اليمن: التربوية إيناس الصالح تخوض معركة فكرية نادرة ضد مدارس جيل النهضة الأهلية
يمن فيوتشر - صالح المنصوب: الثلاثاء, 23 أبريل, 2024 - 05:15 مساءً
اليمن: التربوية إيناس الصالح تخوض معركة فكرية نادرة ضد مدارس جيل النهضة الأهلية

قدمت إيناس الصالح من العاصمة صنعاء إلى مديرية قعطبة بمحافظة الضالع، وسط البلاد، حاملة هم التعليم، قبل أن تعيش ما تسميه "صدمة الواقع الآخر"، بعدما وجدت طلابًا في الصف التاسع (آخر المرحلة الإعدادية)، لا يجيدون مهارات اللغة العربية الأربع الأساسية (الاستماع، التحدث، القراءة والكتابة).
ومباشرة، تولّت تأسيس المرحلة التمهيدية "التعليم ما قبل المدرسة"، كما عملت على تدريب معلمات تم توزيعهن في العديد من مدارس المديرية، إلى جانب إعدادها منهجًا مناسبًا لهذه المرحلة ما لبث أن تحولت ملكيتها الفكرية لهذا المنهج إلى مشكلة انتهاك حقوق التأليف والنشر مع إدارة مدارس جيل النهضة الأهلية في المنطقة ذاتها، تعرضت لاحقًا بسببها للفصل من العمل.

 


•من هي إيناس الصالح؟
وُلدت إيناس محمد علي الصالح في مديرية قعطبة بمحافظة إب، وسط اليمن، نوفمبر/تشرين الثاني 1981، قبل ضم المديرية إلى محافظة الضالع، تسعينيات القرن المنصرم.
انتقلت رفقة عائلتها إلى العاصمة صنعاء، منتصف الثمانينيات، إبان الجمهورية العربية اليمنية، اليمن الشمالي سابقًا، ودرست هناك مراحلها التعليمية حتى الجامعة، معاصرةً مرحلة توحد دولتي اليمن عام 1990، قبل أن تتخرج من كلية الآداب، 2004، متخصصة بعلم التاريخ.
عادت إلى مسقط رأسها، إذ كانت تزوجت من أحد أقاربها هناك بعيد إكمالها الثانوية العامة، وعملت في تعليم المراحل الأساسية والإعدادية، بما في ذلك اشتغالها على تأسيس وإدارة روضة "الأمل" عام 2006.
تلقت عديد الدورات التدريبية، لدى منظمات دولية وشبكات عربية، قبل اعتمادها مدربة ومنسقة لبرامج تعليمية تخص نهج القراءة المبكرة وتنمية القدرات. وجاء ضمن إنجازاتها، وفق سيرتها الذاتية، "تأليف سلسلة نافذة النور" الخاصة بالمرحلة التمهيدية، وتدريب مربيات الصفوف الأولى على برنامج نهج القراءة المبكرة، وبحثها عن دور الأطفال في التنشئة الاجتماعية.


•من فصل شاغر إلى نافذة النور.. ولكن!
في العام 2005 بدأت إيناس في التدريس بمدينة قعطبة كمتطوعة، بعيد عام واحد من إنهائها دراسة البكالوريوس في كلية الآداب جامعة صنعاء.
كان مستوى التعليم متردٍ، فقررتْ البدء من الصفر، مؤسسة بذلك لـ"التعليم ما قبل المدرسة"، الذي كانت نواته الأولى عام 2007، بفصل شاغر في مدرسة حكومية.
"بدأت الفكرة تنجح وتكبر يومًا بعد يوم حتى اعترف بنا مكتب التربية في المديرية كمكون تعليمي مهم وكانت لدينا روضة الأمل"، تقول.
بعد سنوات، افتتحت مدرسة جيل النهضة الأهلية في مديرية قعطبة، 2012، والتحقتْ بهم لتدريس مادة الاجتماعيات، قبل أن تؤسس عام 2017 المرحلة التمهيدية -في مدرسة جيل النهضة الأهلية- التي استمرت في تقديمها طوال السنوات حتى 2021، لتبدأ حينها كذلك بإعداد سلسلتها التعليمية التي كانت تقوم بتدريسها في المدرسة ذاتها وتُشترى منها بشكل قانوني، وفق حقوق الملكية.
أولى خيوط هذه القضية بدأت حين انتقلتْ للعمل في مدرسة أخرى، "في تلك الأثناء أوقف رئيس مجلس إدارة مدارس جيل النهضة الأهلية (علي عبدالله منصر) التعامل معي بشراء الكتاب نكاية بي؛ لأنني انتقلت إلى مدرسة أخرى. وفي العام نفسه بدأت مدرسته بطباعة الكتاب الذي يعتبر الجزء الأول من سلسلة ’نافذة النور’ المسمى ’خطوة بخطوة نتعلم الأبجدية’ دون علمي أو اتفاق مسبق معي."
تضيف: "تمت طباعة الكتاب لدى فرعهم في سناح، بمديرية الضالع، لمدة ثلاث سنوات، كما تم توزيعه كذلك في مركزهم الرئيسي بمديرية قعطبة، دون أن أعرف ذلك إلا مطلع العام الجاري".


