أعادت أحداث البحر الأحمر الأخيرة التعريف بالقدرات المسلحة لجماعة الحوثي التي تسيطر على جزئه الشمالي من ضمن 2200 كيلومتر مجموع الشريط الساحلي اليمني الذي يتوزع ثلثه على البحر الأحمر، وثلثاه الآخران على خليج عدن.
فضلاً عن استمرار سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات المجاورة لها خصوصاً بعد هجماتهم التي تتجاوز الـ 58 حادثة مدرجة أبلغت عنها منظمات الأمن البحري، استهدفت بصواريخ بحرية تتهم بأنها إيرانية، السفن المارة في البحر الأحمر وخليج عدن، بادعاء "مناصرة الفلسطينيين ضد إسرائيل" في الحرب التي يشهدها قطاع غزة، ما أجبر العديد من شركات الشحن إلى تغيير خطوط مرورها إلى رأس الرجاء الصالح بدلاً عن قناة السويس المصرية.
ومع هذا التوتر أعلنت الولايات المتحدة إلى إطلاق تحالف من قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات لدعم حرية الملاحة في البحر الأحمر تحمل اسم "حارس الازدهار"، يضم أكثر من 12 دولة وافقت على المشاركة في جهد عسكري ولوجستي سيشمل دوريات مشتركة في مياه البحر الأحمر بالقرب من السواحل اليمن.
•من "الروبيج" التقليدي إلى "الكروز" الذكي
منذ انقلابهم على السلطة في اليمن في سبتمبر (أيلول) 2014، تطورت العلاقة بين النظام الإيراني وحلفائهم الحوثيين وتطورت معها القدرات العسكرية للأخيرة، حتى أصبحت تهدد الإقليم فضلاً عن وجود الحكومة اليمنية.
ويتهم الحرس الثوري بتزويد سلطة صنعاء بترسانة متزايدة من الأسلحة المتطورة من الصواريخ الباليستية، والموجهة وصواريخ كروز قصيرة ومتوسطة المدى، بما في ذلك أنواع مختلفة مضادة للسفن، وطائرات من دون طيار والتدريبات التي استخدموها لمهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر والموانئ المدنية والبنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء المنطقة، وبما تنطوي عليه من تهديد للسيادة الإقليمية والاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي.
بسرد تاريخي، يروي العميد في الجيش اليمني محمد الكميم مراحل امتلاك الحوثيين للصواريخ بدءاً من الطور التقليدي إلى الذكي وفقاً لما يتوافر لديهم من معلومات اعتبرها مؤكدة.
ويقول إنها بدأت عندما استولوا على صواريخ الجيش اليمني من نوع "روبيج" الروسية أرض - بحر، مداها 80 كيلومتراً، إضافة لصواريخ صينية c801 بحر – بحر.
•الدعم مقابل النفوذ
عندما بدأ التسليح الإيراني للجماعة كان تركيزهم على البحر كمشروع سعت من خلاله، وفقاً للكميم، إلى "تثبيت نفوذها الإقليمي في المنطقة خاصرة الملاحة البحرية كأهم إمدادات العالم.
وإضافة إلى الزوارق المفخخة، ظهرت أخيراً صواريخ الكروز الإيرانية الحديثة التي يستخدمها الحوثي في هجماته الأخيرة في البحر الأحمر، موضحاً أن هذه الصواريخ تتميز بقدرات متطورة وتعمل بتقنيات ذكية وفاعلية عالية، فبعد إطلاقها تصل بالقرب من الهدف البحري وتنخفض لتصيب جسد السفينة لتضمن إغراقها.
في 11 مارس (آذار) 2021 ظهرت قيادات الصف الأول للجماعة المسلحة يتقدمهم "رئيس المجلس السياسي" مهدي المشاط، يفتتحون معرض "الشهيد القائد للصناعات العسكرية"، الذي يحتوي على عدة أجنحة للصواريخ البرية والبحرية.
ووفقاً لصحيفة "المسيرة" الناطقة باسم الجماعة، فإنه "بالتوازي مع تكثيف القدرات الدفاعية والهجومية في البر والجو، فإن القوات المسلحة اليمنية أولت البحر اهتماماً بالغاً من خلال الكشف عن أسلحة دفاعية وهجومية جديدة".
وقال الخبر إن امتلاك هذه الصواريخ "ودخولها في خط المعركة يمثل تحولاً جديداً في مسار العمليات العسكرية البحرية".
