بالتزامن مع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية أو المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، شهدت المنطقة الممتدة من خليج عدن إلى بحر العرب وحتى المحيط الهندي عمليات استهدفت السفن على الطريق التجاري البحري الدولي، ما يطرح عدة تساؤلات حول الجهة التي تقف وراء هذه العمليات.
فإذا كانت جماعة الحوثي في اليمن تبنت العديد من العمليات التي استهدفت سفنا إسرائيلية أو لها علاقة بتل أبيب، فإن عمليات مماثلة سواء في البحر الأحمر أو خليج عدن أو بحر العرب وحتى المحيط الهندي لم تتبنها أي جهة، رغم أن أصابع الاتهام إما وجهت إلى الحوثيين أو إلى إيران أو إلى قراصنة صوماليين في إقليم أرض البنط (بونتلاند).
•إريتريا على بوابة الصراع
من بين هذه العمليات، ما أعلنته هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، في 16 يناير/ كانون الثاني الجاري، عن اقتراب 4 قوارب مشبوهة من سفينة بمسافة 400 متر، لكنها ابتعدت بعد إطلاق حراس السفينة أعيرة تحذيرية في مياه البحر، ما دفع القوارب للمغادرة.
لم تذكر الهيئة البريطانية تبعية السفينة، ولا حتى العلم الذي ترفعه، ولا هوية المهاجمين، كما لم يتبن الهجوم أي طرف.
ولكن بالنظر إلى أن الهجوم وقع شمال ميناء عصب، الذي يقع جنوب شرقي إريتريا، قبالة ميناء المخا اليمني، الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي، فليس من المستبعد، أن تكون الأخيرة وراء العملية، التي لم تحقق هدفها.
فجنوب البحر الأحمر، تعتبر منطقة نشاط لجماعة الحوثي، ويستبعد أن يكون القراصنة الصوماليون وراءها، بالنظر إلى بُعد المسافة، واستعمال المهاجمين لقوارب وليس لسفن يمكنها الإبحار لمسافات طويلة واجتياز مضيق باب المندب الذي يعج بالسفن الحربية الأمريكية والدولية.
لكن المثير في الأمر، أن ميناء عصب الإريتري الذي وقعت الحادثة بالقرب منه توجد به قاعدة عسكرية إيرانية منذ 2009، والأغرب منه أن إسرائيل لها قاعدة عسكرية في أرخبيل الدهلك (شرق)، وقاعدة ثانية للتنصت في قمة "إمبا صويرة"، أعلى جبل في البلاد (جنوب شرق)، بالإضافة إلى تواجد عسكري في ميناء مصوع، شرق العاصمة أسمرة، وفقا للباحث اللبناني إبراهيم علوش.
وهذا التواجد لأكبر عدويين إقليميين في الشرق الأوسط بإريتريا في جنوبها (إيران) وشمالها (إسرائيل)، لم يخلوا من أحداث منفذها مجهول الهوية، على غرار استهداف قاعدتين إسرائيليتين بإريتريا في 26 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد 19 يوما من بداية الحرب على غزة، وقبل يوم واحد عن بداية الحرب البرية على القطاع.
لذلك فحادث سفينة "ميناء عصب" لا يمكن استبعاد علاقته بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومحاولة الحوثيين كسر الحصار على قطاع غزة، أو عن الصراع بين طهران وتل أبيب في جنوب البحر الأحمر.
وما سيؤكد هذه الفرضية، الكشف عن هوية السفينة وما إذا كان لها علاقة بإسرائيل أو بإيران.
•الصراع يمتد للمحيط الهندي
لم يعد استهداف السفن الإسرائيلية مقتصرا على البحر الأحمر، بل توسعت الحرب إلى المحيط الهندي، بعدما أعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، في 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استهداف طائرة مسيرة لسفينة حاويات مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، على بعد نحو 370 كلم جنوب غربي ميناء فيرافال الهندي.
وجهت واشنطن أصابع الاتهام مباشرة إلى إيران، رغم نفيها وقوفها وراء هذا الهجوم، ولم يتم الإشارة إلى الحوثيين، بالنظر إلى بُعد المسافة بينهم وبين شرق المحيط الهندي، رغم أنهم عادة ما يعلنون عن عملياتهم "الناجحة" في استهداف السفن "الإسرائيلية"، كما أنهم سبق لهم وان استهدفوا ميناء إيلات الإسرائيلي (جنوب) بمسيرات وصواريخ باليستية.
كما يمكن استبعاد القراصنة الصوماليين لعدم امتلاكهم مسيرات يمكنها أن تصل إلى شرق المحيط الهندي، حيث يعتمد تكتيكهم على استخدام زوارق سريعة وعدد قليل من الأفراد مسلحين بأسلحة خفيفة.
ولكن أهم رسالة وجهها المهاجمون للسفن الإسرائيلية، وفق متابعين، بأنها غير آمنة حتى ولو غيرت مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، بعيدا عن مضيق باب المندب وقناة السويس.
•عودة القراصنة الصوماليين
ورغم أن أغلب الهجمات التي تستهدف السفن على طريق التجارة البحري الرئيسي بين آسيا وأوروبا عبر البحر الأحمر يتم فيه توجيه أصابع الاتهام إلى الحوثيين بالدرجة الأولى والإيرانيين بالدرجة الثانية، إلا أن القراصنة الصوماليين عادوا إلى الواجهة بعد أن تراجع دورهم خلال السنوات الأربعة الأخيرة.
فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وقعت عدة حوادث لاستهداف سفن، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني، اختطف قراصنة يشتبه أنهم صوماليون سفينة صيد إيرانية في خليج عدن، وطالبو بفدية، ما ينفي علاقتهم بالحوثيين وطهران، أو بفرضية التعاطف مع سكان غزة.
وبعدها بيومين حاول مسلحون مجهولون على متن قوارب سريعة اختطاف ناقلة نفط (سنترال بارك) مملوكة لإسرائيليين، في خليج عدن، قبالة سواحل إقليم بونتلاند الصومالي، لكن البحرية الأمريكية طاردتهم واعتقلت 5 أفراد منهم.
وأشارت عدة تقارير أن المسلحين المجهولين ليسوا سوى قراصنة صوماليون، دون أن يتضح على الفور الغرض من استهداف ناقلة نفط "إسرائيلية"، بينما كان التركيز في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، منصبا على اخطاف سفن الصيد الإيرانية، على غرار اختطاف سفينتي صيد إيرانيتين في سبتمبر/ أيلول الماضي، أي قبل اندلاع الحرب على غزة.
كما تم تسجيل اختطاف سفينة تجارية تحمل علم مالطا في بحر العرب، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قرب جزيرة سوقطرة اليمنية، وفق القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي.
ورغم أن وزارة الدفاع الإسبانية وصفت الخاطفين بـ"المهاجمين المجهولين"، إلا أن تقارير إعلامية غربية صنفت الحادث بأنه "أول اختطاف لسفينة تجارية على يد قراصنة صوماليين منذ عام 2017".
وسواء كان الحوثيون أو إيران أو القراصنة الصوماليون وراء هذه الهجمات على سفن الصيد أو الشحن أو ناقلات النفط، فإن ذلك سيكون له تداعيات سلبية على أحد أهم طرق الملاحة العالمية، ومن شأن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة أن يفتح أكثر من جبهة للنزاع.