تقرير: حيث ترتفع الحرارة بالتضور جوعا
يمن فيوتشر - Stars and Stripes- ترجمة ناهد عبدالعليم: الإثنين, 16 أكتوبر, 2023 - 12:39 صباحاً
تقرير: حيث ترتفع الحرارة بالتضور جوعا

لا يوجد على الإطلاق ما يكفي من أسِرَّة المُستشفيات لجميع الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في هذه المحافظة الفقيرة والجافة. لكن هذا الصيف، اضطرت تلك المستشفيات إبعاد أعدادٌ أكبر من المعتاد من العائلات عن العنابر المُنهارة.
في مستشفى مدينة الحديدة بعد ظُهر أحد الأيام، كان الأطفال الرُضّع مُكتظين بطفلين أو ثلاثة على سرير واحد. جلست أمهاتهم وإخوتهم في الفجوات بينهما. وقال طبيب إن 24 طفلاً آخرين كانوا ينتظرون مكاناً شاغرا.
 وعلى بُعد اثني عشر ميلاً، كانت هناك عيادة ريفية تضم 13 سريراً غير مريح، والأطفال عليها صامتون، وهي علامة مُنبهة على أن أجسادهم تتلاشى. 
وينتشر سوء التغذية على نطاق واسع في اليمن. لكن (منى مكي) -الممرضة هناك- قالت إن المزيج الخانق من درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة “أدى إلى زيادة عدد الحالات بشكلٍ كبير”
وأضافت أن الأطفال الذين تحولوا إلى "جلد وعظم" واحتضنتهم أمهاتهم على أسِرة العيادة القليلة، كانوا يعانون من ضُعفٍ في جهاز المناعة. و قالت أيضاً : "التعرض للحرارة، يجعل الحالات أسوأ".
 تُظهر الحديدة كيف يتقارب تغير المناخ والجوع بطرقٍ مُدمِرة.  ويقول الأطباء هنا إن الحرارة الشديدة تُهدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والذين يعانون من أجسامٍ مُدمَرة وضعف في أجهزة المناعة. وتتوافق تجربتهم مع الأبحاث الناشئة حول العلاقة المباشرة بين درجات الحرارة المرتفعة وتفاقم سوء التغذية في بعض أفقر بلدان العالم.  و تُثير النتائج القلق بالنسبة لهذا الجزء من اليمن، الذي دمرته بالفعل الحرب والفقر المنتشر والصيف الخانق
 و وفقاً لتوقعات صحيفة واشنطن بوست و CarbonPlan  فإنه بحلول عام 2030، سيكون لدى المدينة 152 يوماً سنوياً، أي ما يقرب من خمسة أشهر كاملة، عندما تكون الظروف خطيرة للغاية لدرجة أن قضاء فترة قصيرة من الوقت في الخارج - حتى في الظل - يمكن أن يهدد صحة الشخص.
 ويُظهر التحليل أن الحديدة ستكون الأكثر تضرراً من الحرارة الشديدة مقارنة بأي مدينة عالمية يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة أو أكثر.
 وتستند هذه التوقعات إلى "درجة حرارة الكرة الأرضية الرطبة"، وهو مقياس يجمع بين درجة الحرارة والرطوبة وأشعة الشمس والرياح، وهو ما يعتبره الخبراء أفضل طريقة لتقييم مدى ضرر الحرارة لجسم الإنسان.
