تحليل: الجهود الأميركية لحماية التجارة العالمية.. هل هي كافية؟
يمن فيوتشر - الحرة- ترجمات: الأحد, 07 يناير, 2024 - 05:43 مساءً
تحليل: الجهود الأميركية لحماية التجارة العالمية.. هل هي كافية؟

تستمر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة حول العالم، حيث تلوح آفاق أزمات أكان ذلك في البحر الأحمر أو أوكرانيا أو أميركا الجنوبية أو أقصى آسيا.
ولعل أحدث هذه التحديات تصعيد إيران ووكلائها باستهداف المصالح الأميركية والإسرائيلية، خاصة تلك التي تستهدف خطوط الشحن في البحر الأحمر حيث نفذ الحوثيون عشرات الهجمات بصواريخ وطائرات مسيرة على السفن التجارية، وحتى قاموا باختطاف سفينة شحن.
وأشار ماثيو كورينغ، خبير ومحلل من "أتلانتك كاونسل" في نقاش عرضته مجلة فورين بوليسي إلى أن "الشحن الدولي" يمثل أهمية قصوى للولايات المتحدة التي جعلت "من حرية الملاحة في أعالي البحار مصلحة أمنية ووطنية حيوية لعقود من الزمن لسبب وجيه".
وأضاف أن إيران تدرك هذا الأمر، وهي تريد استعراض قوتها في تهديد المصالح الأميركية والإسرائيلية، مستفيدة مما يحدث ضمن "إطار عدم الاستقرار الإقليمي".
وكثفت حركة الحوثي في اليمن المتحالفة مع إيران هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر احتجاجا على الحرب الإسرائيلية على غزة. ونتيجة لذلك أوقفت شركات شحن مختلفة عملياتها واستبدلت مساراتها عبر البحر الأحمر بطريق رأس الرجاء الصالح الأطول حول قارة أفريقيا.
وتعهد الحوثيون بمواصلة الهجمات حتى توقف إسرائيل الصراع في غزة، وهددوا بمهاجمة السفن الحربية الأميركية إذا تم استهدافهم.

"حماية الممرات"
إيما أشفورد، باحثة في مركز ستميسون تقول بدورها للمجلة إن "حماية الممرات جزء أساسي من الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم، وهو الدور الذي غالبا ما تلعبه القوة المهيمنة العالمية، وقد لعبه البريطانيون قبل تراجع دورهم في الخمسينيات".
واستطردت أن "الشيء الوحيد الذي تفعله الولايات المتحدة ولا غنى عنه هو المساعدة في تأمين الممرات البحرية العالمية ضد التهديدات، وهذا يحافظ على تدفق التجارة والطاقة حول العالم، ومن دون ذلك سيتباطأ الاقتصاد العالمي أو حتى يتوقف".
وترى أشفورد أن "البيت الأبيض رغم اهتمامه بالحرب بين إسرائيل وحماس، كان يمتنع عن التدخل بشكل غريب فيما يتعلق بمسألة الأمن البحري"، مشيرة إلى تواجد "مناوشات" محدودة بين البحرية الأميركية والحوثيين.
وقالت: "يبدو أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، متردد في التعامل مباشرة مع الحوثيين خشية التعجيل بالتصعيد لحرب أوسع".
وتعرب أشفورد عن تفاؤلها أن الولايات المتحدة ولا أحد يريد تصعيد حرب شاملة إقليمية في المنطقة، ولكنها ترى إجراءات الردع الأميركية غير كافية لردع الحوثيين عما يقومون به.
ويتفق كورينغ مع هذا الرأي مؤكدا أن الرد الأميركي كان "دفاعيا تماما في هذا المرحلة، فهم يقومون بإسقاط الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية، والرد بإطلاق نار على السفن الحوثين التي تحاول اختطاف السفن، لكن من دون ضرب الحوثيين بشكل مباشر.. وهذا لم يكن كافيا لوقف الهجمات بالوكالة" التي تتعرض لها السفن.
ويرى أن "عدم تواجد رد قوي من إدارة بايدن هو ببساطة دعوة لمزيد من العدوان، إذا أرادت أن توقف إيران ووكلاءها، تحتاج واشنطن أن تظهر لهم أنه ستكون هناك عواقب وخيمة لعدوانهم".
وتستدرك أشفورد هنا أن أي "ضربات انتقامية" على الحوثيين يجب أن "تقوض قدرتهم على الهجوم وردع الهجمات المستقبلية على الشحن، ومن مصلحة واشنطن أن تقوم بذلك بطريقة محدودة جدا".
وتقول إن "الدعم الأميركي لإسرائيل في غزة يقوض قدرتها على حماية الشحن" إذ تحاول بعض الدول الأوروبية بالنأي بنفسها عن المشاركة بشكل مباشر في التحالف الذي أنشأته واشنطن لحماية البحر الأحمر "لأنهم يختلفون مع الموقف الأميركي بشأن غزة ويشعرون بقلق بشأن التصعيد الأوسع"، وهذا ما يعني بكلمات أخرى أن "البيت الأبيض يكتشف أن الدعم غير المشروط لإسرائيل له تكاليف في علاقاته مع حلفائه".
وتضيف أشفورد أن "إسرائيل ربما تجاوزت مرحلة الدفاع عن النفس" إذ أنها تعرضت لهجوم "إرهابي" في السابع من أكتوبر من قبل حماس، ما أدى إلى مقتل 1200 مدنيا إسرائيليا، لكن الرد الإسرائيلي حتى الآن أسفر عن مقتل أكثر من 22 ألف فلسطيني أغلبهم من المدنيين، فيما يطرح مسؤولون إسرائيليون أفكارا للتوطين لا تخرج عن سياق أنها "تطهير عرقي بموجب القانون الدولي".

