عادة ما تزدهر في شهر رمضان عادات استهلاكية خاصة، يترافق معها ارتفاع بأسعار عديد من السلع الأساسية، بينما يأتي الشهر هذا العام في ظل ضغوط اقتصادية واسعة، على أثر ارتفاع معدلات التضخم وكذلك التأثيرات المتنامية للتوترات الجيوسياسية وانعكاساتها على سلاسل التوريد وبالتالي على الأسعار.
ويعد ارتفاع الأسعار تحدياً كبيراً يثقل كاهل الأسر في عديد من البلدان العربية خلال الشهر، لا سيما وأن هذه الارتفاعات تتفاقم في ظل تأثر الاقتصادات بعوامل داخلية وخارجية متنوعة؛ يشمل ذلك التوترات الجيوسياسية والتأثيرات السلبية التي تنتج عنها على الأسواق العالمية.
ويزيد أيضاً من هذه التحديات أزمات مثل شح العملة الأجنبية في عدد من الدول العربية، وكذلك تدهور القدرة الشرائية. جنباً إلى جنب وأزمة التضخم التي ضربت مختلف الدول العالم، مسببة تدهور في الاقتصاد وارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار.
•عوامل داخلية وخارجية
تلك العوامل الداخلية والخارجية تشكل تحديات متراكمة تتسبب في عبء كبير على الأسر العربية وتعزز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فعالة للتصدي لتلك التحديات الاقتصادية.
الخبير الاقتصادي، مازن أرشيد، يقول: "كما العادة هناك زيادة ملحوظة في الطلب على بعض السلع والخدمات؛ خاصة تلك المتعلقة بالمواد الغذائية والمشروبات، نظراً للتقاليد الرمضانية التي تشمل الإفطار والسحور".
هذه الزيادة في الطلب يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، خاصة في ظل ظروف العرض المحدود أو الثابت، وهو ما يعد مثالاً واضحاً على العلاقة بين الزيادة في الطلب وارتفاع الأسعار، أو ما يُعرف بـ "التضخم الطلبي".
•المواد الأساسية
يمكن ملاحظة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية في عديد من الدول العربية خلال رمضان. على سبيل المثال، شهدت أسواق مثل مصر والأردن ارتفاعاً في أسعار اللحوم والخضروات والفواكه بنسب تتراوح بين 10 إلى 20% خلال شهر رمضان مقارنة بالأشهر الأخرى، ما يعكس تأثير الزيادة في الطلب على الأسعار.
ويضيف أرشيد: بالإضافة إلى الزيادة في الطلب، هناك عوامل أخرى تسهم في الارتباط بين رمضان والتضخم، مثل التكاليف اللوجستية وزيادة تكاليف العمالة.. خلال رمضان، تزداد تكاليف النقل والتوزيع نظراً لتغيير ساعات العمل والحاجة إلى توصيل السلع بسرعة أكبر لتلبية الطلب المتزايد. هذه الزيادة في التكاليف يمكن أن تنتقل بدورها إلى المستهلكين على شكل أسعار أعلى.
وبالنسبة للدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية الطلب المحلي على السلع الغذائية، فإن تقلبات أسعار الصرف تؤدي بدورها إلى زيادة تكاليف الاستيراد، بما يسهم بدوره في ارتفاع الأسعار خلال رمضان.
هذا يعني أن التضخم في هذه الفترة قد لا ينبع فقط من الزيادة في الطلب المحلي، ولكن أيضاً من الضغوط الخارجية التي تؤثر على تكلفة السلع المستوردة.
ويُبرز الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه تأثير الاضطرابات الجيوسياسية والأزمات المتلاحقة حالياً على الأسعار في هذا الشهر في البلدان العربية (لا سيما الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة)، موضحاً أن الاضطرابات الجيوسياسية، مثل النزاعات العسكرية والعقوبات الاقتصادية، أو حتى عدم الاستقرار السياسي، يمكن أن تعيق التجارة والاستثمار، مما يؤدي إلى انخفاض العرض وارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، وبالتالي زيادة الأسعار.