و في جميع أنحاء اليمن، قد يتعرض أكثر من 6.5 مليون شخص لشهر على الأقل من الحرارة الخطيرة بحلول نهاية العقد، أي ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص الذين تعرضوا لها في عام 2000.
ويفتقر مواطنو اليمن بالفعل إلى الحماية بكل الطرق التي يمكن تصورها: من العنف المتقلب، ومن القادة الضعفاء، ومن الجوع والعوز.  
و في مكان حيث يركز الكثيرون على البقاء على المدى القصير، لا يتم إيلاء سوى قدر ضئيل من الاهتمام الرسمي لتأثير تغير المناخ، حتى مع حدوث حالات الجفاف والفيضانات وغيرها من الأحداث المناخية المتطرفة بشكلٍ متكرر.
 لكن في الحديدة، وهي إحدى المحافظات الأكثر سخونة وفقراً في اليمن، أصبح من المُستحيل تجاهل التهديد الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة خلال فصول الصيف القليلة الماضية.
إنها تضاعف التجارب اليومية التي لا نهاية لها. لذا يعمل الصيادون المكافحون، الذين يكدحون في درجات حرارةٍ تصل إلى 135 درجة أو أعلى، لساعات أقصر في البحر الأحمر لتجنب الجفاف وحروق الشمس، ويكتفون بصيد الأسماك الخفيفة.
و أصحاب المتاجر وبائعي الحلي الذين يحصلون على 6 دولارات في اليوم هم من بين القلائل الذين يتواجدون في الشوارع من الساعة 9 صباحًا حتى 3 مساءً، عندما تجعل الحرارة الحارقة الحديدة تبدو وكأنها مدينة أشباح.
و ترتفع درجات الحرارة في جميع أنحاء المنطقة، لكن الأجزاء الأكثر تضرراً في اليمن ستكون أسوأ بكثير من الدول المجاورة في الخليج العربي، مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر. و لقد قامت هذه الدول الغنية ببناء مدن متلألئة بمكاسب غير متوقعة من صادرات النفط والغاز، وهي مصممة لضمان أن سكانها الأكثر حظاً بالكاد يلاحظون الحرارة،لذا فإن أجهزة تكييف الهواء تعمل على تبريد المكاتب ومراكز التسوق، وحتى الملاعب وأرصفة مترو الأنفاق.
و قالت (آنا ليتيسيا نيري) التي عملت لعدة سنوات كمنسقة طبية لمنظمة أطباء بلا حدود في اليمن، في العيادات التي تعالج جرحى الحرب وكذلك الأمهات وأطفالهن الذين يعانون من سوء التغذية، : "لا يتعلق الأمر فقط بمؤشرات الحرارة، أو درجاتها ولكن أيضاً يجب أن نعلم ما هي المرونة الأساسية لهذه الحالات؟ لكن في حالة اليمن، الأمر محدودٌ للغاية."
و أضافت أنه في جميع أنحاء اليمن، "تم استئصال الدولة"
وقال الأطباء في الحديدة -وهي المحافظة التي تعاني من أعلى معدلات سوء التغذية في البلاد- إن الحرارة أصبحت عاملاً رئيسياً في سلسلة معقدة من معاناة تبدأ باليأس
 وقال (عبد الرحمن القدسي)، رئيس قسم الأطفال في مستشفى مدينة الحديدة: “الناس هنا فقراء، بشكلٍ أبعد مما  تتخيل."