•تعديات.. ثلاثة أعوام!
حين علمت إيناس بموضوع تعدي مدارس جيل النهضة على كتابها مطلع يناير/كانون الثاني المنصرم، "تابعت الموضوع حتى عرفت كل التفاصيل حول طباعتهم الكتاب منذ ثلاث سنوات فيما كانوا يستخدمونه كمنهج لمدارسهم دون علمي أو اتفاق مسبق معي، بعد أن ظلوا يشترونه مني بشكل رسمي قبل أن يقطعوا التعامل"، تقول.
حصلنا على صورة من المذكرة التي وجهتها إيناس إلى مدارس جيل النهضة، كهيئة اعتبارية، 17 يناير/كانون الثاني 2024، "أوضحت فيها تعدياتهم على حقوقها كمؤلفة".
تضمنت المذكرة: "منذ عدة أيام تفاجأت أنكم ولمدة ثلاثة أعوام دراسية قمتم بطباعة كتاب خطوة بخطوة نتعلم الأبجدية (الوحدة الخامسة حتى الوحدة التاسعة)، وتقومون ببيعه وتدريسه لطلاب المرحلة التمهيدية في مدارسكم لمادة القراءة تحت مسمى الحروف بالحركات"، وهو ما عدته تعديًا على حقوقها كمؤلفة للكتاب.
توضح المذكرة إلى ذلك عديد التعديات، منها "نسخ وطباعة الكتابة وبيعه وتدريسه في مدارسكم دون علم أو اتفاق مسبق"، إلى جانب عدم إشارتهم إليها كمؤلفة للكتاب، و"تغييركم مسمى الكتاب من ’خطوة بخطوة نتعلم الأبجدية’ إلى ’الحروف بالحركات’".
وبناء على الجانب القانوني "ضمن حماية كافة الحقوق الأدبية والمالية والمعنوية لمؤلفي المصنفات المكتوبة والمطبوعة وبحكم ما تجمعني بكم من علاقة تربوية"، كما ورد في المذكرة، "يتوجب عليكم:
سحب النسخ التي قمتم بطباعتها من الكتاب أو قمتم ببيعها وتوزيعها على الطلاب والقيام بإتلافها.
شراء الكتاب بشكل قانوني مني بحكم أنني مؤلفته وأملك كافة حقوق النشر والطباعة والتوزيع.
ضمان حقوقي المالية للأعوام السابقة التي قمتم بنسخ وطباعة وبيع وتدريس الكتاب في مدارسكم.
التعويض الأدبي والمالي والمعنوي لآثار التعدي على حقوقي كمؤلفة للكتاب."
فـ"لم يردوا. أنكروا علاقة مدارسهم بكتابي"، تقول إيناس التي استعرضت سلسلة من التواصل مع عديد أشخاص ضمن طاقم إدارة المدرسة، دون جدوى.
(علي سمكه) يرفض كل الحلول ويمارس الابتزاز!
كما تعرضت التربوية الاجتماعية كذلك لـ"اتهامات من قبل علي عبدالله منصر" المعروف بـ(علي سمكه)، الذي قالت إنه جاء إليها في مقر عملها بفرع سهدة "دعاني إلى اجتماع حضره مدير الفرع (بشير الشعيبي) والمسؤول المالي للمدارس (أنس السروري)، وبدأ حديثه بأني أريد تشويه سمعة المدرسة، ونفى كل ما حدث، ووصف كتابي مستهترًا بـ’مجرد ملزمة شائعة مرمية’."
تقول إيناس إن (بشير الشعيبي) حاول التدخل بطريقة جيدة لإقناعه أن ما حدث يمكن عده خطأً ما يساعد في الوصول إلى حل يرضي الطرفين، لكن المسألة تطورت إلى مكتب التربية بمديرية قعطبة. توضح: "جاء إلى مقر عملي مسؤول المناهج من مكتب المحافظة ولمح لي بتهديدات مبطنة أنه لا يمكنني مقاضاة المدرسة قانونيًا"، ملوحًا بـ"إيقاف كتابي"..