ويتباين مدى تأثر الموائد العربية بارتفاع الأسعار باختلاف الظروف من بلد لآخر، واختلاف معدلات التضخم وارتفاع الأسعار. كما تتباين على صعيد البلد الواحد، فيما يتعلق بالاختلاف بين المناطق التي تواجه ظروفاً متباينة، وحتى الاختلاف بين الفئات المجتمعية.
•أزمات اقتصادية حادة
في البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة، مثل لبنان واليمن وسوريا، تُظهر الأزمات الجيوسياسية تأثيراتها المباشرة على الأسعار خلال رمضان بشكل أكثر حدة.
ويستطرد: "على سبيل المثال، في لبنان، تفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب الانهيار المالي والنقدي، مما أدى إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية بشكل غير مسبوق. هذا الانهيار كان له تأثير مباشر على أسعار السلع الأساسية، حيث ارتفعت أسعار الغذاء بنسب تتجاوز 400% خلال العام الماضي وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الارتفاع خلال رمضان نتيجة للطلب المتزايد".
وفي اليمن، تأثير الحرب المستمرة والحصار قد أدى إلى انقطاعات في سلاسل الإمداد وزيادة تكاليف النقل، مما نتج عنه ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية. وتشير التقديرات إلى أن أسعار الغذاء قد ارتفعت بأكثر من 100% في بعض المناطق خلال الأعوام القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً خلال رمضان.
أما في سوريا، فقد أدت الحرب المستمرة والعقوبات الاقتصادية إلى تدهور شديد في البنية التحتية والإنتاج المحلي، مما انعكس على ارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن أسعار الغذاء قد ارتفعت بنسبة تصل إلى 200% في بعض المناطق خلال العام الماضي.
ويتابع أرشيد: بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الاضطرابات أن تؤدي إلى زيادة الاعتماد على الأسواق الموازية، حيث تُباع السلع بأسعار أعلى بكثير من الأسعار الرسمية، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم ويجعل الوصول إلى السلع الأساسية أكثر صعوبة للفئات الأقل دخلاً.
وحول ما إذا يمكن اعتبار الموسم الرمضاني هذا العام "استثنائياً" لجهة وجود أكثر من تحد من شأنه زيادة مستويات الأسعار، يشدد الخبير الاقتصادي في معرض حديثه على أن "يمكن اعتبار موسم هذا العام استثنائي بالفعل؛ نظراً لتعدد التحديات التي تواجه الاقتصادات العالمية والعربية على وجه الخصوص، والتي من شأنها التأثير على مستويات الأسعار بشكل ملحوظ".
ويرى أن الجائحة العالمية لفيروس كورونا (COVID-19)، رغم تراجعها في بعض المناطق، لا تزال لها تداعيات اقتصادية ملموسة تتمثل في اضطراب سلاسل التوريد العالمية وزيادة تكاليف الشحن والنقل. هذه الزيادة في التكاليف تنعكس بشكل مباشر على أسعار السلع الاستهلاكية، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم.
وأدت الاضطرابات الجيوسياسية والصراعات الحالية في مناطق مختلفة من العالم إلى تقلبات في أسواق الطاقة والسلع الأساسية. على سبيل المثال، ارتفاع أسعار النفط نتيجة التوترات في الشرق الأوسط، إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل في مختلف القطاعات، مما يسهم في رفع الأسعار.
•تغير المناخ
كما زاد تأثير التغيرات المناخية وضوحاً على الإنتاج الزراعي خلال السنوات القليلة الماضية، مما أدى إلى تقلبات في أسعار المواد الغذائية. الجفاف والفيضانات وغيرها من الظواهر المناخية القاسية تؤثر على الحصاد وتوافر المواد الغذائية، مما يؤدي إلى زيادة في الأسعار، خاصة في شهر رمضان حيث يزداد الطلب على الغذاء.
ويلفت أرشيد إلى أن استمرار ضعف العملات المحلية أمام الدولار الأميركي والعملات الرئيسية الأخرى يزيد من تكلفة الواردات ويؤدي إلى زيادة الأسعار المحلية. كما أن عديداً من الاقتصادات العربية تعاني من ضعف القيمة النقدية لعملاتها مقارنة بالدولار الأميركي، مما يجعل الاستيراد أكثر تكلفة ويؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات المحلية.