ومنذ 2014 شكلت الجماعة مجلساً سياسياً وحكومة غير معترف بها لإدارة مناطقها، وعقب هجوم "طوفان الأقصى" في غزة أعلنت دعمها للفصائل الفلسطينية في القطاع.
•تغذية "المحور"
يجدر الأخذ في الاعتبار أهمية المعلومات الاستخباراتية والبحثية المتوافرة لدى الجهات المعنية الغربية بشأن هذه الترسانة ونوعيتها والطرق التي تسلكها.
في هذا الشأن يشير كبير الباحثين في معهد واشنطن، المتخصص في شؤون الأمن والدفاع في إيران ومنطقة الخليج العربي، فرزين نديمي، إلى إن لدى الصناعات الدفاعية في إيران والحرس الثوري أقساماً ذات مهمة محددة تتمثل في تطوير أنظمة أسلحة مصممة خصيصاً لتلبية حاجات أصدقائهم من "محور المقاومة".
يؤكد نديمي خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن بعض أطراف المحور يتمتعون بوصول أفضل إلى الخبرات والمواد التقنية الإيرانية، مثل "حزب الله" في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، بينما يصعب الوصول إلى البعض الآخر مثل "حماس" و"الجهاد" في فلسطين.
في حالة الحوثيين، "تمكنوا أيضاً من الوصول إلى مخزون الجيش اليمني القديم وبعض الكوادر الفنية التي تسمح لهم بتجديدها وتعديلها لتلبية متطلباتهم الجديدة بمساعدة إيران"، بحسب المتحدث.
بناءً على التشابه العام في التصميم والقدرات، يؤكد غالبية المراقبين أن إيران قامت بتزويد الجماعة بهذه الصواريخ مع إحداث تغييرات في الشكل الخارجي والاسم فقط.
ولطبيعة الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن، تسعى إيران إلى دعم ذراعها عسكرياً لمساعدتها على التواجد في الممرات الدولية الهامة كالبحر الأحمر عبر باب المندب، وفقاً لسردية الحكومة، ولذلك تقوم كما يقول نديمي "بتدريب الحوثيين في إيران ومناطق سيطرتهم (أجزاء من اليمن التي تسيطر عليها الجماعة) لتشغيل وصيانة أنظمة الأسلحة المتقدمة، ويرسلون أسلحة وذخائر كاملة إليهم باستخدام مراكب شراعية صغيرة وسفن صيد عبر الصومال أو (سابقاً) عن طريق البر عبر عمان".
وتضمنت هذه الشحنات صواريخ كاملة أصغر، ومكونات للصواريخ الأكبر حجماً، والوقود الدافع والمتفجرات، ومعرفة كيفية إنشاء ورش الإنتاج.
•تطابق ومعلومات
ونظراً للدور البارز الذي يمارسه الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية سواء من خلال إعلانه المتكرر عن "ضبط شحنات أسلحة" أو عناصر تعمل ضمن هذه الخلايا، زودتنا القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" بعد مراسلتها، ببيانات استخباراتية ضمن تقرير أعدته وكالة الدعم القتالية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية DIA، يؤكد في مجمله أن الحوثيين يستخدمون الصواريخ الإيرانية والدرونز لشن هجمات عبر الشرق الأوسط، وأن من "يستهدف التجارة الدولية هي أسلحة إيرانية عبر الحوثي".
ففي الصفحة الثالثة قال إنه منذ 2014 زودت إيران حلفاءها بترسانة متنامية من الأسلحة المتطورة والتدريب الذي استخدم لمهاجمة الشحن التجاري في البحر الأحمر والبنى التحتية المدنية والطاقة في جميع أنحاء المنطقة.
على سبيل الاستشهاد بالنماذج، بيّن التقرير حجم التطابق الكبير بين صاروخ "بركان 3/ ذو الفقار" والصاروخ الإيراني "قيام/ رضوان" MRBM.
ويقول إنه في 2019، أطلق الحوثيون على السعودية صاروخ "بركان 3" الباليستي متوسط المدى MRBM للمرة الأولى، وفي 2021، عرضت الميليشيات نظاماً مطابقاً باسم جديد "ذو الفقار".
ويكشف التقرير أنهم بدأوا باستخدام طائرة من دون طيار تدعى "صماد" والتي تشترك في عناصر تتفق مع الدرون الإيراني "سيد"، التي يطلق عليها KSA-04 عدا عن اختلافات طفيفة مع الحفاظ على التصميم العام لـ "سيد" الإيراني، تتمتع كلتا الطائرتين من دون طيار بميزات ملحوظة ومتطابقة تقريباً، وتم عرض "سيد" الإيراني في 2023، واستخدم الحوثيون "صماد" المطابق له في هجوم يوليو (تموز) 2018 ضد السعودية.
