منذ بداية الحرب في اليمن، وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية الحوثيين باستمرار بأنهم “فرع” أو “وكيل” لإيران، شأنهم شأن حزب الله في لبنان والميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا.
زاد اهتمام إسرائيل بالحوثيين إلى حد كبير بعد إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على إيلات واستهداف السفن في البحر الأحمر، ويصاحب هذا الاهتمام حيرة حول سبب مشاركتهم في صراعنا مع الفلسطينيين بهذه الطريقة. ويبقى التفسير الشائع بأنهم يقومون بذلك نيابة عن إيران.
لا شك أن الحوثيين يشنون هجمات على السفن بتنسيق ومساعدة من إيران، ويستخدمون الأسلحة التي زوّدتهم بها، ويعدون أنفسهم ضمن إطار “محور المقاومة” التي تعد إيران أبرز عضو فيه. ومع ذلك، ما أود قوله إن وصفهم بأنهم “وكلاء إيران”، يمنعنا من فهم أن تدخلهم في المقام الأول ينطلق وفقًا لمصالحهم الخاصة.
أفضل طريقة لبدء هذه المناقشة هي استعراض الاستطلاع الأخير الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحسب الاستطلاع، يعد اليمن أكثر البلدان التي يقدرها الفلسطينيون؛ بسبب موقفه أثناء الحرب، كما عمّت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين معظم أراضي اليمن، وليس فقط في مناطق سيطرة الحوثيين، ولا شك أن الفلسطينيين يفكرون في المقام الأول بالحوثيين. ومن المرجح أن يكون التصور الفلسطيني مؤشرًا جيدًا على الرأي العام في المنطقة برمتها، والذي يميل بالطبع إلى تأييد الفلسطينيين.
ولذا، يعزز الحوثيون موقفهم لدى الرأي العام العربي من خلال ما يقومون به بأنهم قوة تساند الفلسطينيين مقارنة بمعظم الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات، اللتين يُنظر إليهما على أنهما تتشدقان بالقضية الفلسطينية لا أكثر، كما يحققون نفس النتيجة داخل اليمن الذي يتمتع بمسيّرة طويلة في دعم الفلسطينيين. ورغم الحرب الأهلية الشعواء، وفساد الحوثيين وقمعهم، والمخاوف من طموحهم للسيطرة على اليمن بأسرها، فإن هذا الموقف الداعم للفلسطينيين يمنح الحوثيين استحقاقات مهمة في الرأي العام اليمني، ويمنحهم مزيدًا من القوة في مفاوضاتهم مع السعودية لإنهاء الحرب. جدير بالذكر أن مثل هذه التسوية لن تضع حدًا للحرب الأهلية في اليمن، إذ يُتوقع أن تستمر في ظل الانقسامات التي ما تزال تفصل شمال اليمن عن الحركة الانفصالية في الجنوب وبين الحوثيين والفصائل المتنافسة في جميع أنحاء اليمن، وهناك تقديرات محتملة بأن التسوية قد تمهّد الطريق بالفعل للحوثيين لمحاولة السيطرة على كامل اليمن.
ومع أن التوجس من مضايقة الحوثيين لعبور البضائع في البحر الأحمر قائم منذ سنوات طويلة، وقد ألحقوا الضرر بالسفن مسبقًا، إلا أن استعدادهم وقدرتهم القاطعة على القيام بذلك بدرجة كبيرة يجري الآن، والثمن الباهظ الذي تفرضه هذه النشاطات تجعلهم قوة لا يُستهان بها على المستوى الدولي، وهو ما يعزز مكانتهم وقوتهم في اليمن والمنطقة. علاوة على ذلك، يشترك الحوثيون منذ البداية في الأيديولوجية المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة السائدة في المنطقة، وتحديدًا بين القوى الموالية لـ “محور المقاومة”، وتبنوا شعارهم المعروف على خلفية الانتفاضة الفلسطينية الثانية وهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة والغزو الأمريكي بدءًا من أفغانستان حتى العراق: “الموت لإسرائيل، الموت لأمريكا، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. كل هذه الاعتبارات خاصة بالحوثيين بغض النظر عن علاقتهم بإيران. وللعلم، يمكن افتراض أن الحوثيين سيواصلون التدخل في صراعنا لصالح الفلسطينيين قدر استطاعتهم (بطبيعة الحال، فإن قدرتهم على القيام بذلك كانت محدودة للغاية) حتى لو لم تكن إيران موجودة.
