يبدو أن هناك أخباراً أخرى غير الحرب والهدنة في اليمن، إذ قرر عدد من الفتيات في عدن (جنوب اليمن) تعلم الموسيقى والفن ضمن مشروع "الفن مهنتي" الذي تنفذه مؤسسة عدن للعلوم والفنون، بدعم من الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع معهد "غوته" الألماني.
ويسعى المشروع إلى تأسيس أول فرقة موسيقية يكون جميع أفرادها من النساء، ليذكر بالإرث الموسيقي الزاخر لليمن ويحافظ عليه ويستمد منه منهجه ويخلق مع ذلك الماضي جسراً لا تنال منه آلة الدمار التي ملأ صوتها طول البلاد وعرضها.
•مبادئ النغم
العمل الذي يشكل النواة الأولى لأول حضور نسائي في هذا المجال يأتي في إطار دورة تدريبية تستمر ثلاثة أشهر، ويحتضنها مقر مؤسسة عدن للعلوم بإشراف فنانين وأكاديميين موسيقيين يدربون 14 فتاة على مبادئ العزف على مختلف الآلات الموسيقية كالعود والكمان والغيتار والبيانو، وغيرها، إضافة إلى فهم الطبقات الصوتية والسلم الموسيقي.
وكان من اللافت تشكيل أول فرقة موسيقية من النساء في ظل ظروف أمنية واقتصادية صعبة تعانيها البلاد جراء الحرب التي أشعلها الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران في العام 2014، إلا أن الإقبال الجيد للمتعلمات يشير إلى التوجه المجتمعي نحو الفنون وكأنهم يديرن ظهورهن للحرب وأصواتها إلى واحات النغم والألحان.
يقول مدير "الفن مهنتي" شعيب العفيف، إن هذا هو المشروع الأول من نوعه في اليمن، ويهدف إلى تشكيل فرقة نسائية لتنشيط الحركة الفنية والموسيقية في اليمن عقب عقود من الإهمال والنسيان والتهميش الذي نال هذا القطاع.
كما تستعد الطالبات لتنظيم أول حفل موسيقي لفرقة نسائية في منتصف مارس (آذار) المقبل.
وبحسب فنانين ومهتمين فإن الفرقة تهدف إلى إحياء التراث الفني اليمني وتجديده، خصوصاً أن عدن مثلت في فترات مضت مركز انطلاق لمعظم نجوم الأغنية اليمنية.
•نخبة من أهل الفن
ووفقاً للعفيف فإن تدريبات الدورة ومنهجها يجريان على يد نخبة من الفنانين ومدربي الموسيقى والعزف والغناء في معهد جميل غانم للفنون الجميلة بعدن، إذ تعاقدت معهم مؤسسة عدن للعلوم والفنون للاستعانة بخدماتهم وخبراتهم الفنية الكبيرة لتدريب الفتيات.
ويتوقع مدير المشروع أن تشهد الدورة وما سيتبعها من دورات مقبلة إقبالاً متزايداً من الفتيات خلال الفترة المقبلة، في ظل الانفتاح المجتمعي نحو تعلم الموسيقى والفنون وتوسيع مجالاتها.
وقال إن "لحظة الإعلان عن فتح المجال للتسجيل بالدورة، كان الإقبال مفاجئاً، لكن كان العدد المحدد 10 فتيات فقط، إلا أن طلبات الالتحاق تجاوزت 90 طلباً من 90 فتاة يمنية، بعضهن من المحافظات اليمنية الأخرى، وليس من مدينة عدن فقط".
•بين الشغف والاحتياج
وفي المجتمع الغارق بعاداته المتشددة كان لافتاً ذلك الإقبال المتزايد للمتدربات على تعلم الموسيقى، وهو ما يهيئ لحضور الفرق النسائية مستقبلاً، وخصوصاً في المناسبات الشعبية والاجتماعية كمهنة جاء اسم المشرع مشتقاً منها.
وفي حين التحقت بعض الفتيات بدافع الشغف لاحتراف العزف على الآلات التي تعشقها. تقول الطالبة دينا المدني إنها التحقت بالمشروع لتنمي قدراتها بالعزف على آلة الكمان.
وعلى رغم كونها من أصعب الآلات الموسيقية فإن شغفها بهذه الآلة دفعها إلى المسارعة للالتحاق بمشروع الفن مهنتي. وتؤكد دينا أنها بعد شهر من التعلم تعلمت كيف تتعامل مع هذه الآلة الحساسة التي تختزل نغماتها كمية مشاعر كثيرة باعتبارها ليست فقط آلة حزن، فأوتارها صانعة للحب والفرح.
وتشير إلى أن مدة الدورة لا تكفي للوصول إلى المستوى الاحترافي المأمول، إذ تعلمت فقط مبادئ الموسيقى، ولهذا تتمنى من القائمين على المشروع تمديد فترته، سعياً لإنشاء أول فرقة نسائية في اليمن.
•نظرة مغلوطة
وعلى مدى الفترة الماضية واجهت الفتيات المشاركات تحديات صعبة تمثلت في ما سمته دينا "النظرة الدونية القاصرة للدارسات في المجال الفني". وقالت إنها واجهته "بالصبر والتركيز على تحقيق الإنجاز الفريد الذي سيفرض احترام الجميع في المستقبل القريب".
ومنذ عقود مضت واجهت الفنون في اليمن مقاومة اجتماعية ودينية صلبة تسببت في خفوت إرثها الزاخر، إذ لم يكن الفن بمعزل عن حالة الاستقطاب والتجييش الحاد الذي يشهده البلد منذ ما بعد الانقلاب الحوثي.