هاجم الحوثيون أكثر من 15 سفينة تجارية مدنية في ديسمبر الماضي، مما دفع بعض أكبر الشركات التجارية في العالم إلى الإحجام عن الإبحار في قناة السويس. وفي الأسبوع الماضي، دشنت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا تحت قيادتها لتأمين البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إلا أن السنوات القليلة الماضية أثبتت أن هزيمة الحوثيين مهمة صعبة للغاية.
تقول عنبال نسيم لوفطون [3]، الباحثة في منتدى التفكير الإقليمي والتي تراقب عن كثب هذه القضية في السنوات الأخيرة، إنها تجد صعوبة في تصديق أن الهجمات الجوية، أو القصف عن بُعد، أو حتى تسلل وحدات النخبة إلى الأراضي اليمنية سوف تردع الحوثيين. تقول نسيم لوفطون: “ما يمكن تعلمه من عمليات التحالف الذي تقوده السعودية لمواجهة الحوثيين هو أن العمليات الجوية والبرية لم تمكن الطرفين من حسم المعركة”.
وأضافت “إنه نظام يدير الأمور كما لو أنه ليس لديه ما يخسره، ومن هذا المنطلق فهو يذكرنا إلى حد ما بحركة حماس في غزة. اليمن هي أحد أفقر الدول وأكثرها فشلًا في العالم، وقد تبوأ الحوثيون السلطة بفضل تفوقهم في حرب العصابات، ولديهم أيديولوجية متطرفة وشعور بالضيم منذ فترة طويلة في النظام اليمني الداخلي. لا أرى أن القصف من الجو أو البحر سيؤدي إلى تغيير سياساتهم. حتى لو كان هناك اجتياح بري لليمن، فإن الظروف هناك فظيعة وستكون لديهم ميزة كبيرة”.
•لماذا بدأ الحوثيون بإيذاء الجميع؟
حاول الحوثيون في البداية تأطير العمليات العسكرية باعتبارها مسألة مناهضة لإسرائيل فقط، نظرًا لهجوم الجيش الإسرائيلي على غزة. وأكدوا أن العدوان يستهدف أي سفينة ذات صلة بإسرائيل: “إما من ناحية الملكية، أو وجهة الملاحة، أو على متنها إسرائيليون. ولكن مع تضرر مزيد من السفن اتضح أن الضرر قد لحق بسفن قليلة تابعة لإسرائيل، هذا إن حدث ذلك على الإطلاق. جمهورهم متحمس لإلحاق أضرار بأي سفينة كما لو أنها سفينة تابعة للبحرية الإسرائيلية”.
•ما هي ردود الفعل العالمية على الهجمات؟
قالت لوفطون إن أول رد فعل على الهجمات كان من الشركات التجارية. كان رد فعل السوق أسرع من الدبلوماسية. بعد ذلك، استخدمت أمريكا الدبلوماسية الناعمة: لقد عرضوا تحويل الأموال لدفع رواتب الموظفين في اليمن إذا أوقف الحوثيون الهجمات. رفض الحوثيون نهائيًا وصعّدوا من الهجمات.
•يجاهر الحوثيون بأنهم لا يخافون من أحد.
“إن هجماتهم على السفن يعد مكسبًا. لأنهم يستعرضون قوتهم، ويحاولون تطوير قدراتهم، واكتسبوا بهذه الطريقة قدرًا كبيرًا من التعاطف داخل اليمن وفي العالم العربي والإسلامي. إن نضالهم من أجل فلسطين يسلط ضوءًا سلبيًا على السعودية، ومصر، والإمارات، وغيرها من الدول العربية، التي لا تفعل ما يكفي للفلسطينيين في نظر المسلمين في العالم. لقد أصبح الحوثيون أبطال العالم الإسلامي الجدد، وهذا يمنحهم كثيرًا من القوة والدافع. وحتى هذه الأثناء، لم يدفعوا ثمن هجماتهم. ولا يكترثون بنظرة الغرب إليهم”.
•كيف برأيك يمكن إلحاق الأذى بهم؟
أضافت لوفطون: “يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات عليهم بتجميد المساعدات الإنسانية التي تذهب إلى اليمن. وهي خطوة ستؤثر على الكثيرين، وهم مواطنون غير متطورين، والغرب متردد في تنفيذ تلك العقوبات. يمكن إلحاق أضرار بتهريب الأسلحة من إيران، ويمكن قصف المواقع العسكرية ومستودعات الأسلحة في اليمن، وهو ما سيصعب عليهم الأمر، لكنه لن يثنيهم عن مواصلة عدوانهم، تمامًا كما أن التفجيرات في سوريا لم تمنع -عمومًا -ترسيخ ميليشيات موالية لإيران هناك”.
