يعيش اليمن على وقع تحركات اقتصادية مكثفة مدفوعة بالإعلان عن إيداع مبلغ مليار دولار كوديعة سعودية في البنك المركزي اليمني الذي يفتقد للاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
يأتي ذلك عقب الدعوة التي وجهتها الحكومة اليمنية للدول والجهات والصناديق العربية والدولية المانحة إلى تفعيل قنوات الدعم المتاحة لمساندة اليمن خلال الفترة القادمة التي تستدعي تدخلات وعملا استثنائيا يرتقي إلى مصاف التحديات ويساند جهود الحكومة في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني وتخفيف المعاناة الإنسانية.
وارتفعت وتيرة التحركات مؤخراً في اليمن لبحث موضوع الدعم الدولي والإصلاحات الاقتصادية الجاري تنفيذها وما يتم تداوله من خطط لتضييق فجوة الانقسام القائم في المؤسسات المالية والنقدية.
واطلعت "العربي الجديد"، على سيناريوهات خطة حكومية مقرر تنفيذها بالتوازي مع استمرار انتهاج سياسة تقليص الإنفاق واقتصار ذلك على الجوانب الحتمية والضرورية، والتي تأتي استجابة لاشتراطات الدول المانحة من الدول والصناديق التمويلية.
تشمل ثلاثة تدخلات رئيسية؛ تنويع مصادر الإيرادات بالتنسيق مع السلطات المحلية في هذا الجانب، وضمان التوريد إلى حساب البنك المركزي اليمني، والقضاء على الجبايات غير القانونية.
•رقابة على الإنفاق
كشف مصدر حكومي مسؤول، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن توجه حكومي بالتعاون مع جهات دولية مانحة لتفعيل عملية الرقابة على الإنفاق، إضافة إلى عدد من الإجراءات الإضافية لتقليص وترشيد النفقات في إطار الخطط المعدة لاستيعاب الوديعة السعودية وغيرها من المنح والتمويلات المتاحة.
ويؤكد رئيس جمعية البنوك اليمنية محمود ناجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تأثير الوديعة سيكون محدودا في حال لم يتبعها أي إجراءات للحد من العرض النقدي، كالطباعة بدون غطاء والسيطرة على التضخم وحصر الموارد المالية للدولة وأهمها موارد النفط.
ورافق قرار نقل السلطة في اليمن الذي كان يرأسها عبدربه منصور هادي إلى مجلس قيادة رئاسي مكون من سبعة أعضاء، الإعلان عن وديعة مالية سعودية ستقدمها لليمن بنحو 3 مليارات دولار.
ويرى ناجي أن المشاكل الاقتصادية والنقدية التي يعاني منها اليمن أعمق وأكبر من أن يتم حلها بمثل هذه الودائع، في حين تأثيرها سيكون لحظيا محدودا.
ويشير إلى أن حوالات المغتربين ومساعدات المنظمات الإنسانية أصبحت حاليًا المصدر الوحيد تقريبا لحاصلات النقد الأجنبي المتاح للبنوك في اليمن بعد توقف صادرات النفط.
وكانت "العربي الجديد"، قد كشفت الشهر الماضي عن إقرار خطة حكومية شاملة مضمنة بحزمة إجراءات لترشيد الإنفاق ورفع الإيرادات بما يتناسب مع المتغيرات في اليمن الذي يعاني شحا في الموارد العامة وهدرا وتبديدا متواصلين للإيرادات خارج القنوات الرسمية، التي سبقها قرار نافذ لإيقاف طباعة العملة الورقية.
إضافة إلى إجراءات أخرى لضبط الاختلالات والاضطرابات في سوق الصرف وتضخم شركات وشبكات التحويلات المالية من خلال تشديد إجراءات منح التراخيص أو تجديدها والتي ستستند لمعايير واشتراطات البنك المركزي والقوانين والتشريعات المتبعة والمنظمة لعمل القطاع المصرفي في اليمن.
•وقف تدهور الريال
في السياق، يوضح الخبير الاقتصادي والمالي أحمد شماخ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن على صانعي القرار في اليمن العمل بكل السبل المتاحة لإيقاف التدهور الحاصل في العملة المحلية وتقوية الأطر الاقتصادية وتوحيد المؤسسات النقدية اليمنية، والعمل على تكوين احتياطيات من النقد الأجنبي بالتوازي مع إجراءات أخرى لزيادة الإنتاج الكثيف للسلع ذات المزايا التنافسية.
وانعكس خبر إتاحة وديعة سعودية بمبلغ مليار دولار في البنك المركزي اليمني وقرب التوقيع عليها والذي قد يكون الأسبوع القادم بالعاصمة السعودية الرياض، على سوق النقد في اليمن وتحسن سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، إذ يؤكد متعاملون في سوق الصرف بمدينة عدن حدوث ارتفاع طفيف للريال اليمني من 1237 ريالا إلى 1130 ريالا مقابل الدولار.
في حين أكدت مصادر مصرفية في البنك المركزي اليمني في عدن، فضلت عدم الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد"، تأجيل موعد مزاد بيع العملة الأجنبية رقم (8-2023) الذي كان مقررا الثلاثاء، 21 فبراير/ شباط الحالي 2023.
الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، يقول في هذا الصدد لـ"العربي الجديد"، إن الوديعة الجديدة لن يكون لها أي تأثير أكثر مما حصل مع الوديعة السابقة في نهاية العام 2018، والمقدرة بنحو 2 مليار دولار، إذ تم الوعد بها والدولار يساوي 700 ريال يمني مقابل الدولار الواحد، لكنه بعد ذلك شهد عملية تهاوٍ كبيرة متجاوزًا 1000 ريال للدولار الواحد.
ويشرح العوبلي، أن أي تحسن أو فائدة قد تطرأ ستكون لصالح تجار العملة قبل أن يعود الانهيار بعد ذلك بشكل تدريجي، في حين لن يكون هناك أي تأثيرات إيجابية على أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، مؤكداً أن حاجة الحكومة اليمنية للعملة الصعبة تتجاوز قيمة الوديعة نفسها، مع العلم أن اليمن يستورد بنحو 3 مليارات دولار مشتقات نفط سنوياً.
•عراقيل الدعم الخليجي
وكان رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك، قد التقى على هامش مشاركته في القمة العالمية للحكومات بدبي، مع المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي عبد الرحمن الحميدي، لبحث الدعم الخليجي المقدم لليمن والتعهدات المعلن عنها في إبريل/ نيسان الماضي من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والعراقيل التي تحد حتى الآن تسريع إطلاقها بعد أن أوكلت هذه المهمة لصندوق النقد العربي.
وتطرق اللقاء وفق مصادر مطلعة، إلى الإصلاحات التي قامت بها الحكومة استجابة للتحديات الاقتصادية المستجدة، وفي إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الموقع عليه مع صندوق النقد العربي، إضافة إلى آفاق التعاون المستقبلية.
وتؤكد الحكومة اليمنية، ثقتها في دعم شركاء اليمن من الدول والمنظمات المانحة لخطط وبرامج ومشاريع الحكومة، بما ينعكس بشكل مباشر على حياة ومعيشة المواطنين واحتياجاتهم الأساسية من الخدمات والسلع.