لم يعش أحلامه ولم ينعم بالأمان ولم يحظَ باستراحة محارب، أو بأنصاف الفرص. وحين فكر بالهجرة وسلك أولى خطواتها في مشوار الألف ميل، قُتل بدم بارد.
ذاك هو عبدالله البليلي، ابن الـ29 ربيعًا، الذي وُجد أمس مقتولًا في الطريق بين محافظتي الجوف ومأرب، بعد أيام من كتابته منشورات على صفحته في "فيسبوك"، قال فيها إن حياته مهددة بالخطر، وأن هناك من يتربص به لإزهاق أنفاسه.
الثلاثاء الماضي، نشر عبدالله اسم الشركة الناقلة ورقم الباص الذي استقله في طريقه إلى مأرب، وموعد وزمن الرحلة، وقال للجميع إن بإمكانهم تتبع أماكن تواجده من خلال تطبيق GBS المرتبط بتلفونه. توقع الشاب أن يُقتل أو يُختطف في أقل تقدير وفقًا لمحتوى منشوراته التي اطلعت عليها "النداء".
الحادثة أثارت الرأي العام وتعددت معها الروايات ولاتزال مغلفة بالكثير من الغموض.
يتميز عبدالله بالأخلاق الحسنة والشخصية المثابرة وفقًا لشهادات عدد من زملائه وأفراد أسرته، لكنه كان على خلاف عائلي مع أخواله حول قضية ورث. تطور الخلاف إلى تهديدات وملاحقة أمنية، بحكم موقع أخواله لدى جماعة الحوثي، وفقًا لمصدر في الأسرة.
في أحد منشوراته يتهم عبدالله أخواله -تحتفظ "النداء" بأسمائهم- بمحاولة إلحاق الأذى به، وحمّل في ذات المنشور قيادات حوثية مسؤولية ما قد يتعرض له.
درس عبدالله المولود عام 1995 في كلية الطيران بصنعاء، وتخرج منها بدرجة امتياز، ثم التحق للدراسة بقسم العلوم السياسية بكلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء، وتخرج منها عام 2019/2020.
بحسب خولة الرويشان، زميلة عبدالله والمعيدة في قسم العلوم السياسية بالكلية، فقد كان عبدالله إنسانًا فاعلًا في محيطه، ومجتهدًا، وترأس اللجنة التحضيرية لحفل التخرج الخاص بدفعته (دفعة السلام والتنمية، الدفعة 43 علوم سياسية).
وتضيف في حديثها لـ"النداء"، أنه كان طموحًا للغاية، لكنه كان يشكو من ملاحقات ومضايقات، وكان يفكر بالسفر للخلاص من كل ذلك.
يعيش عبدالله في "المشهد" بالقرب من حي مسيك بصنعاء، وهو من مديرية همدان. والدته متوفاة، وهو أعزب، وله إخوة غير أشقاء.
وحيث الأحلام تتلاشى تحت وطأة الواقع المرير، عانى عبدالله من وضع اقتصادي غير جيد، وكان يعمل كمتعاقد بلا أجر في ديوان عام أمانة العاصمة.
وباستثناء بعض المشاكل الصحية كالضغط والتهابات القولون، نفى عدد من أقرباء عبدالله وزملائه ما تردد عن معاناة نفسية قيل إنه كان يعيشها خلال الأيام الأخيرة.
في أبريل الماضي، بعث عبدالله رسالة لصديقه، قال فيها إنه بات يفكر بالسفر والخلاص من الواقع المظلم الذي وجد نفسه فيه، والذي بات أكبر من طاقته وقدراته.
وأضاف في الرسالة التي اطلعت عليها "النداء": "لا عمل ولا أمل ولا أفق للمستقبل إن بقيت هنا".
وحين فكر بالهجرة خارج الوطن الطارد لأبنائه، اصطدم عبدالله بمعوقات عدة، بدءًا من الإمكانيات المادية المحدودة، مرورًا بالطرقات المقطعة، والمطارات المغلقة، ووثائق الهوية التي بات الحصول عليها مهمة شاقة في زمن الحرب.
استجمع عبدالله قواه، وذهب محاطًا بالخوف والخطر إلى مأرب لاستخراج جواز سفر، يبدأ معه محاولات الهجرة، لكنه عاد جثة هامدة، تاركًا وراءه قصة حياة مليئة بالتحديات والأحلام غير المحققة، وسؤالًا معلقًا في الهواء: من قتل عبدالله؟