفي اليمن بشكل عام”.

من خلال البلاغ الصحافي فإننا نفهم أن الجولة اهتمت بوضع الأسس والمبادئ المنظمة للحوار، ومن الموضوعات التي نوقشت كان التمثيل السياسي لمكونات الجنوب، بما في ذلك التمكين في مؤسسات الدولة، وإمكانية اشراك قوى أخرى في الحوار، مما يعني أن الباب مفتوحًا لمشاركة قوى جنوبية أخرى، لأن ثمة قوى عديدة ومؤثرة لا يمكن استقامة الحوار في جولاته التالية بدونها. كما ناقشوا موضوعات الدورات المقبلة، وهو ما لم يفصح عنه البلاغ الصحافي، لكنها ستكون ميسرة للمشاركين الجدد من بقية القوى السياسية الجنوبية.

مما حمله البلاغ وتدوينات بعض المشاركين في الجولة التمهيدية على منصات التواصل فإن هذه الجولة قد استطاعت تحديد أجندة الجولات المقبلة من جولات هذا الحوار، الذي كان لابد أن يتصدر لتنظيمه مكون سياسي دولي يستوعب الرؤى المختلفة، ويحاول قدر الإمكان الوصول بالمكونات السياسية الجنوبية إلى مستوى من التوافق على ضرورة التزام نهج الحوار، ونبذ العنف في ظل الاحتقان الجنوبي الحاصل، بما في ذلك الوصول مع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مرحلة يجد نفسه مضطرًا للمشاركة، مثل أي مكون جنوبي آخر في الجولات المقبلة من الحوار، ولعل هذا جزئية مهمة من أهداف هذا الحوار، وقبل ذلك هو امتصاص الخلاف الحاد باعتباره نقطة ضعف مشروع التمثيل السياسي للجنوب اليمني.

السؤال: هل يسعى المعهد الأوروبي للسلام من خلال هذا المشروع خدمة السلام في الجنوب اليمني من خلال تكريس الاتجاه السلمي والتوافقي لهذه النخب والمكونات نحو الانفصال؟ أم أن المسألة تقتصر على خدمة السلام باعتباره هدف مجرد من أي أجندة سياسية مرتبطة بمشاريع الصراع والانفصال، وبالتالي فالهدف هو امتصاص الخلاف وتوحيد المواقف والوصول إلى مكون جنوبي يمكن للاتحاد الأوروبي التعامل والتعاون معه مستقبلًا؟ أم أن الأمر متعلق بإعادة موضعة المجلس الانتقالي الجنوبي في الخارطة السياسية في الجنوب كمكون سياسي مطلوب منه أن يشارك في الحوار الجنوبي والانطلاق صوب رؤية واحد لما يريده الجنوب تحديدًا في ظل تعدد المكونات والمشاريع السياسية هناك، وبالتالي فالهدف هو الانفصال لكن وفق رؤية متفق عليها بين مكونات الجنوب؟ بمعنى هل هذا الحوار يهدف إلى الضغط على “الانتقالي” للمشاركة في الحوار بعيدًا عن تعقيدات المشهد الجنوبي من خلال فرض نفسه ممثلا وحيدًا بالقوة والمال في واقع يتزاحم بالمكونات والمشاريع التي يجب أخذها في الاعتبار على طريق الانفصال؟

الجواب مرتبط بما ستظهر عليه أجندة الجولات المقبلة من هذا الحوار والقوى المشاركة فيه وموقف المجلس الانتقالي منها، وموقف المعهد أيضًا باعتباره مؤسسة سياسية تساعد القادة الأوروبيين والاتحاد الأوروبي على تشكيل موقف واضح من بؤر الصراع في العالم.

 

 

 

 

 


التعليقات