توضح الضربات الصاروخية الأمريكية على قوات الحوثي التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر أهمية البحرية في حماية واحدة من أكثر الطرق التجارية ازدحامًا على وجه الكوكب، فيما لا تشير العدوانية من قبل إيران وقواتها الموالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى أي علاماتٍ على التراجع. وفي ضوء هذه الواقعية، تتطلع مدمرات الفئة "أرلي بيرك"، التي تعتبر أعمدة البحرية، إلى مزيد العمل في المنطقة مع استمرار بنائها لثلاثين عامًا. وعلى الرغم من أن مواجهة الصين في منطقة المحيط الهادئ أصبحت التركيز الأساسي للاستراتيجية البحرية وردع العدوان الروسي، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تستفيد من الحفاظ على وجود بحري في المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية.
ونقل السفن إلى البحر الأحمر وغيرها من المناطق المائية شرق قناة السويس يستلزم استهلاك موارد ووقت. فعلى سبيل المثال، يستغرق حوالي 20 يومًا لحاملة طائراتٍ محلية في سان دييغو للوصول إلى الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، فإن أي سفينة من الأسطول البحري الباسيفيكي المنتشر في الشرق الأوسط لن تكون متاحة لحماية مصالح وحلفاء أمريكا في المحيط الهادئ الغربي. وإذا هاجمت الصين تايوان ووجدت الولايات المتحدة نفسها بحاجة إلى مدمراتٍ إضافية، فإن قدرة أمريكا على دورياتها في البحر الأحمر ستكون محدودة بشكل كبير.
ويمكن للسفن الأمريكية أيضًا الإبحار من الساحل الشرقي، عبر المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط قبل عبور قناة السويس. ومع ذلك، فإن وصول الولايات المتحدة إلى القناة غير مضمون. واقتصاد مصر يعتبر بعيد عن الاستقرار. ففي مارس/ آذار 2024، قبلت مصر تمويلًا بقيمة مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي لتقليل ديونها الوطنية الضخمة. على الرغم من أن مصر هي حليف أمريكي طويل الأمد وتتلقى أكثر من مليار دولار سنويًا كمساعدة من واشنطن، إلا أن الجيش المصري يعتمد بشكلٍ متزايد على روسيا للحصول على أسلحته. وفي الوقت نفسه، أدت زيادة بقيمة 28.5 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في 2018 و2019 إلى جعل مصر الدولة العربية الأولى المستفيدة من الاستثمارات الصينية.
وهذه العوامل تجعل مصر عرضةً للضغط من خصوم أمريكا. فعلى سبيل المثال، قد تواجه مصر نقصًا في إمدادات القمح، كما حدث في مراحل مبكرة من الحرب الروسية في أوكرانيا. ويمكن لروسيا أن تقدم مساعداتٍ غذائية لمصر مقابل منع الولايات المتحدة من الوصول إلى قناة السويس. وبالمثل، يمكن للصين أن تسعى للضغط على مصر من خلال "دبلوماسية فخ الديون"، حيث تضع البلاد في ديون كبيرة مع وعد بإغاثة هذه الديون في حال توقفت القاهرة عن التحالف مع واشنطن. وعند إرسال السفن شرقًا عبر القناة، تحتاج البحرية الأمريكية إلى خطة احتياطية.
والحاجة إلى وجود بحري أمريكي في وحول البحر الأحمر، بالاشتراك مع عدم اليقين بقدرة الولايات المتحدة على إرسال سفن بانتظام إلى تلك المنطقة، تنبئ بتوطين سفن أمريكية في أو حول منطقة مسؤولية الأسطول الخامس.
ويجيب أولًا العثور على بلد مضيف مستعد، بينما أظهرت مهمة المجموعة البحرية 59 للبحرية الأمريكية قدرة السفن غير المأهولة على أداء بعض المهام في مواجهة القوات البحرية الإيرانية، فإن الحاجة إلى مواجهة الحوثيين والوكلاء الإيرانيين المستقبليين أو التهديدات المماثلة على اليابسة تشير إلى أن المدمرات هي الأسلحة المفضلة.
وتوطين المدمرات في المنطقة بدلًا من تناوبها سيظهر التزام الولايات المتحدة بحماية التجارة العالمية ومواجهة التهديدات الإيرانية لها، حتى في الوقت الذي ترى فيه منطقة المحيطين الهندي والهادئ مسرحًا رئيسيًا للبحرية في السنوات المقبلة.