تعليقاً على ما ورد في تقرير الاستخبارات الأميركية يقول الخبير العسكري اليمني، عبدالعزيز الهداشي، إن اليمن لم يكن يمتلك الصواريخ الجوالة الكروز ولا أي نوع من الطائرات المسيرة إطلاقاً.
ويوضح أن الحركة أظهرت في عرض عسكري في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي بصاروخ اسمه "طوفان" وهو نموذج من "شهاب3" الإيراني، تبين أنه نفس النوع الذي استخدموه في قصف شمال البحر الأحمر واستخدمه بشكل كثيف أخيراً".
•الهروب ليس مستحيلاً
يذكر الهداشي أن "أسماء الصواريخ تتعدد ولكن بمراجعة الصور والفيديوهات في العرض العسكري في إيران مع العرض العسكري في اليمن نجد أن هناك تطابقاً بينها، وهذا يدل بنسبة كبيرة على أن هذه الصواريخ هربت (للحوثي) كقطع وتم تركيبها في اليمن لأن الصاروخ يُركب على عدة مراحل ومن السهل تهريبها".
سبق وأعلنت الوكالة الروسية "ريا نوفوستي" عن قائمة بالصواريخ التي تمتلكها سلطة الأمر الواقع بصنعاء.
هنا يجدر الانتباه إلى أهمية المعلومات الصادرة عن الجهات الروسية لاستنادها إلى علاقات التعاون العسكري المشترك بين موسكو وطهران.
بحسب نوفوستي، تضم ترسانة الحوثيين صواريخ مجنحة وأخرى باليستية من أبرز أنواعها:
"روبيج" صواريخ تحمل اسم "بي-21/22" وهي سوفياتية مضادة للسفن كانت ضمن مخزون الجيش اليمني وموجهة بالرادار والأشعة تحت الحمراء بمدى يصل إلى 80 كيلومتراً.
"سياد" باسم "بافي-351" وهي إيرانية مجنحة "أرض – أرض" موجهة بالرادار، وتم تطوير نسخة بحرية منها بمدى يصل إلى 800 كيلومتر.
"قدس" بتوجيه إلكتروني وأشعة تحت الحمراء، وهي إيرانية مجنحة "أرض – أرض" تم تطوير نسخة بحرية منها بمدى يصل إلى 800 كيلومتر، وتحمل اسم "بافي-351".
"سجيل" والذي يعد صاروخاً إيرانياً مداه 180 كيلومتراً.
أما الصواريخ الباليستية التي تمتلكها الحركة فهي موزعة كالتالي:
"محيط" نسخة من "سام-2" الروسية تم تعديله بأنظمة توجيه إيرانية وتستخدم نظام رؤية إلكتروني والأشعة تحت الحمراء.
"عاصف" نسخة من الصاروخ الإيراني المضاد للسفن "فاتح-313" بمدى 450 كيلومتراً ويعمل برؤية إلكترونية والأشعة تحت الحمراء.
"تنكيل" نسخة "رعد-500" الإيراني بمدى 500 كيلومتر ونظام توجيه إلكتروني والأشعة تحت الحمراء، وغيرها.
•الماضي مخزون نضبت رؤسه
بحسب الخبير الهداشي فمنذ 2017 بدأت إيران ترسل للجماعة قطعاً للصواريخ الصغيرة الجوالة أو ذات الحجم الأصغر ويتم تركيبها في اليمن، حيث اقتصرت القوات الصاروخية لدى الجيش اليمني على "مجموعة من الصواريخ الباليستية روسية الصنع وسكود كورية وكان يمتلك صواريخ توشكا ولم يمتلك اليمن أي نوع آخر".
وتعزيزاً لفرضية وجود خبراء من إيران و"حزب الله" يشرفون على تشغيل وإطلاق المنظومات الصاروخية الحوثية، يقول إن "اليمن حتى الآن عاجزة عن صناعة قطعة بلاستيكية لكن بدأ إرسال النماذج الصاروخية التي بدأت تقصف مناطق متعددة في السعودية".
يشير الخبير الهداشي إلى أن "الجيش كان يمتلك عدداً محدوداً من الصواريخ أرض سطح يعني بر بحر، لأن الجيش اليمني لم يتوقع أنه سيدخل في زمن علي عبدالله صالح في مواجهة بحرية مع أي دولة، واليمن كان ضعيفاً بحرياً".