 

•ندوب الحرب
 وكانت اليمن تعاني بالفعل، حتى قبل اندلاع حربٍ أهلية دامت ما يقرب من عقد من الزمان. وفي عام 2014، اقتحمت حركة مُتمردة شمالية تعرف باسم (الحوثيين) العاصمة صنعاء وأطاحت بالحكومة. و اتسع نطاق الصراع في أوائل عام 2015، عندما تدخل تحالف من الدول العربية بقيادة السعودية، وشنَّ غاراتٍ جوية وفرض حصاراً بحرياً وجوياً وبرياً على اليمن. وكانت الحملة العسكرية، التي حَظيت بدعمٍ من الولايات المُتحدة، تهدف إلى إضعاف الحوثيين المتحالفين مع إيران.  لكن التدخل وتصاعد العنف في جميع أنحاء اليمن أدى إلى تفاقم معاناة الناس.
وقالت الأُمم المتحدة إن مئات الآلاف من الأشخاص قتلوا، كثيرون منهم بسبب آثار غير مباشرة للحرب مثل الجوع. كما تم تهجير الملايين. وسارعت وكالات الإغاثة لدرء المجاعة وسط نقص الغذاء والوقود. و أمراض عدة مثل الكوليرا التي تم القضاء عليها تقريباً وعادت إلى الظهور من جديد.
وخلال العام الماضي، خفّت حِدة القتال في أجزاءٍ كثيرة من البلاد، واستؤنفت واردات الإمدادات الحيوية. لكن دولة اليمن المنقسمة بين الحكومات المتنافسة والمتناحرة في الشمال والجنوب تركت البلاد في حالة من النسيان، في محاولة يائسة لإنهاء المرحلة الأخيرة من الصراع والخوف من اندلاع المرحلة التالية.
لذا فإن المدن تنتظر إعادة بنائها، والنظام الصحي في حالة خراب، ولا يتم دفع أجور القطاع العام.
 وقالت (ندوى الدوسري) -خبيرة الشؤون اليمنية في معهد الشرق الأوسط- "إن المأزق الذي تعيشه اليمن يجعل معظم محاولات السفر مستحيلة، مع إغلاق الطرق حول المدن الكبرى مثل تعز وعدم وجود رحلاتٍ جوية بين المحافظات التي تربط البلد المقسم.  كما كان العُمال من الطبقة المتوسطة مثل المعلمين والمهنيين الصحيين يُدفعون إلى الفقر. و البعض لا يرسلون أطفالهم إلى المدرسة لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليفها."
  وقالت: "لا يستطيع الآخرون شراء الطعام بالكامل. و أنه في صنعاء، العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون، ينزل المزيد والمزيد من الناس إلى الشوارع للتسول للحصول على الطعام، وهم أشخاص كانوا في السابق قادرين على تحمل تكاليف الأساسيات".
  و فقاً لمجموعة من المنظمات غير الحكومية اليمنية والدولية، فقد انتشرت المعاناة على نطاقٍ واسع في الجنوب، في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.  حيث أن هناك نصف الأسر غير قادرة على تلبية متطلبات التغذية الأساسية بسبب ارتفاع تكلفة الغذاء.
 و بموجب برنامج الأغذية العالمي فإن مايقارب 17 مليون شخص -أي أكثر من نصف السكان- يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى المساعدة. و في أغسطس/آب، قالت الوكالة إن نقص التمويل يعني أنها ستضطر إلى إجراء تقليص بما يتعلق بالمساعدات الانسانية، بما في ذلك برامج سوء التغذية لنحو مليوني شخص، "في وقت يعاني فيه المزيد من الناس من سوء التغذية الحاد".
وقال نائب المدير التنفيذي للمنظمة (كارل سكاو) للصحفيين في أواخر يوليو/تموز، إن ما يقارب نصف عمليات الوكالة التابعة للأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم عانت من التخفيض، وسط تقلص المساعدات من المانحين الدوليين.
 وقال (ريتشارد راجان) ممثل الوكالة في اليمن: "الآن ليس الوقت المناسب للتوقف عن العمل في اليمن". و إن الأنظمة اللازمة لتعويض المُساعدات المفقودة، والتي تتطلب حكومة فاعلة، لم يتم وضعها بعد".
 وقال إن عُمال الإغاثة كانوا يقومون بعملية الفرز. و اتضح أن "المزيد من الناس يحتاجون إلى الطعام الذي لا يتمكنون من الحصول عليه."

 