"الخيارات لضربات انتقامية"
وطرح كورينغ بعض الخيارات الانتقامية الأميركية التي يمكن لواشنطن أن تتخذها، مُذكِّرا بتحرك الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ريغان، عندما أغرق عددا من السفن البحرية الإيرانية ردا على تهديدا للشحن الدولي خلال الحرب الإيرانية العراقية، مما ساهم في وقف إطلاق النار بذلك الصراع، إضافة لما فعله الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عندما سمح بضربة استهدفت القيادي العسكري الإيراني، قاسم سليماني، كرسالة لطهران بأنها ستدفع ثمنا باهظا لقتل الأميركيين.
وأضاف أن الولايات المتحدة تحتاج إلى "ضربة انتقامية ضد إيران بالحجم ذاته لدفع إيران للتراجع".
وترى أشفورد أنه قبل أي تحرك يجب على واشنطن "سحب قواتها من العراق وسوريا، لحرمان وكلاء إيران" من استهدافهم بضربات انتقامية.

وحذرت أنه يجب التفكير بمثل هذه الخطوات بشكل معمق إذ يجب النظر لمخاطر التصعيد "بتوسيع نطاق الحرب في غزة إلى صراع إقليمي تجر فيه الولايات المتحدة إلى مستوى عال من التوتر"، داعية واشنطن إلى ضرورة النظر إلى "مصالح الولايات المتحدة وليس ما قد تريده إسرائيل أو إيران.. إذ ليس لواشنطن مصلحة في حرب إقليمية".
ويختلف كورينغ مع هذا الطرح مشيرا إلى أن "القوات الأميركية هي التي تصنع السلام وليس الحرب.. العرض القوي لقوة الولايات المتحدة سوف يفعل الأمر ذاته".

"خطوة ذكية حكيمة"
وردت أشفورد أن التحركات الأميركية التي ذكرت سابقا مثل استهداف ريغان للأسطول الإيراني، تسببت في أضرار لطهران، ولكن الصراع استمر حتى أسقطت الولايات المتحدة طائرة ركاب عن طريق الخطأ، وقرر الجانبان حينها أن الوقت قد حان لخفض التصعيد.
وأضاف أن اغتيال ترامب لسليماني تسبب في ضربات انتقامية إيرانية ضد القوات الأميركية، وهو ما يجعل قاعدة الاستهداف بضربات أو "اغتيال الزعماء ليست بالفكرة الأذكى".
وكررت أشفورد أنه يمكن استهداف "الحوثيين بضربات مُوجَّهة إلى جانب انسحابات من أماكن أخرى"، مؤكدة أن هذا لا "يعتبر ضعفا" لواشنطن إنما هي "خطوة ذكية حكيمة وتعكس المصالح المحدودة والحقيقية التي تمتلكها الولايات المتحدة في حماية النقل البحري".

تسببت الأعمال العدائية التي يشهدها البحر الأحمر بالآونة الأخيرة في صدمة للشركات العالمية التي تنقل البضائع الحيوية، لكنها ليست المشكلة الوحيدة التي تواجهها شركات النقل الكبرى مع بداية عام 2024، بحسب رويترز.
وتقول شركات عملاقة مثل ميرسك إن القطاع الذي يتعامل مع 90 بالمئة من حجم التجارة العالمية يواجه احتمال حدوث اضطرابات ضخمة لأسباب منها الحروب الحالية وحالات جفاف تؤثر على مسارات رئيسية مثل قناة بنما. ومن المرجح ألّا تسير جداول المواعيد المعقدة مثلما هو مخطط لها بالنسبة لسفن الشحن العملاقة وناقلات النفط وسفن نقل البضائع الأخرى خلال العام.
وسيزيد ذلك من حالات التأخير وسيرفع التكاليف على متاجر البيع بالتجزئة مثل وول مارت وأيكيا وأمازون، بالإضافة إلى مصنعي الأغذية مثل نستله ومتاجر البقالة مثل ليدل.
وانضمت ميرسك، الجمعة، إلى شركات النقل البحري الكبرى في تحويل مسارات سفنها بعيدا عن البحر الأحمر لتجنب هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة في المنطقة التي تؤدي إلى قناة السويس الحيوية. ويمر بالمسار أكثر من 10 بالمئة من إجمالي الشحنات البحرية ونحو ثلث تجارة الحاويات عالميا.
وعلى الرغم من أن الناقلات التي تحمل إمدادات النفط والوقود إلى أوروبا تواصل المرور عبر قناة السويس، تحول أغلب سفن الحاويات الناقلة للبضائع مسارها لتدور حول الطرف الجنوبي لأفريقيا إذ تهاجم جماعة الحوثي اليمنية السفن في البحر الأحمر لإظهار الدعم لحركة حماس التي تخوض قتالا مع إسرائيل في غزة.
وتزيد تكاليف الوقود على ملاك السفن إلى ما يصل إلى مليوني دولار لكل رحلة ذهابا وإيابا بعد تغيير المسار بعيدا عن قناة السويس، وقفز السعر الفوري للشحن من آسيا إلى أوروبا لأكثر من مثلي المتوسط في عام 2023 عند 3500 دولار لكل حاوية مقاس 40 قدما. وقد يعني ارتفاع التكاليف زيادة الأسعار على المستهلكين، إلا أن بنك غولدمان ساكس قال، الجمعة، إن صدمة التضخم قد لا تكون أسوأ من فوضى جائحة كوفيد-19 في الفترة من 2020 إلى 2022.


التعليقات