أعادت عملية قتل العديد من عناصر تنظيم القاعدة باليمن في يناير 2023 ( بغارة أمريكية بطائرة بدون طيار) تركيز الضوء على الفرع الأقوى للتنظيم في شبه الجزيرة العربية. الفرع اليمني للقاعدة الذي لا يزال من أكثر الفروع دموية في وحدة التنظيم الارهابي - والذي برز لأول مرة عام 1992 عندما هاجم سلفه منشأة بحرية امريكية في اليمن ثم قصف سفينة أمريكية عام 2000، وبعدها نمى سريعا.
في عام 2013، كانت المجموعة مسؤولة عن إغلاق 22 سفارة أمريكية مختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع ذلك ، فإن قوة القاعدة في شبه الجزيرة العربية لم تنبع من تهديدها للولايات المتحدة ولكن أيضاً من جهودها الخاصة واستغلال الحرب الأهلية اليمنية المستمرة. فبعد اندلاعها في عام 2015 بعد سقوط الرئيس علي عبد الله صالح، فرض الحوثيون -وهم مجموعة قبلية قوية تتألف من المسلمين الشيعة- حصاراً لخليفة صالح (عبدربه هادي) بسبب سوء الحكم في شمال اليمن. وقد شن عبدربه، بدعم من بعض الفصائل العسكرية والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، هجمات مضادة ضد الجماعة في حرب طويلة مستمرة منذ أكثر من عقد من الزمان.
وفي ظل هذه الخلفية للحرب الأهلية في الجزء الشمالي من اليمن، تمكنت القاعدة من الاستيلاء على السلطة في المنطقة الجنوبية من حضرموت، حيث يدور صراع منفصل من أجل الاستقلال, والتي اجتاحت مدينة المكلا في عام 2015، وتمكنت من حكم المدينة بنجاح حتى تم الإطاحة بها في عام 2016.
تلك التجربة بنيت على تجربتها السابقة في حكم صعدة - وهي مدينة أخرى في شمال اليمن كانت قد سيطرت عليها من عام 2011 إلى عام 2012, ومع ذلك بصرف النظر عن المرونة العامة للجماعة، فقد ساعدتها أيضاً قضية تغير المناخ في اليمن والتي تسببت في مشاكل كبيرة للأمة.
و يمكن عادة تصنيف تأثيرات تغير المناخ إلى تأثيرات طويلة الأجل واخرى قصيرة الاجل, حيث يمكن تحديد كلا التأثيرين في اليمن.
على سبيل المثال، تواجه اليمن مشاكل كبيرة في إمدادات المياه على المدى الطويل, حيث يفتقر أكثر من 19 مليوناً من إجمالي عدد سكانها البالغ 30 مليوناً إلى المياه النظيفة. ومع ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، زادت هذه الندرة في العقد الماضي.
وعلى هذا النحو، لا يستطيع العديد من المزارعين زراعة المحاصيل الزراعية مما يحرم العديد من سبل عيشهم ويجبرهم على قطع الأشجار مما يؤثر بشكل أكبر على تغير المناخ. واعتباراً من السنوات القليلة الماضية، يبلغ نصيب الفرد من المياه المتاحة لليمن حوالي 86 متراً مكعباً، وهي كمية ضئيلة مقارنة بدول مثل الهند التي لديها حوالي 1500 متر مكعب من المياه للفرد. كما ساهم تدهور المياه والزراعة في تفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي في البلاد. ففي السنوات القليلة الماضية لم يكن لدى أكثر من 8 ملايين شخص في اليمن إمكانية الوصول إلى مصادر جيدة من الغذاء. وفي الواقع فإن الكثيرون لا يموتون بنفس ذلك السبب فحسب، بل يعاني جزء كبير من السكان أيضاً من سوء التغذية الحاد مما يسبب مشاكل مثل توقف النمو والعديد من الأمراض الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحقيقة أن العديد من اليمنيين ينتهي بهم الأمر بزراعة القات - مادة مخدرة خفيفة ومربحة للغاية - في المناطق الخصبة تؤدي إلى انخفاض وجود المحاصيل الزراعية، مما يؤدي إلى تفاقم أزمات الغذاء والمياه.
