رفع عبد القادر الخراز، الرئيس السابق لهيئة حماية البيئة اليمنية، وهو الآن ناشط بيئي متفرّغ، القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعد فترة وجيزة من كشف OCCRP في تحقيق استقصائي، عن غياب المساءلة البيئية لشركات النفط في اليمن.
استند تحقيق OCCRP إلى تقرير خبراء غير منشور لعام 2014 بتكليف من البرلمان اليمني. ويصف التقرير أكثر من 30 انتهاكاً بيئياً ارتكبتها أكثر من 12 شركة نفط وغاز، ومقاولون تابعون لها بين أوائل عام 2000 وأواخر عام 2014 عندما اندلعت الحرب الأهلية.
اكتُشف النفط في اليمن في ثمانينات القرن العشرين، وهرعت الشركات الأجنبية إلى البلاد لاستغلاله. مع اندلاع الحرب الأهلية، غادر الكثير منها، ولكن الشركات الحكومية التي أصبحت تشغل تلك القطاعات النفطية يبدو أنها واصلت الدمار البيئي.
وألقى السكان باللوم بشكل خاص على سوائل الحفر السامة التي تم سكبها في التربة، في انخفاض غلة المحاصيل وزيادة أمراض مثل السرطان وأمراض الكلى.
“التلوث النفطي الناتج من تصريف النفايات الخطرة المباشر ودفنها، وإطلاق الانبعاثات من دون أي طرق معالجة، يسبب الكثير من الأمراض الخطيرة في المجتمعات التي تعيش بالقرب من حقول النفط” ، يكتب الخراز في شكايته إلى المحكمة.
وبصفته رئيساً للهيئة البيئية الحكومية، اشتكى الخراز، خلال فترة ولايته التي استمرت عامين، مراراً وتكراراً من التلوث الناجم عن شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج المملوكة للدولة (“SEPOC”). في نهاية المطاف، استبدله رئيس الوزراء في عام 2019، وغادر الخراز البلاد بعد تلقّيه تهديدات.
في عام 2020، رفع الخراز دعوى قضائية ضد صافر في محكمة محلية بسبب الدفن المزعوم لمنتجات كيميائية خطرة ونفايات الحفر. وسعى الى الحصول على تعويض نيابة عن عشرات مرضى السرطان، لكن إجراءاته القانونية توقفت في المحاكم اليمنية، إذ رفضت الشركة الاتهامات وطعن محاموها في التفاصيل الفنية للإجراءات. بعد فترة، تنحى القاضي الأصلي في القضية عن منصبه في ذلك العام، ورفض قضاة آخرون إعادة فتح القضية منذ ذلك الحين.
واليوم، رفع الخراز إلى لاهاي، قضية ضد صافر وشركة أخرى تدعى هنت. قامت شركة Hunt Oil Company ومقرها الولايات المتحدة، بتشغيل القطاع 18 حتى سنة 2005، وهي منطقة اكتشفت فيها الشركة أول نفط في اليمن في عام 1984. ومن بين الانتهاكات والشركات التي تناولها، ألقى التقرير البرلماني باللوم على هنت لإطلاق مستويات خطيرة من أكاسيد النيتروجين في الهواء والتخزين غير السليم لمئات البراميل من المواد الكيميائية منتهية الصلاحية.
وقال الخراز إنه يعد أيضاً قائمة بالمسؤولين الحكوميين “الذين ساهموا في التستّر على هذا التلوث والأضرار”.
وقال متحدث باسم هنت لـ OCCRP، إن الشركة لا ترغب في التعليق. ولم ترد صافر على طلب OCCRP للتعليق.
مبدئياً، بإمكان الأفراد التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية كمحكمة دولية دائمة متخصصة في الجرائم ضد الإنسانية، وللمدعي العام للمحكمة سلطة إجراء تحقيق إذا تلقى معلومات ذات مصداقية، لكنْ هناك شروط.
يجب أن تكون الجرائم “ارتًكبت من مواطن لدولة طرف، أو في إقليم دولة طرف، أو في دولة قبلت اختصاص المحكمة”، وفقاً للمحكمة الجنائية الدولية.
وكان اليمن قد وقّع على نظام روما الأساسي، وهو المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، لكنه لم يصادق عليها، وبالتالي فإنه ليس دولة طرف.
لكن “هذا لا يمنع فتح الملف، وهناك قضايا في المحكمة لدول لم تصادق” كما يقول الخراز. “ربما كانت تصب تركيزها على أفعال ضمن حروب، لكن هذا يعني أن المحكمة لديها القدرة على فتح ملفات حتى في دول غير مصادقة أو غير موقعة”.
حتى الآن، أكدت المحكمة الجنائية الدولية فقط أنها تلقت شكواه.
قال ريتشارد بيرسهاوس، مدير قسم البيئة في هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch)، لـOCCRP :”لقد علمنا لفترة طويلة أن الجرائم الموجودة في ميثاق روما يمكن أن تتداخل مع قضايا البيئة”.
وأعلنت المحكمة الدولية أنها ستعطي الأولوية للقضايا المتعلقة بالبيئة اعتباراً من عام 2016 فصاعداً، “ولكن على مدى السنوات الثماني الماضية، لم نر سوى القليل من حيث التنفيذ”، على حد قوله.
“هذا مخيب للآمال لأنه بشكل عام، سنرى المزيد من التداخل بين جرائم نظام روما الأساسي والقضايا البيئية، إذ تتعرض الموارد الطبيعية النادرة للضغط المتزايد، مع تفاقم أزمة المناخ وتسببها في المزيد من الدمار” ، كما أوضح بيرسهاوس.
ويأمل الخراز بأن تنظر المحكمة الجنائية الدولية في طلبه لأنه فقد الأمل في أن تحاسب السلطات اليمنية شركات النفط بجدية أو أن تعالج الأضرار الجسيمة التي تسببت بها.
“لهذا السبب تحركنا بالجانب الدولي، وسنحاول إيصال معاناة الناس والعمل على محاسبة المتسببين وإزالة المخلفات الخطرة المدفونة وتعويض الناس عما أصابهم على طول الفترات الماضية والحالية. ولن ندخر جهداً في ذلك، وسنطرق جميع الأبواب مهما كانت الصعوبات”.
للإطلاع على المادة من موقعها الاصلي: هنا