هذا لا ينفي التنسيق الوثيق بين الحوثيين والإيرانيين عسكريًا، واستخباراتيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، ومن الصعب تحديد النشاط الذي يتخذه الحوثيون بناءً على طلب الإيرانيين أو بقرار مشترك وما هي اعتباراتهم الخاصة في هذه النشاطات. ولكن ما يقوم به الحوثيون يعزز أيضًا موقفهم لدى إيران باعتبارها حليفًا موثوقًا وفعالًا لتحقيق مصالحهم في المنطقة، ومنها التأثير في نجاحهم العسكري أثناء مواجهة التحالف السعودي إبان فترة الحرب في اليمن، مما أدى إلى استثمار إيران فيها إلى حد بعيد مقارنة بالعلاقات المحدودة نسبيًا التي كانت قائمة بين هذه القوى قبل الحرب وفي بدايتها. ومن المرجح أن نشهد مزيدًا من الاستثمارات الإيرانية في الحوثيين في المستقبل نتيجة لهذه الديناميكية.
وأخيرًا، فإن إدراك اعتبارات نشاط الحوثيين الخاصة في مواجهة إسرائيل يساعدنا أيضًا على فهم قيود التنظيم العسكري الدولي الذي يواجههم: على الرغم من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي يترتب عليها نشاط الحوثيين في البحر الأحمر، فمن المستبعد أن يتخذ التحالف العسكري الذي تديره الولايات المتحدة إجراءات بعيدة المدى مثل التدخل العسكري في اليمن، حيث لا توجد دولة، وبالتأكيد لا ترغب الولايات المتحدة في غرس أقدامها في الوحل اليمني. ومن المتوقع أن تقتصر العمليات العسكرية على اعتراض صواريخ الحوثيين وربما أيضًا قصف القواعد العسكرية ومستودعات الأسلحة في اليمن. قد تحد مثل هذه العمليات من قدرة الحوثيين على الوصول إلى السفن في البحر الأحمر، لكن يصعب تصديق أنها قادرة على ردعهم تمامًا، وقد يفشلوا حتى في توفير شعور كافٍ بالأمان بين شركات الشحن لاستئناف الملاحة في البحر الأحمر. ومن المرجح أن يكون الاعتقاد السائد بين الأميركيين وكافة الدول الأخرى المعنية أن ما سيوقف عمليات الحوثيين في البحر الأحمر يعتمد في النهاية على الدمج بين الضغط على إيران، والمفاوضات مع الحوثيين بعيدًا عن خفض حدة القتال في غزة، الذي سيسمح بإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية الضرورية، فضلًا عن إمكانية ادعاء الحوثيين أنهم حققوا هدفهم المعلن -رفع الحصار عن غزة. يرى الحوثيون أنهم حققوا بالفعل إنجازًا كبيرًا بتعزيز مكانتهم في المنطقة وفي اليمن ذاته، وبأنهم قوة لا تزال صامدة بعد عقدين من القتال العنيف في اليمن (ومن بينها جولات القتال في مواجهة الحكومة في اليمن بين عامي 2004 و2010) والقصف الهائل من السعوديين، ويبدو أن تأثير قصف قواعدهم ومستودعات أسلحتهم سيكون محدودًا. والاستنتاج المحزن هو عدم وجود سيناريو “يخسر” فيه الحوثيون هذه الحرب، وسيستمرون في كونهم قوة مهددة ومتنامية في المنطقة في المستقبل المنظور.