وسيقلل ذلك أيضًا من أوقات العبور، وزيادة الاستجابة مع الحفاظ على عمر الهيكل البحري.
ولا يجب أن تكون البحرية وحدها في توطين قواتها في هذا الجزء من العالم.
في ورقةٍ صادرة عن مؤسسة بروكينجز بعنوان "كيف تكون صقرًا رخيصًا في العقد 2020"، أوصى خبير الدفاع (مايكل أوهانلون) بتوطين تجمعات طائرات القتال التكتيكية التابعة لسلاح الجو الأمريكي في الشرق الأوسط، بما في ذلك الكويت وعمان والإمارات العربية المتحدة. وسيساعد ذلك الولايات المتحدة في ردع العدوان الإيراني دون عبء تناوب طائرات القوة الجوية من طراز F-15E أو F-35A في الخليج من مناطق أخرى، مما يترتب عليه احتمالات لوجستية كبيرة مع كل تناوب، فيما يأتي توطين السفن البحرية مكملًا لهذا المنطق.
ونشر المدمرات الأمريكية في القاعدة البحرية روتا في إسبانيا لأكثر من عقد يقدم مثالًا على قيمة نشرٍ مماثل في شرق قناة السويس. وعلى الرغم من أن مهمتهم الأساسية هي الدفاع الصاروخي وحماية أعضاء حلف شمال الأطلسي من هجماتٍ روسية محتملة، إلا أن قربهم من شمال أفريقيا والمشرق العربي يتيح توافرهم للعمليات الطارئة. على سبيل المثال، قد يقومون بتنفيذ مهامٍ مشابهة للضربات الموجهة ضد الحوثيين، أو لقمع الدولة الإسلامية المتجددة. وبالنظر إلى القدرات التي يوفرها هذا الترتيب، تقوم البحرية بزيادة عدد المدمرات المتمركزة في روتا من أربعة إلى ستة. والسؤال المتعلق بمكان توطين السفن الأمريكية يعد أمرًا صعبًا للإجابة عليه. وهناك عديد الاحتمالات الممكنة، لكل منها مزايا وعيوب. وربما أبرز المشاكل هي أن جميع البلدان المذكورة أدناه تقع ضمن مدى الصواريخ البالستية الإيرانية، وبعضها مجهز بأجهزة استشعار بحرية لاستهداف السفن. وعلى الرغم من أن هذه مشكلة تستحق النظر فيها، إلا أن الفوائد المترتبة على التوطين القريب تغطي تقريبًا كل حالة طارئة باستثناء نشوب حرب شاملة في المنطقة.
وفيما يلي أربعة بلدان مضيفة محتملة يتم مناقشتها.
• الإمارات العربية المتحدة:
تمتلك الإمارات موانئ رئيسية قد تكون متاحة لتوطين سفن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، يُعتبر جبل علي أكثر الموانئ البحرية ازدحامًا بالسفن الأمريكية. وتعمل العوامل السياسية لصالح البحرية. وكانت الإمارات والبحرين من بين أولى الدول العربية التي وقّعت على اتفاقيات السلام الأبراهامية، والتي أنهت عدم اعترافها المطول بإسرائيل. كما أنها جزء من I2U2، وهي شراكة متعددة الأطراف تضم الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنها ليست شراكة أمنية بالدرجة الأولى، إلا أنها يمكن أن تسهم في التعاون الأمني بين الدول التي تتقاطع مصالحها أحيانًا.
• عُمان:
قد تقدم عمان أفضل موقع جغرافي. كونها قريبة بما فيه الكفاية من الساحل الإيراني والبحر الأحمر بحيث يمكن للسفن الأمريكية المتمركزة هناك الانتقال بسرعة بينهما. كما يمكن أن يعوض ربط عمان بالولايات المتحدة من خلال التوطين، وربما مع منحها وضعية حليفٍ بارز غير عضو في حلف شمال الأطلسي، قد يعوض حقيقة رفضها عن التوقيع على اتفاقيات السلام الأبراهامية. علاوة على ذلك، تعمل المملكة المتحدة على وجودٍ عسكري كبير في عمان، مما يتيح فرصة لمزيد التعاون الأنجلو-أمريكي في مواجهة تهديدات الأمن في الشرق الأوسط.
