بعد ستة أشهر من إطلاق إدارة جو بايدن لعملية حارس الازدهار لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، أكبر تحدٍ يواجه البيت الأبيض ليس تهديد الحوثيين وإنما فشل الولايات المتحدة في تجميع شركاءها وحلفائها وراء قيادتها. و لحسن الحظ، منذ أن شنَّ الحوثيون هجماتهم على السفن التي تعبر البحر الأحمر، نجحت القوات الأمريكية في اعتراض القذائف المطلقة من اليمن. و تم تقييد الأضرار المادية، وعلى عكس المخاوف الأولية، تمت السيطرة على التأثير الاقتصادي. ومع ذلك، فإن الاستجابة الدولية لتهديد الحوثيين ليست قصة نجاح. حيث واجهت إدارة بايدن صعوباتٍ في جمع الدعم الدبلوماسي والمساهمات العسكرية.
•إحباطات أوروبية و خليجية من استراتيجية الولايات المتحدة:
أولاً، كان حلفاء أوروبا متشككين، لذا أفصحوا عن اختلافات وجهات النظر مع دعم واشنطن لعملية إسرائيل في غزة وشككوا في الأهداف الاستراتيجية لعملية حارس الازدهار.
و نتيجة لذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي في 19 فبراير/ شباط عن "أسبيدس"، أي عملية أمن بحري خاصة به.
و أثار إنشاء "أسبيدس" توتراتٍ بين المسؤولين من الجانبين الأطلسيين. ولا يفاجئ أن حكومة (إيمانويل ماكرون) الفرنسية -وهو مؤمن قوي بقدرة أوروبا على تقديم بديل لإطار الولايات المتحدة الاستراتيجي- ان تقود هذه المبادرة الأوروبية. و في المحادثات التي أجريت مع مسؤولين أمريكيين، قد جادلوا بأن "أسبيدس" ترسل رسالة تفرقة بين حلفاء حلف الناتو دون توفير بديل موثوق به على المستوى العسكري.
و تواجه العملية الأوروبية مشاكلها الخاصة، وخاصة فيما يتعلق بالقدرات البحرية المتواضعة المقدمة من قبل الدول المساهمة. و حتى الآن، تعتمد العملية فقط على أربع سفن حربية لمواجهة هجمات الحوثيين. كما تعاني القوات الأوروبية من قدراتٍ محدودة في الدفاع الجوي. حيث استخدمت البحرية الفرنسية بشكلٍ متكرر صواريخ أستر 30 السطحية الجوية للتصدي لصواريخ الحوثي المجنحة المتعددة. و كانت العمليات الدفاعية ناجحة، ولكن نظام أستر واحد يُكلف حوالي 1.1 مليون دولار تقريبًا. و يُشكك في إمكانية توفير اللوجستيات والتمويل لدى البحريات الأوروبية للحملة طويلة الأمد بهذا الحجم. وهذا يؤكد على الانفصال بين طموحات أوروبا في الأمن البحري وواقع مواردها العسكرية.
و قد واجهت الاستجابة الأمريكية لأزمة البحر الأحمر أيضًا عدم الثقة من قبل شركاء الولايات المتحدة في الخليج. فمن بين ستة أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، انضمت البحرين فقط إلى حارس الازدهار. و على وجه التحديد، رفضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة العملية الأمريكية بسبب خلافهما مع واشنطن بشأن الصراع في اليمن الذي كان قائمًا قبل أزمة البحر الأحمر.
و قد كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكبر المساهمين في العملية التي بدأت في عام 2015 من قبل الرياض لطرد الحوثيين من اليمن. وقد تزايد الإحباط لدى البلدين من تطور الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب. و في نظرهم، دعمت واشنطن في البداية العملية التي يقودها السعوديون في اليمن خلال إدارة باراك أوباما، ولكن بعد ذلك تحول الكونغرس وانتقدت دول الخليج عندما واجهوا جمودًا على الساحة القتالية مع الحوثيين. و في وقت لاحق، رفض الرئيس دونالد ترامب محاولات أعضاء الكونغرس لتعليق المساعدة العسكرية الأمريكية للتحالف السعودي. ولكن بعد فوز بايدن في عام 2020، قامت إدارته بإزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب لوزارة الخارجية ( لكن تك إعادتهم في يناير). ثم توقف البيت الأبيض عن تقديم الدعم اللوجستي للتحالف السعودي وأعلن "يجب أن تنتهي هذه الحرب".
و في الأشهر التي تلت ذلك الوقت، أعاد الحوثيون تنفيذ هجماتٍ ضد التحالف، سواء على الساحة القتالية أو على أراضي السعودية والإمارات. وقد اضطرت دول الخليج إلى التوصل إلى حل والدخول في محادثاتٍ لإنهاء الحرب في عام 2021. ومع ذلك، تبين أن المفاوضات صعبة، وذلك بسبب تردد قادة الحوثيين في تقاسم السلطة مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية.
ونتيجة لذلك، يُنظر إلى الحملة الأمريكية الحالية ضد الحوثيين في الرياض وأبوظبي على أنها عملية محدودة التصميم وغير مرجّحة أن تحل مشاكلهم. والأسوأ من ذلك، أن مشاركتهم قد تتحول ضدهم وتؤدي إلى استئناف هجمات الحوثيين على مدنهم وتعرقل المحادثات الهشة في اليمن.
•القوى الآسيوية ترفض العملية الأمريكية في البحر الأحمر:
عانت الهند -شريكة أمريكية رئيسية أخرى- أيضًا من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. حيث تعرضت العديد من السفن المتجهة نحو الهند، أو التي تحمل طواقم هندية على متنها، للاستهداف. ونتيجة لذلك، زادت البحرية الهندية دورياتها في البحر الأحمر ونشرت خمسة مدمراتٍ مجهّزة بصواريخ موجهة وطائرة دورية بحرية.