بصرف النظر عن الآثار بطيئة الظهور، فقد أدى تغير المناخ أيضاً إلى العديد من حالات الطوارئ في جميع أنحاء المنطقة. حيث تسبب تزايد هطول الأمطار في بعض أجزاء البلاد في إحداث فوضى نظراً لأن كميات المياه المتساقطة عالية جداً لدرجة أنها تسببت في حدوث فيضانات ودمرت الأراضي الزراعية وكذلك المنازل. ففي عام 2022، أفادت وكالات الإغاثة أن ما لا يقل عن 70 ألف شخص قد نزحوا أو فقدوا ممتلكاتهم بسبب الفيضانات المفاجئة التي سببتها الأمطار الغزيرة. كما تم تسجيل كوارث أخرى بمرور الوقت مثل إعصار (تشابالا) في عام 2015 الذي دمر العديد من المنازل وشرد آلاف الأشخاص في أجزاء من جنوب اليمن. وكما قال خبراء المناخ، أن الإعصار كان نتاجاً لظاهرة مناخية مختلفة سببها تغير المناخ بمرور الوقت.
القاعدة في شبه الجزيرة العربية: استغلال الأزمة.
هذه المشكلات التي واجهها اليمنيون هي التي فهمها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحاول استغلالها. فقد كشفت الوثائق التي تم العثور عليها من القاعدة في شبه الجزيرة العربية في عام 2013 أن قيادة الجماعة قد أصدرت اتصالات مع فروع أخرى في جميع أنحاء المنطقة (مثل القاعدة في المغرب الإسلامي في شمال إفريقيا) حول أهمية الحفاظ على مياه السكان المحليين. فعندما وصل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى السلطة في مدينة المكلا الجنوبية في عام 2016، اتخذ خطوات مهمة لزيادة إمدادات المياه. وشمل ذلك التكليف بالعمل على بناء الآبار ودعم البنية التحتية للمياه في المناطق المحيطة كذلك. وكانت الجماعة حريصة جداً بشأن نجاح هذا النشاط؛ حتى أنها هددت المقاولين بالقتل بسبب التأخير أو الفساد في هذا العمل. وبالإضافة إلى ذلك، فقد استغل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أيضاً انعدام الأمن الغذائي في المنطقة لصالحه. - أولاً، أطلق حملات عبر العديد من المناطق اليمنية حيث وزع المواد الغذائية على السكان المحليين في منتصف عام 2010 ثم أعلنت عن هذه الأنشطة على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لزيادة الوعي.
بالإضافة إلى ذلك، من بين رسائل التوظيف الخاصة به، غالباً ما شدد على أنه سيتم الاعتناء بالمجندين من الناحية المالية حتى يتمكنوا من المساعدة في تعويض ارتفاع تكلفة الغذاء (من بين السلع الأخرى).
-أخيراً، استخدم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب سابقاً حالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ لصالحه. فعلى سبيل المثال، خلال إعصار (تشابالا) 2015، شارك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في ترتيب إجلاء مختلف المواطنين المتضررين من الإعصار. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان الأعضاء بارعين جداً في أنشطة الإغاثة في حالات الطوارئ بما في ذلك نقل الأشخاص وتزويدهم بالخدمات الأساسية مثل الطعام والماء.
•خاتمةً
قد أثبت تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في قدرته على التعامل مع المشكلات الأساسية التي يواجهها العديد من اليمنيين، واستخدم الفرص الناجمة عن تغير المناخ لكسب القلوب والعقول وضمان حصوله على بعض الدعم الشعبي. ويجب على صانعي السياسة الذين ينظرون للمشكلة أن يدركوا أن مجندي الجماعة يتألفون من جميع أنواع الأشخاص بما في ذلك أولئك الذين تم دفعهم للانضمام للتنظيم بسبب المشاكل المختلفة التي يعاني منها الشعب اليمني. و مع ورود تقارير عن العديد من الهجمات التي وقعت في البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية والدعاية الأخيرة التي انتقدت المملكة العربية السعودية وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان، فمن الواضح أيضاً أن القاعدة في جزيرة العرب لا تزال تشكل تهديداً كبيراً على المستوى المحلي والدولي. وفي ظل هذه الخلفية، يجب فهم كل عامل يدعم شعبية الجماعة قبل أن يكون من الممكن تفكيكها, فالتأثيرات المرتبطة بتغير المناخ هي بالتأكيد أحد هذه الأسباب الجذرية.