في الحرب الأهلية التي دامت ما يقرب من عقد من الزمن في اليمن، يشير الالتزام بوقف إطلاق النار الذي بدأ في أبريل 2022 من قبل المتمردين الحوثيين الشيعة الزيديين إلى أنهم على استعداد الآن للعيش مع نتيجة سياسية حتمية للحرب تمكنهم من السيطرة على معظم اليمنيين، ولكن ليس كلهم.
يبدو أن الحوثيين مستعدين للاستقرار بأقل من السيطرة الكاملة على البلاد. ومع ذلك، فهم ليسوا في عجلة من أمرهم للتوصل إلى اتفاق، حيث يمكن أن تنهار الهدنة بسهولة وتعود اليمن والسعودية للقتال خلال عام 2023.
•وقف إطلاق النار وقيوده
ابتداء من عام 2014، تمرد الحوثيون على الحكومة المدعومة من السعودية والتي ظهرت في اليمن منذ الربيع العربي عام 2011. وانضم إليهم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح حتى انفصل عنهم وقتل عام 2017.
في أبريل 2022، تفاوضت الأمم المتحدة على وقف إطلاق النار بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية والفصائل التابعة لها، وفتحت ميناء الحديدة الرئيسي لجلب الوقود والغذاء إلى الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، و فتح مطار صنعاء للرحلات التجارية إلى مصر والأردن. تم تمديد الهدنة مرتين في عام 2022، لكن لم يتم تمديدها في أكتوبر عندما انقضت. ومع ذلك، لا يزال الطرفان ملتزمان بوقف إطلاق النار في الغالب، وببنود الهدنة الأخرى مثل الرحلات الجوية التجارية إلى عمّان.
•الأبعاد الخارجية غير المحسومة
لا يزال اليمن ساحة معركة حاسمة للقوى الخارجية. الحوثيون الشيعة مدعومون من إيران وحليفها حزب الله حيث يقال ان هناك 40 مستشارا إيرانيا في اليمن.
بدعم الحكومة اليمنية ومختلف الفصائل المناهضة للحوثيين، لم يشهد السعوديون أياً من أولوياتهم السياسية قد تحققت، على الرغم من النفقات الهائلة. عندما بدأت الهدنة في أبريل الماضي، تخلوا عن الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي، الذي نصبوه في السلطة قبل عقد من الزمان ليحل محل صالح. هادي الآن رهن الإقامة الجبرية في الرياض. وحل محله مجلس سياسي من سبعة أشخاص يمثلون مجموعات مختلفة لا تزال موالية للسعودية. كما تدعم الإمارات العربية المتحدة الميليشيات المناهضة للحوثيين، خاصة في مدينة عدن الساحلية الجنوبية.
نجحت سياسة الولايات المتحدة في اليمن مؤخراً إلى حد ما في إدارة الصراع، لكنها لم تكن كافية لوقف الأزمة والكارثة الإنسانية التي سببتها الحرب السعودية والحصار المفروض على الشمال. بعد فترة وجيزة من تنصيبه، ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن خطاباً مهماً في السياسة الخارجية قال فيه إن الحرب في اليمن يجب أن تنتهي. إن إعطاء الأولوية لإنهاء الصراع في سياسة الولايات المتحدة أمر جدير بالثناء، ومن خلال دعم الأمم المتحدة، حقق بايدن بعض النجاح. وعين تيم ليندركينغ، الدبلوماسي المتمرس والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، مبعوثا أمريكيا لليمن. وبشكل أكثر تحديداً، وعد بايدن بإنهاء الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية "الهجومية" من قبل السعوديين، لكنه لم يحدد ماهية العمل العسكري الهجومي أو ما إذا كان تحذيره ينطبق على الحصار السعودي لليمن.
كما لم يدعو بايدن إلى إصدار قرار جديد من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليكون بمثابة أساس لمبادرته للسلام.
دعا قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي كتب في عام 2016، الحوثيين إلى الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلوها في الحرب الأهلية بما في ذلك صنعاء، والاعتراف بالحكومة القائمة، وتسليم أسلحتهم إلى الأمم المتحدة، وإنهاء هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ على المملكة العربية السعودية. بعد ست سنوات من القتال، لم يتم تلبية أي من هذه المطالب من قبل الحوثيين. ولم يذكر بايدن أن إدارة أوباما تميل عمداً ضد المتمردين.