•'الأطفالُ يموتون'
 وتقول جماعات الإغاثة أن نِصف المرافق الطبية في اليمن فقط تعمل بكامل طاقتها. و العديد من تلك المستشفيات التي تشبه مستشفى الثورة في الحديدة، بعد ظُهر الأيام الأيام الأخيرة، كانت عنابرها وممراتها مُكتظة، والأرصفة في الخارج مليئة بالأشخاص الذين يحاولون الدخول.
وقال الأطباء والممرضات في جناحين للأطفال زارهما مراسلو (صحيفة واشنطن بوست) -في مستشفى الثورة، وعيادة سوء التغذية في مستشفى كمران الخيري، خارج المدينة- إن حرارة الصيف زادت من عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بنسبة 10% أو أكثر.
 واحتضنت الأمهات الثكالى والجياع أطفالهن، وكان بعضهم على حافة الموت.  وقالت إحدى الأمهات في عيادة كمران إنها بلا مأوى وأُجبِرت على التسول للحصول على المال في السوق المحلية. الذي لم يكن كافياً أبداً لإطعام أطفالها. ولم يتمكن آخرون من تحمل تكاليف حليب الأطفال وكانوا يقدمون لأطفالهم الشاي أو حليب الماعز.
 وقالت الممرضة (مكي) إن الأمهات يُحضِرن أطفالهن إلى العيادة عندما يصابون بالحمى أو بالإسهال أو فقدان الشهية. و "العديد من الحالات تعود إلى منازلها لأنه لا يوجد مكان أو غرف لها."
و كان العاملون الطبيون في الحديدة يحاولون فهم سبب وصول المزيد من الأطفال الذين يُعانون من سوء التغذية إلى المستشفى خلال فصل الصيف.  وبالنسبة للأطفال الذين يملأون أجنحة الأطفال، والذين فقد الكثير منهم بالفعل الماء بسبب الإسهال -وهو سبب ونتيجة لسوء التغذية- يمكن أن تكون الحرارة خطيرة بشكلٍ خاص لأنها تجعلهم أكثر جفافاً.
 ويقول الخُبراء أيضاً أن الأطفال في البُلدان مُنخفضة الدخل يمكن أن يُعانون من تأثيراتٍ غير مباشرة لدرجات الحرارة المرتفعة، مثل فشل المحاصيل التي تؤثر على وجباتهم الغذائية، أو تأثيرات مباشرة، مثل الإنهاك الحراري أو ضربة الشمس. و وفقاً لدراسةٍ حديثة تربط بين درجات الحرارة المرتفعة وتفاقم سوء التغذية، فإن الحرارة الشديدة يمكن أن تزيد أيضاً من خطر الإصابة بالأمراض المعدية "لأن الميكروبات تميل إلى الازدهار في البيئات الدافئة".
 ووجدت الدراسة، التي نُشرت العام الماضي في مجلة الاقتصاد والإدارة البيئية، أن الحرارة الشديدة أدت إلى تفاقم سوء التغذية المزمن والشديد في العديد من دول غرب أفريقيا.  وأظهرت أنه مقابل كل 100 ساعة من التعرض لدرجة حرارة أعلى من 95 درجة ، ارتفع معدل التقزم بين الأطفال بنسبة 5.9 في المائة. و أربعة عشر يوماً من درجات الحرارة بين 86 و95 درجة على مدى 90 يوما أدت إلى زيادة بنسبة 2.2 في المائة في معدل "الهزال" ، تآكل العضلات والأنسجة الدهنية المرتبط بسوء التغذية الحاد الشديد لدى الأطفال.
وقال (جون هودينوت) -الأستاذ في جامعة كورنيل وأحد مؤلفي الدراسة- في مقابلة: "الجزء الذي نحن متأكدون منه هو أن هناك علاقة سببية بين الارتفاعات الشديدة في درجات الحرارة والنتائج الغذائية الضارة".  وأضاف أن الآليات الدقيقة التي تلعب دوراً لا زالت أقل وضوحاً.
 وقال (نيري) -الذي عمل مع منظمة أطباء بلا حدود في اليمن- إنه بسبب ضُعف أجهزة المناعة لدى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في كثيرٍ من الأحيان، "فإنهم يُصابون بالعدوى في أوقاتٍ كثيرة وتكون لديهم التهابات أكثر خطورة".
 كما يمكن أن تلعب درجات الحرارة المرتفعة "دوراً ضاراً" بالنسبة للأطفال الذين يعانون من اضطرابات الكهارل: فهم معرضون للإسهال، الذي يمكن أن يُسبب الجفاف، وغير قادرين على تناول الماء بسهولة، وهو ما يشكل خطراً على قلوبهم الضعيفة.
 وقال (نيري): "في الصيف، ليس لديهم الكثير من شبكات الأمان. و من الصعب جداً علاج هؤلاء الأطفال."
 وفي مستشفى مدينة الحديدة، يحاول (القدسي) وغيره من الأطباء اليمنيين معرفة مدى تأثير الحرارة على مرضاهم.
 وقال إن الحرارة "مصدر للعدوى. و إن الجناح كان "مليئاً" بالأطفال الذين يعانون من العدوى، رافعاً صوته فوق الفوضى المحيطة به."
 ولكن كان من الصعب التأكد من الفيروسات التي كانت تنتشر دون اختباراتً متقدمة، باستخدام معدات لم تكن متوفرة لدى المستشفى.
وأضافَ أنه بالنسبة لبعض الأطفال الذين استقبلهم المستشفى، فإن الوقت قد فات بالفعل.
 وفي مكانٍ قريب، كان الرضيع (علي حسن) -البالغِ من العُمر 10 أشهر- هزيلًا تحت بذلته الرياضية الصغيرة، ويتلوى في صمت.  وقال جده (عبد الله عوض منصور الحكيمي) إن علي لا يتمكن من الأكل.
 وقال الأطباء إن الرضيع يعاني من شللٍ دماغي، مما يجعل من الصعب عليه تناول الطعام. و إنه كان يتقيأ ويعاني من الحمى والإسهال.
 وقال الجد إن والد الصبي عاطل عن العمل. وقالت والدته إنها كانت تواجه صعوبة في إرضاعه ولا تستطيع شراء حليب الأطفال.  وتخشى عائلته أن تؤدي الحرارة إلى تفاقم الأمور
و أضاف الجد : "لا توجد كهرباء، و ليس لدينا بطاريات، و لا توجد ألواح شمسية”.
وأضاف: "أنا فقط أنتظر مشيئة الله، سأنتظر حتى يموت."

