تحكم أم عادل قبضتها على قطعة الحجارة الخشنة التي بيدها وتتأهب للدفاع عن نفسها. فهناك كلاب ضالة تتضور جوعا والكثير منها مصاب بداء السعار في الشارع المظلم الذي تمشي فيه.
تقول أم عادل: "قلبي يرتجف مع كل خطوة أخطوها لأنني أخاف أن تهاجمني الكلاب. لا توجد مصابيح، وكافة المنازل مغلقة، لذا لن يساعدني أحد. أحاول أن أمشي الهوينا لكي لا تسمعني الكلاب".
تعيش أم عادل في العاصمة اليمنية صنعاء.
وقد وصفت الأمم المتحدة الكارثة الإنسانية التي تمر بها البلاد بأنها واحدة من الأسوأ في العالم، إذ إن هناك 21.6 مليون يمني يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات في عام 2023.
وكان لثماني سنوات من القتال بين القوات المتحالفة مع الحكومة والمدعومة من التحالف العسكري الذي تتزعمه السعودية، والمتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران والذين يسيطرون على غالبية أنحاء البلاد، أثر مدمر على سكان البلاد، ولا سيما النساء والأطفال.
وتواجه الأسر التي تعولها نساء - مثل أم عادل - أعلى مستويات من حالة انعدام الأمن الغذائي، حيث تعمل نسبة ضئيلة للغاية من النساء اليمنيات خارج منازلهن.
ومع ذلك يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن السيدات هن المعيلات الرئيسيات لثلث الأسر التي نزحت عن ديارها بسبب القتال.
وفي منزلها الصغير، توجد أغراض أم عادل مكومة على الأرض المغطاة بالتراب. وقد حزمت تلك الأغراض في حقائب تحسبا لأن تضطر وأبناؤها الأربعة إلى أن يرحلوا مرة أخرى.
ليس هناك أثاث، لذا ينام أفراد الأسرة على فُرُش موضوعة على الأرض. وليست هناك أية صور على الجدران الصفراء المتقشرة، أو أي من وسائل الراحة المنزلية. إنه ببساطة مجرد ملجأ تحتمي به الأسرة للبقاء على قيد الحياة.
كما أن هناك نقصا في سلال الغذاء التي توزعها المنظمات الخيرية. تقول أم عادل إنها حصلت على سلة واحدة فقط حتى الآن، رغم أنها حاولت مرات عديدة تسجيل اسمها للحصول على مساعدات.
تقول: "اضطر إلى البحث عن الحطب لكي أوقد نارا أطبخ عليها الأرز. غالبية الطعام الذي نأكله غير كامل النضج، وهذا كل ما أستطيع إليه سبيلا. كما أن ابني مريض بالتشنجات، وليس بإمكاني تحمل نفقات شراء دواء له".
ورغم أن الحياة صعبة للغاية في صنعاء، فإن أم عادل تشعر بالأمان هنا مقارنة بمدينة تعز، موطنها الأصلي. فالقوات الحوثية تحاصر المدينة الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية منذ بدء الحرب، ما أدى إلى عزلها عن باقي أنحاء البلاد.
تقول أم عادل: "الأوضاع هناك خطرة، وقد أصبح الناس همجيين يكرهون بعضهم بعضا. حاولت البقاء هناك لكي يكون أطفالي قريبين من العائلة، لكنني لم أستطع الاستمرار لأن أحدا لم يكن يساعدني".
ووفقا لإحدى المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة في اليمن، فإن أكثر من 10 ملايين سيدة وفتاة كنّ بحاجة إلى تلقي المساعدات في عام 2021.
تقول معين سلطان العبيدي المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان من مدينة تعز، إنها ليس لديها أدنى شك في أن النساء يتحملن العبء الأكبر من تبعات الصراع.
"النساء هن أكثر من تضررن جراء الحرب"، على حد قولها.
وتضيف: "الكثير منهن شُردن وفقدن معيلي أسرهن. ويضطر الأهل إلى تزويج بناتهم في سن صغيرة بسبب الموقف المالي الصعب. وقد فقدت الكثير من النساء أبناءهن وأزواجهن أولادهن وإخوانهن. وبالنسبة لهؤلاء اللاتي يعانين في المخيمات، ليس هناك من تعليم أو رعاية صحية كافية".