•في أروقة النيابة!
وصلت القضية، منتصف فبراير/شباط الماضي، إلى أروقة النيابة بعد رفض (علي سمكة) كل الحلول وإصراره على الإنكار وعدم أحقيتها بالمطالبة بحقوقها. بعد ذلك وجهت التربوية المختصة بعلم التاريخ، مذكرة إلى النيابة الابتدائية بالمديرية، ما أدى برئيس مجلس إدارة مدارس جيل النهضة إلى فصلها من العمل، رفقة التحريض ضدها في مكتب التربية بالمحافظة.
"لم يكتفِ بذلك، بل ذهب إلى مدير مكتب التربية بالمحافظة؛ للتحريض ضدي، فوصلني قرار استبعادي كمدربة ضمن المديرية والمحافظة عبر اتصال هاتفي من مسؤول في مكتب التربية بالضالع يقول إن ’مدير مكتب التربية في المحافظة محسن الحنق وجه بفصلي من التدريب’، دون أن يصلني أي قرار رسمي بالفصل، قبل أن يتم إسقاط اسمي من كشف مدربي المديرية، ضمن الابتزاز الوظيفي لمنعي من المطالبة بحقوقي"، تقول.
استمرت التحقيقات في النيابة العامة، فيما حاول "علي سمكه" شراء ذمم القائمين على التحقيق، وفقًا لإيناس، إلى أن تولى مهمة التحقيق القاضي عبدالله مسعد الهادي "الذي قام بدوره القانوني على أكمل وجه بعد تقديمي لكافة الأدلة التي تثبت صحة شكواي".
مصدر في نيابة قعطبة الابتدائية، فضّل عدم ذكر اسمه لعدم تخويله بالتصريح، أبلغ "يمن فيوتشر" أن إجراءات التحقيق اُستكملت، وتم إصدار قرار الاتهام ضد مدارس جيل النهضة الأهلية ممثلة برئيس مجلس إدارتها (علي عبدالله منصر سمكه) وإحالة القضية إلى المحكمة، مشيرًا إلى أن هذه القضية تعد الأولى من نوعها على مستوى محافظة الضالع، حسبما قال.


•(علي سمكه) يرفض الرد!
لعديد المرات في "يمن فيوتشر"، وحتى لا يقتصر التقرير على رأي أحد أطراف القضية دون الطرف الآخر، أرسلنا لـ رئيس مجلس إدارة مدارس جيل النهضة الأهلية (علي عبدالله منصر)، عبر واتس آب، بطلب التعليق حول القضية، فامتنع عن الرد بقوله "عندما تحين الفرصة نتصل بكم إن شاء الله"، دون أي رد آخر على مدى أكثر من أسبوعين.


•كتاب "خطوة بخطوة نتعلم الأبجدية"
"أما بشأن كتابي"، توضح المؤلفة التربوية إيناس الصالح، "وكما تعرف، في اليمن لا يوجد منهج حكومي للمرحلة التمهيدية. هناك كتب تستعين بها المدراس الأهلية في مختلف المحافظات، وقد اطَّلعت على الكثير من السلاسل التي تخص المرحلة التمهيدية لكني لم أجد ضالتي. وكانت لي طريقتي الخاصة في التعليم كـ إيناس الصالح، نجحت على نحو باهر، فقررت أن أدونها في كتاب."
تضيف: "بدأت بكتابته عام 2016، ضمن سلسلة أسميتها نافذة النور، بجزئيها الأول (خطوة بخطوة نتعلم الأبجدية) والثاني (نهج القراءة المبكرة)، رسمت وكتبت كل تفاصيله، قبل أن أسلمه لمصممة أخرجته كما أردت، وبألوان تناسب الأطفال".
خرجت سلسلة "نافذة النور" إلى النور عام 2018، بعيد عامين من بدء التأليف، الذي وثقته برقم إيداع في دار الكتب التابع لوزارة الثقافة.
دون أي درجة وظيفية مع ذلك!!
وإلى الآن، رغم ما بذلته وإلى جانب ما تواجهه في قضية ملكيتها الفكرية، لم تحصل على درجة وظيفية، "كل ما فعلته كان تطوعًا"، تتحدث إيناس، التي بدل أن تدخل شراك الحزن، ما زالت تتمتع بإصرار وتوق لافت للمضي قُدمًا؛ انتصارًا لقيمة المعلم والتعليم.
لم تتبنَ أي جهة بعد طبع هذه السلسلة، فيما تستمر المؤلفة بطباعة سلسلتها على نفقتها الخاصة، تُباع بسعر الطباعة، رغم الظروف القاهرة التي تمر بها البلد.


التعليقات