 وقالت (فريما كوليبالي زيربو) -مسؤولة التغذية في منظمة الصحة العالمية في اليمن- إن الوكالة لم تثبت بعد "علاقة سببية" بين تغيُّر المناخ ونقص التغذية، لكنها لا تتجاهل وجود صلةٍ مُحتملة.
 وقالت إن وكالات الأُمم المُتحدة في اليمن بذلت "جُهوداً كبيرة لإنقاذ حياة هؤلاء الأطفال. و أن هناك حاجة ماسة إلى النظر في التهديدات التي يمكن أن يشكلها تغير المناخ لتعريض كل هذه الجهود للخطر."
 وأضافت: "الأطفال يموتون، ومن الضروري ألا يحدث هذا."


•"كل عامٍ يُصبِحُ أكثر سُخونة"
 يُقدم الطريق المؤدي إلى مدينة الحديدة لمحة عن حالةِ اليمن المُتدهورة. حيث تهب العواصف التُرابية عبر الأراضي الزراعية التي تغزوها موجاتٍ من رمال الصحراء. و أبقارٍ ميتة ملقاة على جانب الطريق، على بعد أميال قليلة من حي دمّرهُ القتال أثناء الصراع. و يحذر مسؤولو المدينة من أن المنطقة خالية من السكان لكنها لا تزال مليئة بالذخائر غير المنفجرة.

و في الليل، على أحد الشوارع الرئيسية في الحديدة، طريق صنعاء، تُنير الأضواء الساطعة المطاعم ومحلات السوبر ماركت ومتاجر الهواتف المحمولة، وهي علامات على أن المدينة تحاول العودة إلى وضعها الطبيعي، على الرغم من أن العديد من المباني لا تزال مظلمة. و الكهرباء متوفرة فقط لبضع ساعاتٍ في اليوم.
 و عند الفجر، ينام السائقون الذين ينقلون الركاب من الحديدة إلى صنعاء، في رحلةٍ تستغرق خمس ساعات بالسيارة على طريقٍ جبلي مُتعرج، فوق سياراتهم من طراز تويوتا، حيث توضع الأمتعة عادة، وهو المكان الوحيد الذي يمكن أن يهب فيه النسيم.

 وبحلول الساعة السادسة صباحاً في سوق السمك بالحديدة، كان العُمال والمشترون غارقين في العرق. 
(محمد أحمد، 60 عاماً) يعمل في تقطيع السمك منذ عقود، قال: "إن العمل أصبح مرهقًا بشكل متزايد. و هذا العام أكثر سخونة من العام الماضي.  ومن المتعب البقاء حتى الساعة 12."
و لم تكن الحرارة فقط، بل كان هُناك أموالٌ قليلة، مما يعني عددٌ أقل من العُملاء. 
وقد واجه الصيادون صعوبة في دفع النفقات، بما في ذلك وقود الديزل. كما دفعت رياح الصيف الأسماك بعيداً عن الشاطئ. وتم تصدير المزيد والمزيد من الأسماك لأن قلة من الناس في الحديدة يستطيعون تحمل تكاليفها
 وأضاف: "كان العمل أفضل في الماضي".
 واشتكى الصيادون من أن البطالة في المدينة تدفع المزيد من الناس إلى كسب لقمة العيش على البحر الأحمر. والآن يوجد عددٌ كبير جداً من القوارب والشِباك لعدد متضائل من الأسماك. و قد جعلت الحرارة كل التحديات الجديدة أسوأ.
 وقال (إلياس عبده صالح 35 عاماً) الذي كان يجلس على متن قارب بعد عودتهِ للتو من البحر: "الأمر متعب الآن أكثر من المعتاد. ففي الماضي كنت أبقى بالخارج لمدة ثلاثة أيام. والآن سأبقى يومين.
 وقال (طالب مهيم) وهو صياد يبلغ من العمر 70 عاماً: "كل عام يصبح أكثر سخونة. و نشعر أن الحرارة تتضاعف." 
وقال أن ابنه الأكبر قُتل قبل بضع سنوات عندما ضربت غارة جوية قاربهم.  وأضاف أن جلده احترق تحت قميصه الخردلي ذو الأزرار.

