وصف منسق الأمم المتحدة في اليمن اكتمال عملية نقل النفط من الناقلة المتهالكة صافر إلى سفينة بديلة بأنه خطوة مهمة ستبني زخما وتولد أملا بإمكانية تسريع جهود السلام في اليمن.
وقال ديفيد غريسلي إن ارتياحا كبيرا قد عمّ أوساط جميع اليمنيين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم.
وظل المنسق الأممي يقود الجهود الأممية المتعلقة بالناقلة صافر منذ عام 2021.
وقد أجرت أخبار الأمم المتحدة حوارا مطولا معه عقب الإعلان عن اكتمال عملية نقل النفط من الناقلة صافر إلى الناقلة البديلة "اليمن".
كما تحدث السيد غريسلي عن عملية الإفراج عن الموظفين الأمميين في اليمن.
-بدأنا الحوار مع السيد غريسلي بسؤاله عن تفاصيل هذه العملية الأممية فقال:
كنا نواجه مشكلة تمثلت في أن لدينا ناقلة عملاقة متهالكة تحتوي على أكثر من مليون برميل من النفط، وكانت مهددة بالانفجار في أي لحظة، مما كان ينذر بحدوث انسكاب كارثي للنفط في البحر الأحمر.
لم نكن نعرف الكثير عن الناقلة لأنه كان يصعب الوصول إليها بسبب الحرب الأهلية في اليمن. لذا لم يكن من السهل إقناع جميع الأطراف بالموافقة على كيفية إدارة الوصول إليها. ومن الناحية الفنية كنا بحاجة إلى أن ننجز هذا الأمر بشكل جيد للغاية حتى لا نتسبب في حدوث انسكاب نفطي. لذلك كنا بحاجة إلى الحصول على خبرة جيدة للقيام بذلك. وتعاقدنا مع واحدة من أفضل شركات الإنقاذ في العالم لإنجاز هذه المهمة، ثم احتجنا إلى سفينة لتحويل النفط إليها.
ولذا اشترينا ناقلة عملاقة أخرى، في آذار/مارس من هذا العام، وكانت تسمى سابقا نوتيكا ثم غيرنا اسمها إلى "اليمن". وهي تحمل الآن النفط الذي أفرغناه من الناقلة المتهالكة صافر.
استغرقت هذه العملية برمتها حوالي 18 شهرا من العمل- العمل السياسي للحصول على موافقة الأحزاب، والتخطيط الفني، وجمع الأموال، وكما تعلمون فإن جمع 140 مليون دولار ليس بالأمر السهل. الجميع كان يأمل في أن يقوم شخص آخر بهذا العمل الوقائي. وبالتالي فإن محاولة إقناع الجميع بالمساهمة بهذا المبلغ من المال استغرقت عدة أشهر.
لذلك فقد شكل هذا الأمر تحديا سياسيا وأمنيا وتقنيا وماليا. وكان علينا التغلب على كل هذه التحديات للوصول إلى هذه النقطة.
لكن لحسن الحظ، تمكنا من وضع الأمور في نصابها في وقت سابق من هذا العام. ويسعدنا جدا أن العملية قد بلغت ذروتها الآن من خلال نقل آخر قطرة نفط من الناقلة صافر إلى الناقلة الجديدة اليمن.
تم إنجاز الكثير من العمل الرائع الذي قام به أشخاص رائعون يتمتعون بخبرات جيدة جلبهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
لدينا خبرات في القضايا البحرية القانونية، والمشتريات البحرية. وكانت هناك مجالات خبرة لا نمتلكها وكان من المهم جدا أن نحصل عليها حتى نتمكن من معالجة هذه المشكلة بشكل مناسب دون وقوع أي حوادث. ولذا فأنا سعيد جدا جدا لأننا تمكنا من تحقيق ذلك.
-أخبار الأمم المتحدة: هل يمكننا القول الآن إن التهديد الذي تشكله الناقلة صافر قد انتهى أخيرا؟
ديفيد غريسلي: يمكننا القول إن التهديد المباشر قد انتهى. لأن النفط قد تم تحويله إلى ناقلة أخرى أحدث، وهي غير متهالكة ولا تواجه خطر الانفجار. وتتمتع بوسائل حماية حديثة مدمجة فيها بغرض حماية البيئة. لذلك فهي لن تشكل تهديدا لفترة طويلة قادمة. لكننا بحاجة إلى إيجاد طريقة للحفاظ عليها وصيانتها كي تظل آمنة تماما. وهذه قضية نعمل عليها الآن- إدارة ما بعد العملية. لكن بكل تأكيد فإن التهديد قد تلاشى.