ومع ذلك، لم تدفع الأنشطة البحرية الهندية حكومتها للانضمام إلى العملية الأمريكية أيضًا. ويعود ذلك في الأساس إلى رغبة نيودلهي في الحفاظ على تقاليد عدم الانحياز الخاصة بها، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو العسكري. و على الرغم من أن رئيس الوزراء (ناريندرا مودي) أعرب علنًا عن دعمه لرد إسرائيل على هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلا أن الهند أيضًا حافظت على علاقاتٍ دبلوماسية جيدة مع إيران، الداعم الرئيسي لكل من حماس والحوثيين. و على المستوى التشغيلي، ترغب البحرية الهندية في الحفاظ على حرية العمل، والتي يمكن أن تتقيد إذا انضمت البلاد إلى عملية تقودها الولايات المتحدة.
و بشكلٍ أكثر أهمية، تعتمد الصين واقتصادها أيضًا بشكل كبير على البحر الأحمر. وامتنعت بكين عن التدخل في الأزمة ورفضت عروض الولايات المتحدة للتعاون. و يستند موقفها إلى الاعتقاد بأن الهدف الرئيسي للهجمات هو الولايات المتحدة وحلفاؤها. و في مارس/ آذار، أُفيد بأن الصين توصلت إلى اتفاقٍ مع الحوثيين لضمان سلامة مرور سفنها. ومع ذلك، تبين أن هذا الاتفاق غير العدواني كان محفوفًا بالمخاطر. ففي 23 مارس/ آذار، أطلق الحوثيون أربعة صواريخ بالستية مضادة للسفن على ناقلة نفط صينية تمتلكها عبر البحر الأحمر. و وقع الهجوم بعد أيامٍ قليلة فقط من الاتفاق المُفترَض، وكان له أثر سلبي على الدبلوماسية الصينية. و قد يكون ذلك ناجمًا عن انتشار معلوماتٍ غير صحيحة، حيث تم تغيير ملكية السفينة المستهدفة قبل شهرٍ واحد. ومع ذلك، فإنه يشير إلى أن الاعتماد على التزام الحوثيين هو مقامرة خطيرة بالنسبة للصين.
•المشاكل القادمة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط:
في المجمل، تسلط أزمة البحر الأحمر الضوء على عجز الولايات المتحدة في تعبئة شركائها وراء قيادتها. ولكن هذا لا يعني أن قوة أخرى حلت محل واشنطن. و الاستراتيجيات التي تتبعها جميع أطراف الصراع في المنطقة لم تعوض عن فشل إدارة بايدن.
و الأوروبيون حريصون على الحفاظ على مكانة مرموقة في الأمن البحري. و في مناطق مثل البحر الأحمر، يعتقد الاتحاد الأوروبي أنه يمكنه تقديم بديل للتنافس بين القوى الكبرى. و قد يكون ذلك في بعض الأحيان جاذبًا للشركاء المحليين الذين يشعرون بعدم الارتياح إزاء معادلة الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، فإن تأمين المساحات البحرية مثل البحر الأحمر يتطلب قدرات بحرية لا يمكن للدول الأوروبية توفيرها.
و في الوقت نفسه، زادت دول الخليج طموحاتها في السنوات السابقة. ومع ذلك، لا تزال تفتقر إلى حلٍ موثوق للحوكمة في البحر الأحمر. و يعود بعض هذا الفشل إلى قيود البحريات الخليجية. فقد تعاني هذه البحريات من نقص التمويل لسنوات، مما يجعلها تواجه صعوبة في العمل خارج المهام المتعلقة بحماية سواحلها.
و على المستوى الدبلوماسي، لم تظهر العروش الخليجية أيضًا بشكل واضح. و يمكن للمرء أن ينسى تقريبًا أن المملكة العربية السعودية أنشأت مجلس البحر الأحمر في عام 2020 لتعزيز التعاون الأمني بين ثماني دول ساحلية. و في ذلك الوقت، أشارت هذه الهيئة الجديدة إلى رغبة السعودية في توسيع نفوذها في القرن الأفريقي، ولكن التقدم كان بطيئًا منذ إنشائها.
و أخيرًا، تكشف استراتيجيات الهند والصين في مواجهة هجمات الحوثيين عن عناصر استمرارية في توجهات سياساتهما الخارجية: التصرف جنبًا إلى جنب مع القوات الغربية مع تأسيس عدم انحياز نيودلهي وعدم التورط في النزاعات المحلية، في حين تستفيد بكين -على الأقل ضمنيًا- من وجود القوات البحرية الأمريكية.
و في النهاية، يؤدي تآكل القيادة الأمريكية إلى دفع كل لاعب نحو أجندته على حساب إيجاد إطار جماعي. ويزيد ذلك من التشظي السياسي، ليس فقط في البحر الأحمر، ولكن في الخليج والشرق الأوسط بشكل عام. وتضع هذه الاتجاهات المؤسسات الإقليمية القائمة جانباً وتفضل التحالفات العرضية التي قد تتنافس مع بعضها البعض. وهذا يعرض موارد الدبلوماسية والعسكرية للأطراف المعنية للهدر، مما ينتج تأثيرات فورية على نجاح عملية حارس الازدهار. وفي المدى البعيد، تتنبأ هذه التطورات في البحر الأحمر بزيادة الصعوبات التي تواجهها واشنطن في تشكيل الهندسة الأمنية للشرق الأوسط.