و قال: "لا أستطيع أخذ فترات راحة. أحتاج إلى العمل."

و لقد سعى الحوثيون إلى إلقاء اللوم في الكوارث العديدة التي يشهدها اليمن على خصومهم على التحالف العسكري الذي تقوده السعودية وشركاؤهم في الحكومة اليمنية.
 وقال الصيادون إن بعض هذا اللوم كان في محله، مشيرين إلى سنوات من هجمات التحالف على صناعتهم.
 ولكن مع تراجع الحرب، استهدفت موجة من الغضب السُلطات التي يقودها الحوثيون، الذين يسيطرون على جميع مقاليد الحُكم في شمال اليمن.
 ولجأ الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي خلال الصيفين الماضيين للشكوى من نقص الكهرباء في الحديدة، وألقوا باللوم على الفساد، ونشروا صور الأطفال الذين يعانون في المناطق الريفية، تحت هاشتاغات تتضمن "#الحديدة_تموت".
 وقال (أحمد البشري) -نائب محافظ الحديدة- في مقابلة أجريت معه في مكتبه: “هناك الكثير من المعاناة بسبب الحرارة. ففي كل عامٍ ترتفع الحرارة. وهذا يؤثر على الفُقراءِ والبُسطاء”.
و قد بذلت المدينة جهوداً هذا الصيف لتوفير بعض الراحة، مثل تغيير ساعات الدراسة في وقت مبكر من الصباح، على سبيل المثال. 
 وأعلنت سلطات الحوثيين في سبتمبر/أيلول عن افتتاح مزرعة للطاقة الشمسية قالت إنها ستوفر الكهرباء لأكثر من 7000 منزل في الحديدة.

وقال (البشيري) إن مكتبه كان يحاول توفير الخدمات الأساسية لكنه كان تحت رحمة قوى خارجية قوية، ليس فقط خصوم الحوثيين العسكريين، ولكن أيضاً الدول الصناعية الغربية. ودعاهم بـ"الملوثين". 
و قال " نحن الذين نعاني".
أما خارج المدينة، كانت (خولة محمد يحيى 20 عاماً) غير محمية بكل الطرق، وتعيش مع زوجها وأطفالها الثلاثة الصغار في كوخٍ غير مُكتمل من الخرسانة والقش. و كان المطبخ عبارة عن قطعة من التراب بالخارج حيث أشعلوا النيران للطهي. و لم يكن هذا منزلهم حقاً، بل المكان الذي سُمح لهم بالاستقرار فيه بعد نزوحهم بسبب الحرب.
 وكان زوجها يعمل مربي نحل حتى قتلت المبيدات الحشرية نحله. و كان لديه عمل عرضي الآن كساعي دراجة نارية.
 وكانت إحدى أطفالهما، (شيماء) البالغة من العمر 3 سنوات، تعاني من سوء التغذية الحاد، وتتطلب معظم اهتمام الزوجين. و لقد أخذوها إلى عيادةٍ قريبة قبل عام، ومرة ​​أخرى في يونيو/حزيران. و في مثل هذا اليوم كان أطباء مستشفى كمران الخيري يقومون بزيارةٍ منزلية.
 و جلست (شيماء) بصمت على سرير نهاري أخضر. وقال (يحيى) إنها كانت تعاني من الحمى وتصاب بالإسهال عدة مرات في اليوم.
 وقالت (خولة) أن طفليها الآخرين أُصيبا بطفحٍ حراري، وهي تُمسك بطفلها (محمد) البالغ من العمر 8 أشهر، والذي كان شعرهُ مُبللاً من العرق، و بعلبة حليب الأطفال التي أعطاها إياها الأطباء.
و قالت: "ليس هناك كهرباء، ولا مراوح. و لا أي شيء يقف بين عائلتها والحرارة."


التعليقات