ومن ناحيةٍ أخرى، عملت عمان لسنوات على الحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع إيران والولايات المتحدة، وبالتالي قد ترفض أن تجبر على الاختيار بين الجانبين. فالحقيقة أن استخدام الولايات المتحدة للمرافق العمانية لا يعني أن مصالح العمانيين والأمريكيين متطابقة.
•كينيا:
إذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن موقعٍ يكون أكثر ملاءمة للعمليات في البحر الأحمر بدلًا من مواجهة إيران، فإن كينيا ستكون خيارًا جيدًا. لدى البلد إمكانية أن يكون شريكًا مهمًا للولايات المتحدة في أفريقيا وخارجها، وتصرفاتها الدولية في السنوات الأخيرة كانت في كثير من الأحيان مفضية للمصالح الأمريكية. ففي عام 2022، قدم سفير كينيا لدى الأمم المتحدة انتقادًا حادًا للعدوان الروسي ضد أوكرانيا. وفي الآونة الأخيرة، وقّعت كينيا اتفاقية مع هايتي للسماح لضباط الشرطة الكينيين بالعمل كقوات حفظ السلام في هذا البلد الكاريبي العصيب. ويمكن أن يساعد التواجد في شرق أفريقيا أيضًا الولايات المتحدة على مواجهة الصين في المحيط الهندي الغربي. علاوة على ذلك، تحتفظ المملكة المتحدة بتواجدٍ عسكري في كينيا، والذي يمكن للولايات المتحدة بالإمكان البناء عليه للتعاون الأنجلو-أمريكي في جهود الأمن في الشرق الأوسط والمحيط الهندي والهادئ.
لكن أحد العيوب هو أن كينيا تقع بعيدًا أكثر عن البحر الأحمر مقارنةً بـ عُمان. وبالتالي، على الرغم من أن توطين المدمرات هناك يمكن أن يساعد في مواجهة التهديدات في البحر الأحمر، إلا أنه قد يكون له تأثير محدود في ردع إيران في الخليج الفارسي. بالإضافة إلى ذلك، قد لا ترغب نيروبي في أن تضع نفسها بشكل قاطع في زاوية واشنطن، حيث ستظل هناك أوقات ترغب فيها في الحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو وبكين.
• الهند:
إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في جعل الهند شريكًا رئيسيًا في جهودها لموازنة الصين في جميع أنحاء المحيط الهندي والهادئ، فإن توطين سفن الولايات المتحدة على الساحل الغربي للهند سيساعد في ذلك بينما يوفر موقعًا للدخول إلى الخليج الفارسي وبحر العرب والبحر الأحمر. والهند بالفعل شريكة دفاع رئيسية للولايات المتحدة، وهو وضع مشابه للحلفاء الرئيسيين غير الناتو. وقد ظهرت مجموعة حوار الأمن الرباعية، التي تعتبر الهند عضوًا فيها، في السنوات الأخيرة كمسرح هام للتعاون الأمني بين الديمقراطيات القوية لموازنة الصين. وسيكون تعزيز التعاون الأمني مع توطين القوات البحرية في جنوب آسيا لمواجهة التهديدات الإيرانية القريبة ذو فائدةٍ كبيرة.
وهناك عدة مخاطر لهذه الفكرة. فالهند عضو في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منتدى أمني يضم روسيا والصين. ومن المرجح أن الهند لا ترغب في الابتعاد كثيرًا عن العلاقات الجيدة مع روسيا، والتي لا تزال تورِّد الأسلحة بشكلٍ كبير. كما أنها لا ترغب في أن تصبح حليفًا صريحًا للولايات المتحدة، على الرغم من مخاوفها من تهديد صعود الصين لمصالحها.
أيضًا، فإن فرنسا تسعى لإبرام صفقات أسلحة كبيرة مع الهند. وقد يهدد جذب الهند بشكلٍ كبير إلى الولايات المتحدة إفشال الصفقة الفرنسية، مما قد تتكرر الضجة حول شراكة الأمن في إطار AUKUS.
وهذه ليست قائمة شاملة للدول المضيفة المحتملة. فعند مواجهة تهديدات غير تقليدية مثل الحوثيين، يتطلب الأمر تفكيرًا غير تقليدي من البحرية. ولا يعني الوضع الحالي لمنطقة الهندي والهادئ كونها المنطقة الرئيسية للمشاركة البحرية الأمريكية أن الولايات المتحدة يمكنها تجاهل البحر الأحمر. وإيجاد طرق للتعامل مع الاثنين في الوقت نفسه هو هدف يستحق المتابعة.