تعيش اليمن منذ سنوات في حرب قذفت بأكثر من نصف السكان في الفقر والاعتماد على المعونات، ليأتي التصعيد في البحر الأحمر ليفاقم مأساة اليمنيين في رأي الكثير منهم، لكن البعض ينظر للأمر من زاوية أخرى، وفق استطلاع لحساب DW.
"لا أرى أننا نخسر فوق ما خسرناه، ويكفي أننا أثبتنا القدرة على فعل شيء من أجل فلسطين"، هذا الرأي الذي يطرحه اليمني صادق ع.، هو في الغالب جوهر ما يمكن الحصول عليه في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، عند سؤال أحدهم، عن قراءته لتطورات التصعيد البحري في البلد الذي يعاني واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية، وشهد مؤخراً إطلاق الأمم المتحدة نداءً لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية، حيث يواجه 17.6 مليون شخص من "انعدام الأمن الغذائي الحاد" خلال العام الجاري 2024.
صادق، الذي يعمل في القطاع الخاص وحُرم خلال سنوات الحرب من مرتبه الحكومي الذي كان يصل إلى جانب الحوافز الوظيفية نحو 200 دولار أمريكي، يقول إنه لا يؤيد الحوثيين وإجراءاتهم كسلطة أمر واقع في اليمن، ومع ذلك، فإنه لا يعارض تدخلهم لمنع السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بل يرى أنه "واجب قومي وديني" بصرف النظر عن التأثيرات، والتي يرى أنها تستخدم كورقة ضغط في الوقت الحالي.
صادق هو واحد من الذين من لا يرون حرجاً من الدفاع عن موقف الحوثيين، وإن لم يكونوا في الواقع جزءاً من الجماعة. وعند طرح DW عربية أسئلة على آخرين في صنعاء، فضلوا عدم الخوض في "السياسة". وهذا شأن العديد من اليمنيين الذين يتجنب بعضهم حتى مجرد المتابعة أو يخشون من إبداء آراء معارضة خوفا من بطش الحوثيين.
•الحوثيون "اختاروا القفز إلى الأمام"
لكن خارج مناطق سيطرة الجماعة وفي أوساط النازحين، يأتي الرأي مختلفاً في الغالب، إذ ترى أحلام صالح (ثلاثينية في عدن) أن "الدور الذي لعبه الحوثيون في موضوع غزة غير مؤثر"، على صعيد الصراع هناك، بقدر ما جاء تدخلهم تنفيذاً لأجندة إيرانية، ألحقت الضرر باليمن قبل غيره، حيث تراجعت جهود السلام وشهدت العملة اليمنية انهياراً متسارعاً وسط المخاوف من أن "يلقي استمرار الأزمة بظلاله على المساعدات الإنسانية وتمويلات المانحين التي تراجعت بشكل كبير العام الماضي".
على ذات الصعيد، ترى الناشطة الحقوقية اليمنية وضحى مرشد أن الحوثيين بعد الهدنة مع التحالف بقيادة السعودية، والتي أعلنت في إبريل/نيسان 2022، وقفوا أمام استحقاقات الداخل "من رواتب وخدمات"، وأنهم من خلال الهجمات على السفن في البحر الأحمر "اختاروا القفز إلى الأمام" بتوجيهات من إيران. وتضيف مرشد "نفذ الحوثيون هجمات على سفن تجارية وتجارية فقط في عملية قرصنة استدعت العالم لعسكرة البحر الأحمر".
أما إسرائيل، بنظر المتحدثة، "الكل يعلم أن أغلب تجارتها من ميناء حيفا على البحر المتوسط وبالتالي فإن الضرر الوحيد كان على الدول المشاطئة للبحر الأحمر وأهمها مصر من خلال قناة السويس، كما أن اليمن ، التي تعاني من أسوء أزمة إنسانية في العالم، نالها النصيب الأكبر من خلال ارتفاع تعرفة النقل البحري، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية والسلع الأساسية، إضافة إلى انهيار قيمة العملة خلال عشر سنوات من الحرب".
•تفاقم الأزمة الإنسانية
مطلع فبراير/شباط الجاري، أطلقت منظمات العمل الإنساني في اليمن "خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام 2024، وهي الخطة التي تأمل الأمم المتحدة و219 من شركائها في المجال الإنساني، حشد دعم بمبلغ 2.7 مليار دولار أمريكي، لتقديم الدعم العاجل لأكثر من 18.2 مليون شخص، بما فيهم 17.6 يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وفي حديث خاص لـDW عربية، تقول بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لدى اليمن إن استمرار النزاع المسلح لتسع سنوات أدى إلى "استنزاف قدرات السكان في التعامل مع الوضع إلى حد كبير، وبات الاقتصاد على حافة الهاوية، وأوشكت الكثير من البنى التحتية الأساسية في البلاد على الانهيار"، كما "تضررت أيضًا شبكات الكهرباء والمياه وتعرضت للتدمير والتلوث، وبعضها مُلئت بالألغام، أو تهالكت وأصبحت بحالة سيئة". كما بات الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية أمرًا صعب المنال بالنسبة للكثيرين.
بالإضافة إلى ذلك، تضيف المنظمة، أن الملايين فقدوا "سبل عيشهم واستنفدّوا مدخراتهم، مما زاد حدة معاناتهم من الفقر واتخاذ واللجوء إلى استراتيجيات سلبية للتكيف والعيش. ولا يزال آلاف الأشخاص في عداد المفقودين بسبب النزاع، ما يجعل عائلاتهم في حالة من الغموض وعدم الاستقرار المالي". وقد اضطرت المنظمات الإنسانية إلى تقليص أنشطتها في الأشهر الأخيرة بسبب النقص في تمويل المساعدات الإنسانية العالمية، إلى جانب تزايد الاحتياجات الإنسانية على مستوى العالم، مما يعني، حسب المنظمة أن "عددًا أقل من الأشخاص سيتلقون المساعدات اللازمة في عام 2024".
•التبعات على المعونات الإنسانية
على الرغم من التأثيرات المباشرة للتوتر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب في العديد من الجوانب، والتي قد بدأت بالفعل، مثل ارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية وغير الغذائية، نتيجة ارتفاع تكاليف الشحن البحري إلى الموانئ اليمنية، إلا أن التبعات المتصلة بالمساعدات وغيرها من الجوانب، ما تزال غير واضحة المعالم، قبل انعقاد مؤتمر الاستجابة الإنسانية، وكذلك في ظل المهلة التي منحتها واشنطن قبل بدء سريان تصنيف الحوثيين في قائمة الكيانات الإرهابية بشكل دائم، وهو الموعد المقرر في الـ16 من الشهر الجاري.
ووفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر فإن "من المبكر جدًا تحديد تأثير هذه التطورات بشكل دقيق على إيصال المساعدات الإنسانية"، لكنها تشدد على إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية الهائلة في اليمن، وتضيف "نراقب التطورات الإقليمية الأخيرة عن كثب، ونولي اهتمامًا أساسيًا للمدنيين الذين غالباً ما يكونون الأكثر تأثراً في مثل هذه الحالات، ونحث جميع الأطراف المعنية على إعطاء الأولوية لحماية الناس والالتزام بالقانون الإنساني الدولي".
يذكر هنا أن جماعة الحوثيين تؤكد أنها ستتسمر في استهداف السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، وكذلك السفن الأمريكية والبريطانية حتى تتوقف الحرب في غزة، كما أنها تنفي أن يكون هذا العمل، الذي تقوم به في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بتوجيهات من إيران.