-أخبار الأمم المتحدة: من الذي سيهتم بالسفينة الجديدة، الأمم المتحدة أم السلطات اليمنية؟
ديفيد غريسلي: السلطات اليمنية هي من تفعل ذلك، ولكننا وعدنا كلا الطرفين بأن نجلس معهما في ختام عملية نقل النفط بهدف البحث عن طريقة لإيجاد التمويل وطريقة الحفاظ على السفينة وصيانتها. لذلك فنحن قد وصلنا إلى هذه المرحلة الآن. وسنبدأ العمل على ذلك.
-أخبار الأمم المتحدة: هل توصلتم إلى اتفاق بشأن بيع النفط، وهل النفط صالح للاستعمال؟
ديفيد غريسلي: يبدو أن النفط بحالة جيدة جدا. صمامات الأمان سليمة إلى حد كبير. النفط هو من النوع الخام خفيف الوزن. وبالتالي فإن سعره يفترض أن يكون جيدا. النفط يمكن بيعه وهذا أمر جيد في الواقع. لكن هذا أيضا أمر يحتاج إلى التفاوض حوله بين الطرفين لأن أولئك الذين يسيطرون على النفط ليسوا هم من يملكونه. ولذا علينا أن نجد طريقة لجعل هذا الأمر مقبولا لجميع الأطراف.
لذلك سنشرك جميع الأطراف في النقاش حول هذا الأمر. لقد عرضنا وساطة الأمم المتحدة، بما في ذلك احتمال إنشاء صندوق استئماني أو حساب ضمان، لكن لم يتم التوصل إلى قرارات بشأن هذا الأمر. لذا، فهذه مناقشة أخرى سيتم إجراؤها.
وفي الواقع، كان أحد الأسباب التي جعلتنا نختار هذا الحل بالذات هو التعقيد الذي يشوب هذا الأمر- لجعل الطرفين يوافقان على بيع النفط، ولكن أيضا لعدم الاضطرار إلى مواجهة قضايا الملكية القانونية لأن النفط مملوك بالفعل من قبل أطراف متعددة.
لذلك، بدلا من قضاء شهور أو حتى سنوات لحل هذه المشكلة- والتي كان من الممكن أن تغرق خلالها الناقلة صافر- اخترنا إزالة النفط أولا، بحلول الوقت المطلوب، ومن ثم إيجاد حل لمسألة بيع النفط.
-أخبار الأمم المتحدة: الآن وقد عادت الأمور إلى طبيعتها ولم تعد الناقلة صافر تشكل تهديدا، ما مستقبل الباخرة الجديدة اليمن. إلى متى ستكون هناك، وهل هناك ضمانات لمنع حدوث حالة مماثلة لحالة الناقلة صافر؟
ديفيد غريسلي: أعتقد أنه من المهم أن نتذكر أن الناقلة صافر كانت موجودة في موقعها الحالي منذ عام 1988. إنها عبارة عن ناقلة تخزين بحري يتم فيها تخزين النفط الذي يستخرج من حقول صافر في اليمن إلى أن يتم بيعه.
ولكن عندما بدأت الحرب، كان هناك مليون برميل من النفط داخل الناقلة في انتظار البيع الأمر الذي لم يكن ممكنا أبدا بسبب الحرب. لا توجد مشكلة في تخزين النفط باستخدام ناقلات بحرية لأن ذلك يتم في جميع أنحاء العالم. هناك المئات من ناقلات التخزين البحرية هذه في جميع أنحاء العالم. لذلك فإن هذه ليست مشكلة في حد ذاتها.
القضية المهمة تمثلت في التأكد من استمرار الصيانة، بشكل مناسب، إلى أن يتم التوصل إلى تسوية سياسية، أو التوصل إلى حل محلي لبيع النفط. لكن لم يكن لدينا وقت لحدوث أي من هذين الأمرين.
-أخبار الأمم المتحدة: كان التسرب النفطي من الناقلة صافر سيكون خامس أكبر تسرب نفطي من ناقلة في التاريخ مع تأثير بيئي مدمر على المياه والشعب اليمني وشعوب المنطقة. حدثنا عن ردود فعل اليمنيين. كيف كان إحساس اليمنيين باكتمال عملية نقل النفط؟
ديفيد غريسلي: حسنا، هناك شيئان أو ثلاثة. الأول، أنا سعيد جدا لأن التهديد قد تلاشى. لأن هذا التهديد ظل يؤرق مضجع اليمنيين، بغض النظر عن أي جانب من الخطوط الأمامية يتواجدون فيه، وبغض النظر عن انتمائهم إلى أي من أطراف النزاع.