كما تواصل البحرية الأمريكية اعتراض السفن، و المراكب الشراعية الصغيرة، التي تدعي أنها تهرب أسلحة من إيران إلى المتمردين. في ديسمبر 2021، على سبيل المثال، أفادت البحرية أنها اعترضت سفينة بها 1400 بندقية هجومية من طراز AK-47 و226600 طلقة ذخيرة. وأخرى في يناير 2023.
في الواقع، الولايات المتحدة شريك في الحصار السعودي لليمن.
•تعلم العيش مع الحوثيين
مأساة العلاقات الأمريكية مع اليمن أصبحت الآن كارثية. دعم رئيسان أمريكيان بدرجات متفاوتة من الحماس حرباً مميتة بقيادة السعودية لهزيمة الحوثيين. قُتل عشرات الآلاف من اليمنيين جراء الحصار، من بينهم آلاف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. يحاول رئيس أمريكي ثالث الآن أخيراً إنهاء الصراع.
الحوثيون معادون بشدة لأمريكا، لكنهم لم يفعلوا سوى القليل من الضرر الفعلي، إن وجد، للأمريكيين أو لمصالحنا الحيوية. وبدلاً من ذلك، سمحت لهم الحرب السعودية بلعب دور المدافعين الوطنيين عن بلد صغير يقاتل جاراً غنياً بدعم من واشنطن وجزء كبير من العالم الغربي. الحوثيون منظمون على غرار حزب الله، نموذجهم الذي يحتذى به وخطر إرهابي مثبت منذ زمن طويل على الأمريكيين والمصالح الأمريكية. يمكن أن يتطوروا إلى حزب الله آخر خاصة إذا انهارت الهدنة.
لقد حان الوقت لإنهاء هذه المأساة. يمكن أن تنهار الهدنة بسهولة، ويمكن للحوثيين استئناف الهجمات على أهداف سعودية، بما في ذلك الرياض، بصواريخهم وطائراتهم بدون طيار المصممة بمساعدة إيرانية.
لن يكون التعامل مع الحوثيين سهلاً حتى بعد الحرب. إن موقفهم المعادي لأمريكا متجذر بعمق في أصول الحركة, و نتيجة متأخرة للقرار الكارثي بغزو العراق في عام 2003 والذي أدى إلى إنشاء الحوثيين، والذي تضاعف الآن من خلال أكثر من ست سنوات من الدعم الأمريكي لحرب يقودها جار يكرهه معظم اليمنيين. الضربات الجوية والحصار والتجويع الجماعي المتعمد هي سمات الحرب التي دعمتها الولايات المتحدة.
على الأرض، شكل الحوثيون حكومة فاعلة في المنطقة التي يسيطرون عليها، والتي تضم ممثلين عن جماعات أخرى. رئيس وزرائهم عبد العزيز بن حبتور من الجنوب وكان حاكم عدن في الفترة 2014-2015, و وزير الخارجية هشام شرف كان في عدة حكومات ابتداء من عام 2011. يعيش حوالي 80٪ من اليمنيين تحت سيطرة الحوثيين.
نما عدد سكان صنعاء بشكل كبير إلى سبعة ملايين شخص من أقل من ثلاثة ملايين في عام 2019 ومليوني نسمة في عام 2010 بسبب الأمن النسبي وسلامة الغذاء التي يوفرها الحوثيون هناك. لكن فيما يتعلق بالحريات الشخصية، فرض الحوثيون قوانين صارمة على سفر النساء، تتطلب موافقة خطية من الذكور، وهو انعكاس آخر لسياسات رعاتهم الإيرانيين.
لقد عشنا مع دول أخرى ذات سياسات معادية لأمريكا في الشرق الأوسط منذ عقود. على عكس حزب الله وإيران، لم يرتكب الحوثيون أعمال عنف ضد المصالح الأمريكية خارج اليمن. لن تكون علاقة ودية، لكنها لا تحتاج إلى أن تكون عدائية عنيفة. الضرورة الملحة هي وقف الحصار بشكل كامل وتقديم المساعدة للشعب اليمني. يجب أن يدعو قرار جديد لمجلس الأمن إلى الإنهاء الكامل للحصار وحرية التنقل لليمنيين. يجب أن يكون ذلك أولوية أمريكية.