حذر خبراء ومختصون في الاقتصاد من تراجع كبير في أداء نشاط التجارة الدولية حول العالم وما يعكسه من أضرار على حجم التجارة العراقية القادمة من أوروبا، أو تلك الخارجة من العراق إلى أوروبا وتركيا ومصر وبقية البلدان المطلة على البحر الأحمر، خاصة بعد قرار عدد من شركات الشحن الكبرى تعليق نشاطها عبر البحر الأحمر بسبب استهداف السفن التجارية في مضيق باب المندب، وما سببه ذلك من خسائر كبيرة للتجار وشركات الشحن.
وأجبرت هجمات جماعة الحوثي في اليمن على سفن في البحر الأحمر العديد من الشركات على تحويل مسار الإبحار بعيداً عن البحر الأحمر والمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا، وهو ما زاد من وقت الرحلات وتكاليفها.
•ناقلات النفط
تأخرت شحنات النفط التي انطلقت من العراق والسعودية والبالغ مجموع ما تحمله نحو 9 ملايين برميل، بعد تغيير مساراتها البحرية إلى مسافات أطول باتجاه أفريقيا، بدلاً من عبور البحر الأحمر.
وغيّرت السفن المحملة بالنفط الخام والمنتجات المكررة من موانئ البصرة (جنوبي العراق)، مسارها وأبحرت بعيداً عن مضيق باب المندب عند مدخل جنوب البحر الأحمر، وفقاً لبيانات تتبع السفن الدولية.
وقالت شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية إن السفينة أغيتوس وتحمل النفط الخام من البصرة بكمية بمليوني برميل رست بالقرب من سلطنة عُمان، ثم اتجهت جنوباً نحو أفريقيا.
وبيّنت أنه تم تحويل معظم السفن عندما قصفت القوات الأميركية والبريطانية مواقع تابعة لجماعة الحوثي في اليمن بغارات جوية، وإعلان جماعة الحوثي الرد المباشر على الناقلات والشاحنات البحرية التي تمر عبر بوابة مضيق باب المندب.
ورداً على ذلك، أعلن وزير النفط العراقي حيان عبد الغني أن صادرات العراق من النفط لم تتأثر بالهجمات الأخيرة على سفن في البحر الأحمر.
وذكر عبد الغني في تصريحات على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن نحو 90 بالمائة من صادرات العراق النفطية تذهب إلى آسيا وبالتالي لا تحتاج إلى المرور عبر البحر الأحمر.
•انعكاسات سلبية
قال الخبير في مجال الطاقة كوفيد شيرواني إن استهداف السفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر انعكس سلباً على اقتصاديات العديد من البلدان المُصدرة والمُستوردة عبر قنوات المرور المائي المطلة على البحر الأحمر.
وأضاف شيرواني، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن ما تعرضت له السفن التجارية أثناء مرورها من مضيق باب المندب ولّد حالة من الخوف لدى الكثير من شركات الشحن البحري الآسيوية والغربية، وأصبحت له امتدادات وردود فعل دولية.
وبيّن أن هذه الأحداث انعكست على أسعار النفط والطاقة التي ارتفعت بنسبة 3 بالمائة خلال أسبوع واحد فقط، مع وجود توقعات بارتفاع أسعار النفط عالمياً خلال الأيام القادمة في حال استمر قطع الطريق البحري عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس.
وأشار إلى أن هذه الأحداث تركت آثاراً سلبية على الاقتصاد العالمي بشكل عام، والاقتصاد العراقي تحديداً، لأن العديد من ناقلات النفط العراقي تمر عبر بوابات البحر الأحمر مروراً بالبحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وختم شيرواني قائلاً إن توقف إمدادات الطاقة سيؤثر على الاستقرار الاقتصادي العالمي، وأن مستوردي الطاقة سيضطرون للبحث عن طرق بديلة وآمنة من خلال التوجه إلى عمق المحيط الهادئ، إلا أن هذه الطرق تستغرق وقتاً طويلاً وبكلفة مالية عالية.
•شركات الشحن
أثارت الاضطرابات في البحر الأحمر مخاوف شركات الشحن، التي حولت مسار سفنها بعيدا إلى رأس الرجاء الصالح، لتجنب التوترات في الممر المائي المهم.
وقال علي الرشيد، الذي يعمل في مجال الشحن البحري، إن الهجمات التي تعرضت لها عدة سفن في البحر الأحمر دفعت إلى تغيير مسارات العديد من السفن، خاصة التجارية، من أوروبا وأميركا باتجاه الشرق وبالعكس.
وأكد الرشيد، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هناك بضائع بكميات كبيرة ما زالت مُكدسة على الموانئ البحرية، وأن شركته تضررت كثيراً من هذه الأحداث والتوترات، وأن لشركته بضائع جاهزة للشحن من تركيا إلى الخليج العربي والعراق تم إتلافها.
وأضاف أن هناك سفناً تجارية كانت قادمة من أوروبا وأميركا إلى العراق حولت مساراتها باتجاه المحيط الهادئ، ما دفع إلى ارتفاع تكاليف الشحن والنقل، علماً عن أن هناك مواد لا تحتمل مدة شحن طويلة.
وأشار الرشيد إلى أن كلفة شحن البضائع ارتفعت مع استمرار شركات الشحن العملاقة في تجنب طريق البحر الأحمر الرئيسي بنسبة تراوح بين 80 و150 بالمائة.
في تقرير صدر عن شركة "Freightos.com" متعددة الجنسيات والمختصة في عمليات الشحن ورصد البيانات المتعلقة بصناعة النقل البحري، ذكرت فيه أن أسعار شحن الحاويات على المدى القصير بين آسيا وأوروبا والولايات المتحدة زادت بنسبة 173 بالمائة بفعل انخفاض الطاقة الاستيعابية، وذلك إثر التهديدات المستمرة لسفن الشحن في البحر الأحمر.
وأشار التقرير إلى أن السعر الفوري لشحن البضائع في حاوية 40 قدماً من آسيا إلى شمال أوروبا يبلغ بحدود 4 آلاف دولار، صعودا من متوسط 1900 دولار سابقا، بحسب الشركة.
•الانعكاسات على العراق
يرى الخبير الاقتصادي كريم الحلو أن الأحداث التي شهدتها المنطقة والتوترات في البحر الأحمر انعكست على العراق من جانبين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي.
قال علي الرشيد، الذي يعمل في مجال الشحن البحري، إن الهجمات التي تعرضت لها عدة سفن في البحر الأحمر دفعت إلى تغيير مسارات العديد من السفن
وقال الحلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الجانب الإيجابي يتمثل بارتفاع أسعار النفط والطاقة، والتي يعتمد العراق فيها على إيرادات النفط الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن هذه الظروف يجب أن تستثمر للعمل الجاد على إكمال طريق التنمية البري، الذي يربط العراق بتركيا ودول المنطقة، وهو ما يتيح الفرص التنموية للنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي.
وبيّن أن الانعكاس السلبي يتمثل في ارتفاع أجور الشحن البحري للبضائع القادمة إلى العراق من مصر وأوروبا وأميركا وتركيا، وبما أن العراق بلد مستهلك ويعتمد على صادرات بقية البلدان، فإن التأثير على مستويات الأسعار سيكون حاضراً.
وأضاف الحلو أن السوق العراقية شهدت ارتفاعاً نسبياً، متوقعاً أن تعود الأسعار إلى طبيعتها بعد انتهاء الأزمة ومرور السفن التجارية بانسيابية عبر منافذ البحر الأحمر.