كانوا يدركون جميعا خطورة وواقعية هذا التهديد بالنسبة للشعب اليمني. لذلك ساد ارتياح عام بين أوساط اليمنيين لأن هذا التهديد قد تلاشى أخيرا. ثانيا، هناك أمل في أوساط اليمنيين بإمكانية الاستفادة من عائدات هذا النفط إذا تم بيعه. ثالثا، تخلق هذه العملية بعض الزخم والتوقع بإمكانية تسريع عملية السلام، وبالتالي هناك بعض الأمل الذي يتولد من هذا الأمر أيضا. الأخبار التي تأتينا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كلها إيجابية بشكل عام. فالناس سعيدون جدا بأن هذه القضية قد حلت في نهاية المطاف.
-أخبار الأمم المتحدة: هل واجهتم أي مشاكل أثناء هذه العملية؟
ديفيد غريسلي: فقط خلال اليوم الأول. كانت عملية صعبة للغاية. ولا أعتقد أن أحدا يقلل من صعوبة هذا الأمر، لأن هذه أطراف متصارعة ومستوى الثقة بينها منخفض للغاية. وكانت هناك درجة عالية من الريبة والشك بشأن نجاح هذه الخطة. الشك لم يكن فقط من الأطراف، ولكن أيضا الجهات المانحة المحتملة. كان الشك يثار دائما حول ما إذا كنا سنتمكن من إنجاز هذه المهمة. لكني أعتقد اليوم أن الجميع يرى ذلك في الواقع، أن هذا الأمر أصبح ممكنا وقد فعلناه. وأعتقد أن الجميع يحتفلون الآن على الرغم من كل الأيام الشاقة للغاية التي قضيناها في سبيل جمع التمويل والحصول على جميع الموافقات المطلوبة من كلا الطرفين اللذين كانت لديهما مطالب متناقضة كان علينا تجاوزها من أجل إنجاز هذه المهمة.
-أخبار الأمم المتحدة: تهانينا مرة أخرى لك ولفريقك على هذا العمل الرائع. برأيك ما الدروس المستفادة من هذه العملية برمتها؟
ديفيد غريسلي: في الواقع، هناك العديد من الأمور التي تعلمناها وأولها أن الأمم المتحدة بإمكانها إنجاز مهام صعبة. الأمور الصعبة دائما تبقى صعبة ولكن، عندما تخاطر بفعل الأمور الصعبة، فهذا يعني أن هناك تحديات سيكون من الصعب التغلب عليها. وأعتقد أنه كان من المفيد جدا بالنسبة لنا جميعا- والناس الذين نعمل معهم في هذه المهمة- أن نفهم أنه بالعزم والنظرة الإيجابية، يمكننا إيجاد حلول لمشاكل معقدة للغاية.
ولكن في كثير من الأحيان كان علينا تقسيم المهام إلى خطوات أصغر، وكل خطوة مبنية على الخطوة السابقة، مبنية على الثقة والاطمئنان إلى أن وصلنا إلى النقطة الفعلية لنقل النفط. كان لدينا مستوى عالٍ جدا من الثقة في إمكانية القيام بذلك بشكل مناسب. لذلك في بعض الأحيان لا يمكنك التخطيط لكل شيء مقدما، وهو ما نحب فعله عادةً في الأمم المتحدة.
في بعض الأحيان، يتعين عليك أن تأخذ الأمر على مراحل وأن تعمل على حل المشكلة خطوة بخطوة. هناك العديد من الدروس الأخرى المستفادة حول كيفية العمل في مثل هذا النوع من البيئة المعقدة. لقد مثلت هذه العملية اختبارا لأنظمة المشتريات وأنظمة الإدارة المالية لدينا. لقد اختبرت أيضا مدى صبر الجميع. لأنك تحتاج إلى الحفاظ على أعصابك هادئة في سبيل القيام بشيء من هذا القبيل.
ولكن المكافآت يمكن أن تكون عظيمة. لذلك آمل أن تخلق هذه العملية جوا من قبول المخاطر حيث يمكن للأمم المتحدة أن تقدم مثل هذه المساهمات ويتم أخذ مثل هذه المخاطر في المستقبل، وإدارة المخاطر، والمخاطر الذكية وغيرها من المخاطر.