كما أنها قلقة على سلامة النساء في حياتهن اليومية.
تقول: "في بداية الحرب، قُطعت إمدادات المياه، لذا اضطرت النساء إلى الذهاب إلى آبار بعيدة عن منازلهن لجلب المياه منها وحملها لأميال على رؤوسهن".
"وقطعت إمدادات الغاز، لذا اضطرت النساء إلى السير لمسافات طويلة لجمع الحطب. وفي المناطق الملغمة، فقد العديد من النساء أرجلهن أو أذرعهن في انفجارات، بينما كن يجمعن العصي والحطب كي يوقدن نارا ليطعمن أطفالهن. إنها حرب أتت على كل شيء".
وقد قتل أو جرح ما لا يقل عن 109 امرأة في مناطق الرعي والمزارع منذ بداية الصراع في أواخر عام 2014، وفق بيانات جمعتها اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، وهي جماعة مراقبة شكلتها الحكومة بدعم دولي.
في كل يوم، يستطيع مجاهد كمال الذي يمتلك محل بقالة صغير في صنعاء، أن يرى كيف أصبح الموقف صعبا للغاية بالنسبة لزبائنه.
يقول مجاهد: "الناس هنا فقراء للغاية، ويعانون من الجوع والاكتئاب. نفقات النقل والنفط والضرائب تجعل كل شيء باهظ الثمن إلى درجة يصعب تحملها".
العثور على ما يكفي من الطعام يعتبر أحد أكبر المشكلات التي يواجهها اليمنيون. وخطر المجاعة حقيقي للغاية. يقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إن الاستجابة الطارئة لكارثة اليمن كانت أكبر استجابة للبرنامج على مستوى العالم خلال عام 2022، حيث تم تقديم إما مؤن طارئة أو أموال لشراء الطعام لنحو 13 مليون شخص.
يقول مجاهد إن الناس في اليمن يشترون السلع بشكل مختلف الآن: "عادة ما يكون لديهم ما يكفي من المال لشراء طعام يوم واحد فقط. والاحتياجات الأساسية هي فقط ما يستطيعون تحمل ثمنه، سلع مثل القمح والدقيق والزيت والسمن".
وتعرف أم سعيد هذا الصراع اليومي جيدا.
تعيش أم سعيد مع أسرتها في صنعاء منذ بدء الحرب، وهي في الأصل من مديرية رازح، وهي منطقة في محافظة صعدة الشمالية بالقرب من الحدود مع السعودية، وتتذكر اللحظة التي اضطرت فيها إلى مغادرتها هي وأولادها الأربعة وبناتها الثلاث.
تقول: "تعرض بيتنا للقصف في غارة جوية ودُمر تماما. كل ما تبقى منه هو الرماد والتراب".
"إننا نعيش بالفعل في رعب كل يوم لأن الكثير من الأماكن في منطقتنا تم استهدافها. لقد فقدنا بيتنا ودكان البقالة الصغير الذي كان يمتلكه زوجي، واضطررنا لبعض الوقت قبل أن نأتي إلى صنعاء إلى العيش في كهوف لجأنا إليها في الجبال.
"لم أستطع أن أتوقف عن البكاء، وكذلك كان الحال بالنسبة لأبنائي. اضطررنا إلى العيش في الظلام لأن حتى مجرد ضوء شمعة كان سيترتب عليه غارة جوية".
بدء الحياة مرة أخرى في مدينة جديدة ترك أم سعيد في أمس الحاجة إلى المال، وجعلها تجد صعوبة بالغة في إطعام أسرتها.
بعض أولادها يحاربون حاليا في صفوف الحوثيين في الجبال، وهو ما يعني أنها مضطرة لكفالة أحفادها أيضا.
تكسب أم سعيد مبلغا صغيرا من المال من خلال الذهاب إلى الأعراس لبيع الملابس وأدوات الزينة للنساء المدعوات، لكنها تعاني من بعض المشكلات الصحية، ما يعني أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بالقدر الذي تحتاجه، ومن ثم فإن الدخل الذي يدره عليها هذا العمل ببساطة ليس كافيا.
تقول: "في كثير من الليالي ننام بدون تناول وجبة العشاء. رقبتي تؤلمني وأجد صعوبة في التنفس، ولكن الشيء الوحيد الذي سيمنعني من السعي لبيع بضاعتي هو الموت".