•يبدو من كلامك أنه لا يوجد شيء يمكن القيام به حقًا؟
“على المدى القصير، لا أرى أي خطوة قد تعيد الأمن على الفور إلى الممرات الملاحية، كما لا أرى طريقة يمكن من خلالها تكبيد الحوثيين ثمنًا باهظًا. ما يمكن فعله هو زيادة التأمين البحري إلى حد يجعل من الصعب على الحوثيين شن الهجمات. إذا أردتم إلحاق الأذى بالحوثيين، فما يمكن فعله هو دعم الجماعات الأخرى التي تعارضهم في اليمن. ويجب أن نتذكر أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، وهم في صراع مستمر من أجل السيطرة ضد الحكومة الرسمية في اليمن ومختلف المنظمات المتمردة. وربما تكون هذه هي نقطة ضعفهم”.
•هل لديك أي أمثلة على ذلك؟
شكلت الإمارات، على سبيل المثال، قوة من الانفصاليين من جنوب اليمن بقيادة “المجلس الانتقالي الجنوبي”، تعمل الإمارات من خلالها على تعزيز مصالحها. وهي قوة أثبتت نفسها عسكريًا في مواجهة الحوثيين أيضًا. وبهذه الطريقة، استطاعت الإمارات أن تنسحب من المشاركة المباشرة مع الاستمرار في الحفاظ على مصالحها. ولكن فيما يتعلق بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن الشيء الرئيس هو تأمين الممرات البحرية، وفي هذا القطاع لا أعتقد أن هناك قوى داخلية يمنية يمكنها تقديم المساعدة”.
•ماذا عن السعوديين؟
“عندما انخرط السعوديون في الحرب الأهلية اليمنية نهاية مارس 2015، صرحوا بأن هدفهم هو إعادة الحكومة الشرعية التي أطاح بها الحوثيون، والقضاء على الوكيل الإيراني في اليمن. وأضافوا لاحقًا أن هدفهم هو تحرير الشعب اليمني من سيطرة الحوثيين. لم تحقق حربهم أي إنجازات حقيقية. وعندما أدركوا أنهم لا يستطيعون تحقيق النصر بالوسائل العسكرية، تفاوضوا على هدنة بوساطة الأمم المتحدة، ودخلوا في سلسلة من الهدنات المؤقتة. ما حدث هو أن الهدنة الموقع عليها وجرى تمديدها انتهت، لكن السلام حلّ على معظم الجبهات. لقد أصبحت الحرب صراعًا محدودًا في نقاط أكثر أهمية للسعوديين.
“رسميًا، السعوديون في حالة حرب على الحوثيين، لكن رسائلهم الآن تغيرت، فقد سقطت أجندة الحوثيين باعتبارهم وكيلًا إيرانيًا من الخطاب، وتوقفوا أيضًا عن الحديث كما لو أنهم منقذي الأمة اليمنية. أعتقد أن الهدف من تغيير الخطاب هو التفكير بعقلانية والتوصل إلى تفاهم مع الحوثيين. وتشترك السعودية مع اليمن في حدود يبلغ طولها حوالي 1400 كيلومتر، وهدفها الآن هو الحفاظ على هدوء الحدود ومنع تهريب الأسلحة، والأشخاص، والمخدرات”.
•لماذا لا تشارك السعودية في التحالف؟
“إن تركيزهم على هذه الأهداف، التي هي أكثر تواضعًا مقارنة بالأهداف التي اتخذتها السعودية في العقد الماضي، قادهم إلى موقف أكثر تصالحية تجاه الحوثيين. وفي النهاية، قرروا البقاء خارج التحالف الدولي حتى لا تتعرض المحادثات مع الحوثيين للضرر، وحتى لا ينظر إليهم على أنهم يدافعون عن إسرائيل. أعتقد أنهم يساعدون إلى حد ما وراء الكواليس”.
•ماذا عن مصر؟
مصر هي أكثر الدول التي تعرض اقتصادها للضرر جراء هجمات الحوثيين. يعتمد الاقتصاد المصري على الضرائب المحصّلة من السفن التي تمر عبر القناة، والتي تبلغ عشرات المليارات من الدولارات سنويًا، وهي أموال كثيرة للحكومة المصرية.