-أخبار الأمم المتحدة: في خبر سار آخر جاء من اليمن اليوم، رحبت الأمم المتحدة بالإفراج عن خمسة من موظفيها. وكنت أنت هناك لاستقبال المفرج عنهم. هل يمكنك أن تخبرنا عن هذه الخطوة المهمة؟
ديفيد غريسلي: حسنا، لقد كانت عملية الإفراج مصدر ارتياح كبير بالنسبة لنا. تماما مثل اكتمال عملية نقل النفط من صافر، والتي كانت أيضا مصدر ارتياح للشعب اليمني. إن إطلاق سراح زملائنا الرهائن الخمسة هو مصدر ارتياح لجميع موظفي الأمم المتحدة في اليمن، وربما في جميع أنحاء العالم.
يمكن أن تكون بيئة العمل في اليمن صعبة للغاية. يمثل انعدام الأمن مشكلة. كما تعلم جرى مؤخرا قتل أحد كبار موظفي برنامج الأغذية العالمي بالقرب من مدينة تعز. لذلك عندما تعمل في أوضاع محفوفة بالمخاطر مثل هذه، من المهم للغاية أن يرى الناس أننا نعمل من أجل رفاهيتهم وسلامتهم.
أنا مسرور جدا لوجودهم مع عائلاتهم الآن. أنا سعيد للغاية لأنهم عادوا إلى مكتب الأمن التابع للأمم المتحدة، عادوا لزملائهم الذين ظلوا يعملون معهم لسنوات. وقد سررت جدا بالحديث إليهم اليوم للتعرف على ما مروا به. كان الأمر صعبا للغاية. لا أريد الخوض في التفاصيل، لكنهم عاشوا في وضع شديد الحرمان لفترة طويلة.
لذلك نحن ملتزمون ليس فقط بمساعدتهم على لم شملهم مع عائلاتهم، ولكن بمواصلة دعمهم بعد ذلك. نريد أن نكرّم عملهم وتفانيهم في العمل في مثل هذه الحالات الأمنية الشديدة. لذلك فإن هذا اليوم هو يوم سعيد بالنسبة لنا، يوم تعلمنا فيه بعض الدروس حول أفضل السبل للعمل في بيئة كهذه. لكن الأهم من ذلك، أننا نريد فقط الاحتفال بإطلاق سراحهم.
-أخبار الأمم المتحدة: أعلم أنك لا تريد الخوض في التفاصيل حول هذا الموضوع، لكن هل يمكنك أن تخبرنا عن بعض الملابسات ومن الذي احتجزهم ولماذا؟
ديفيد غريسلي: حسنا، من الواضح تماما أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو من قام باختطافهم. مثل معظم عمليات الخطف فإن المطالبة بالفدية تمثل دافعا رئيسيا، ولكن كما تعلم، فنحن في الأمم المتحدة لا ندفع الفدية، وهذا في غالب الأحيان يؤدي إلى إطالة أمد الاحتجاز، لأن محتجزي الرهائن يتعين عليهم فهم أن أموال الفدية لن تأتي. وبالطبع، لن أخوض في التفاصيل ولكن هناك جهود حثيثة بذلتها جهات عديدة داخل وخارج منظمة الأمم المتحدة في سبيل العمل على إطلاق سراحهم. أنا أشكرهم بنفسي وأعرب عن عميق امتناني لهم.
-أخبار الأمم المتحدة: أخيرا، من الناقلة صافر إلى إطلاق سراح زملائنا في اليمن، ما هي رسالتك إلى شعب اليمن؟
ديفيد غريسلي: الرسالة إلى شعب اليمن هي أننا هنا لنبقى. نحن هنا لمساعدتهم. نريد العمل من أجل تحسين حياة الشعب اليمني من خلال المساعدة الإنسانية. ولكن أيضا للمساعدة في حل المشكلات على غرار مشكلة الناقلة صافر. لذلك نحن لن نغادر اليمن. سنواصل الكفاح من أجل البحث عن التمويل من أجل مساعدة الشعب اليمني في خضم هذا الصراع المستمر، إلى أن يبدأ التعافي في اليمن.
نحن هنا على المدى الطويل. سنحاول أن نتعامل مع المشاكل الأمنية، لكننا سنستمر في البقاء وإنجاز العمل مثلما ظللنا نفعل طوال السنوات الثماني الماضية.