منذ عقود طويلة، تصطدم الأقليات الدينية والعرقية في اليمن بواقع قمعي، ففي السنوات التسع الأخيرة ساهمت الحرب بين الفرقاء اليمنيين بتأجيج العنصرية، الأمر الذي فاقم لغة الخطاب غير المتزن ضد الأقليات، وأفراد الطائفة البهائية تحديدًا، فضلًا عن القيود والانتهاكات التي يواجهها البهائيون في موقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك" ومنصة "إكس" تويتر سابقًا.
لم يجد أفراد هذه الطائفة من اليمنيين، مساحة كافية تسمح لهم بالمشاركة في شؤون البلد، إلى جانب تهميشهم الواضح، ومنعهم من الانخراط في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بمواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتعرض البهائيون في مواقع التواصل للتهكم والسخرية، وكذلك التوعد والتهديد، نظرًا لاختلاف القناعات الدينية.
وهذا ما بدى واضحًا على منصة "إكس" إذ رصدنا تغريدات تضمنت كلمات تصف البهائية بـ"الماسونية" في صورة تعكس حجم التحريض ضد هذه الأقلية.
يتشابه مصير البهائيين، مع بقية الأقليات في اليمن، خاصة مع اختلاف حدة الخطاب الموجه من مجموعة لأخرى، ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعي مع غياب القوانين الخاصة بتنظيم النشر في اليمن، تعد مساحة آمنة لتبادل الآراء والقناعات بين الأفراد إلا أن هناك انتهاكات وتهديدات تطال الأفراد الذين يمثلون الأقليات الدينية، وكثيرة هي القصص التي تثبت ذلك.
•التطرف والتمييز
يقول، وليد صالح، الأمين العام للمجلس الوطني للأقليات في اليمن، إن "هناك الكثير من المضايقات في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل فردي وشخصي، وغالبًا ما يكون هؤلاء الأشخاص منتمين إلى جماعات متطرفة، وراديكالية مثل جماعة "أنصار الله" الحوثيين، وجماعات متطرفة أخرى مثل القاعدة" أنصار الشرعية" وداعش".
ويضيف: "ثمة تصرفات فردية، على سبيل المثال، يحاول شخص مجهول مضايقتك في موقع التواصل فيسبوك، وقد يصل به الحد إلى ارسال تهديدات بصورة مستمرة، وترك تعليقات مسيئة لشخصك، وللرأي العام أيضًا".
ويوضح قائلًا بأسى: "خلال الفترة الماضية، كنت أستمع للعديد من القضايا الحوارية على منصة إكس، لكنني لاحظت أمرًا مخيفًا يتعلق بشأن النظرة المجتمعية تجاه البهائيين. تصور، عندما يعرف بعض المتعصبين أن المتحدث بهائي، يحاولون استفزازه، والبدء بمسألة التكفير أكثر قضية تثار في مواقع التواصل الاجتماعي هي "الردة" والإشارة إلى أن حكم الردة هو القتل".
ويُنظر إلى البهائيين في اليمن، على أنهم أقلية غير شرعية، ولا يتمتعون بالحماية القانونية، أو الدعم الحكومي؛ وهذا ما قد يعرضهم للاضطهاد الرسمي من قبل أطراف الصراع، حيث يُمنع البهائيون من ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بهم، وبناء مراكز طائفية، أو مدارس بهائية.
وتفيد المعلومات بأن التمييز يجري في مجالات كثيرة، بينها التعليم والعمل، فلا يُسمح لأبناء هذه الفئة بالانضمام إلى المنظمات الحكومية أو العسكرية، ويواجهون صعوبات في الحصول على فرص عمل قائمة على المهارات والكفاءات الفردية.
•تحذيرات أممية
في أواخر يونيو 2023، حذر خبراء لدى الأمم المتحدة من أنماط الانتهاكات التي تشكّل اضطهادًا مستهدفًا للأقليات الدينية، في المناطق اليمنية التي تسيطر عليها حركة أنصار الله "الحوثيين".
وبحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فإن الانتهاكات ضد الأقليات الدينية والعقائدية، يغذّي خطاب الكراهية الذي قد يرقى إلى حد التحريض على الكراهية، والعداء والتمييز على أساس الدين والمعتقد.
في السياق ذاته، أشارت باني دوجال، الممثلة الرئيسية للطائفة البهائية الدولية لدى الأمم المتحدة، إلى أنه في 2 يونيو 2023، شن المفتي العام الحوثي، في صنعاء خلال خطبة الجمعة، هجومًا كلاميًا عنيفًا على البهائيين في اليمن؛ متهمة إياهم بالسعي إلى إلحاق الضرر بالبلاد، كما دعا المجتمع وجماعته إلى الاتحاد ضد المعتقدات التي يؤيدها البهائيون.
وأكدت أن خطاب الكراهية والتحريض، لا يهدف إلى العداء والتمييز ضد الأقليات الدينية فحسب، بل إلى دق إسفين في المجتمع، وهو أمر مقلق للغاية وتهدد هذه التعابير حياة البهائيين وسلامتهم، وكذلك حياة سائر الأقليات الدينية والعقائدية المتواجدة في البلد".
من جهته، تحدث نعمان الحذيفي، رئيس المجلس الوطني للأقليات في اليمن، عن المخاطر التي تشكلها مواقع التواصل الاجتماعي على الأقليات، والتي "تتمثل في تنمية ظاهرة الكراهية والتطرف والعنصرية، ولكن هي أصوات نشاز دائمًا".
وأضاف أن هناك تعاطف من كثير من رواد التواصل الاجتماعي مع قضايا الأقليات وخاصة عند الحديث عن قضايا المهمشين مع وجود قلة متنمرين.
كما يأمل الحذيفي أن تنجح المساعي الأممية بخلق توجه مجتمعي يرسخ دولة العدالة والمواطنة والمساواة لأننا في هذه الفترة فترة الحرب في اليمن عشنا مخاطر التمييز على أساس الدين والطائفة والمذهب.
ويعتقد أن الصوت الوطني أصبح مرتفعا نحو دولة المواطنة والعدالة والمساواة بالنسبة لكل أبناء اليمن، مشيرًا إلى أن بعض الأصوات قد تكون تكتب تحت ستار سياسي، أو ستار ديني معين، لكن لا وجود لخطر حقيقي على البهائيين ولا على البهائيين من وسائل التواصل الاجتماعي، حد اعتقاده.
•غياب الرصد
وعن رصد الانتهاكات التي يتعرض لها البهائيون اليمنيون، في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، يؤكد توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، "المنظمة لم ترصد تقييد الحسابات، ولم تصلنا. هناك تنمر على وسائل التواصل الاجتماعي، يتضمن التحريض على هذه الطائفة، ويغذي الكراهية، باعتبارهم كفار، من قبل عدد من الأطراف وفي مقدمتهم الحوثي، وأطراف في الشرعية -لم يسمها".
يستطرد الحميدي: "تتمثل المخاطر في تشويه الصورة الحقيقية للأقليات، من خلال للتنمر والعنف الرقمي، بسبب آرائهم وهويتهم مثل تبني أنباء كاذبة، ونشر أخبار زائفة، بهدف التضليل والتشويه، إلى جانب استخدام الفتاوي الدينية خاصة المتعلقة بأحكام الردة، لتحقيق مصالح سياسية، قد تصل إلى التهديدات المباشرة".
وأشار الحقوقي توفيق إلى أن الأقليات لديها مساحة؛ لكن حجم التنمر والتهديدات تجبر الكثير منهم على عدم النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن سياستها في الغالب تقتصر على التعريف بنفسها، ولفت الأنظار إلى بعض القضايا الخاصة بها، دون الدخول في قضايا عامة في ظل الوضع الحالي.
هكذا يواجه أفراد الطائفة البهائية في اليمن، قيودًا بسبب اعتقاداتهم وانتمائهم الديني، مثل الحظر والحجب والتضييق القانوني والتعرض للتهديدات والتنمر، وبقدر ما تشكل فيه المساحات بالعالم الافتراضي، فإن هناك مساحة أخرى، تتيحها أمام الأقليات، وروادها للحديث عن قناعاتهم، كما تسمح لهم بمشاركة آرائهم في القضايا العامة والمشتركة التي تعيشها البلاد.
أنتجت هذه المادة ضمن مشروع "تقاطعات" الذي تنفذه مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي بدعم من مركز الحوار العالمي (كايسيد).