مع دخول الصراع في اليمن عامه التاسع يتجدد الأمل في إنهاء واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. حيث أظهرت الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة العام الماضي، والتي استمرت من الثاني من أبريل / نيسان إلى الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، لإمكانية التوصل إلى حل سلمي، و على الرغم من هذا التقدم إلا أن النساء والفئات المهمشة لاتزال مستبعدة إلى حد كبير من المنتديات الدولية لمفاوضات السلام.
لم يظهر عدم المساواة بين الجنسين في اليمن مع الصراع, ففي عام 2021 ، صنف مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي اليمن في المرتبة الثانية بعد أفغانستان باعتبارها الدولة الأقل تقدمًا نحو المساواة بين الجنسين، وبالرغم من أن معايير النوع الاجتماعي في اليمن متعددة الأوجه وتختلف اعتمادًا على الجغرافيا والعمر والمجتمع ، إلا أن النساء كان لهن سيطرة محدودة تاريخياً على مواردهن المالية وحركتهن والوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.
كما التزمت الأمم المتحدة بتسهيل مفاوضات السلام بالهيكل الحِزبي الذي يعطي الأولوية للوساطة بين المجلس الرئاسي بقيادة (رشاد العليمي) وحركة الحوثيين المتمردة، و في مفاوضات السلام لعام 2018 التي عقدت في السويد كان هناك 4 بالمائة فقط من المفاوضين من النساء، ويعد استبعاد المرأة من هذا الإطار نتيجة مباشرة لاستبعادها أيضاً من الحياة العامة والمشاركة السياسية، فضلاً عن معايير جنسانية أوسع تتعلق بأدوار المرأة في النزاع.
و في جميع أنحاء العالم غالبًا ما يُنظر إلى النساء على أنهن فقط ضحايا في سياق النزاع وطرف منكوب فيه، ومع ذلك فقد كُنَّ دائمًا يُشاركن، كما لاحظ مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ، إما "كمقاتلات أو كجزء من المجتمع المدني المنظم أو كمدافعات عن حقوق الإنسان أو كأعضاء في حركات المقاومة أو كعناصر فاعلة في عمليات بناء السلام والتعافي الرسمية وغير الرسمية ".
و المرأة في اليمن ليست استثناء على الرغم من المعارضة العنيفة في كثير من الأحيان لنشاط حقوق المرأة ، إلا أنها نشطة للغاية بالفعل في جهود بناء السلام ، لا سيما على المستوى المحلي ، وكانت العديد من النساء يقُمن بحملات من أجل تمثيل أكبر في المفاوضات.
فعلى سبيل المثال (عُلا الأغبري) التي تُعتبر هي المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة سبأ للشباب للتنمية وقد قامت بإنشاء مجالس مجتمعية لحل النزاعات في تعز، و في غضون ذلك قامت جمعية أمهات المختطفين ، في أكتوبر / تشرين الأول 2020 ، بتأمين ما وّصِف بأنه "أكبر تبادل للأسرى في تاريخ حرب اليمن".
كما كان للجهود المبذولة لزيادة تمثيل المرأة في عملية السلام مستويات متفاوتة من النجاح والتأثير على المستوى الدولي، حيث تهدف مبادرة ميثاق المرأة اليمنية من أجل السلام والأمن التي تدعمها الأمم المتحدة إلى "بناء القيادة النسائية وزيادة المشاركة والاندماج في المفاوضات" وتُستخدم كمجلس استشاري لدعم مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة. و على الرغم من أن هذه خطوة إيجابية، إلا أن الممثل الأيرلندي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (جيرالدين بيرن ناسون) عبّر عن ذلك بأفضل صورة عندما كرر أن: "التشاور لا ينبغي أن يكون بديلاً عن المشاركة الهادفة ... بل يجب أن تكون المرأة على طاولة المفاوضات وتشجع جميع الأطراف على العمل من أجل ذلك".
وإدراكاً لذلك عقدت مبادرة مسار السلام جنباً إلى جنب مع الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية ، اجتماعاً لنساءٍ يمنيات من خلفيات متنوعة لتطوير خارطة طريق السلام النسوية الخاصة بهن، و كان التركيز الرئيسي لهذا الاجتماع هو كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يدعم المنظمات الشعبية لبناء السلام.
كما أكدت خارطة الطريق الخاصة بهم على الحاجة إلى (عمليات) سلام متعددة الأطراف في اليمن تكون متوازية مع بعضها البعض ، ومحددة للتعامل مع ديناميكيات (الصراعات) المختلفة ، ولكن في نفس الوقت؛ تغذي عملية السلام الشاملة ، التي ينبغي أن تؤدي إلى فترة انتقالية.
و شددت خارطة الطريق على الحاجة إلى حصص مشاركة "لا تقل عن 30 بالمائة للنساء ، ولا تقل عن 20 بالمائة للشباب ، و 50 بالمائة للجنوبيين ، و 10 بالمائة للفئات المهمشة ، و 10 بالمائة للمعاقين".
وبالرغم من العوائق الكبيرة إلا انه من الواضح أن المرأة اليمنية جزء لا يتجزأ من جهود حل النزاع محلياً، وعلى المستوى الدولي ، ويجب أن ينعكس ذلك في مشاركتهم الهادفة في مفاوضات السلام.
و تتوفر لدى المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة فرصة لتضخيم أصوات النساء اليمنيات اللواتي يعملن بالفعل لبناء السلام على المستوى الشعبي وتقليل الحواجز التي تحول دون مشاركتهن.
و بعيداً عن كونها حالة فريدة من نوعها ، إلا أن استبعاد النساء يُظهِر في مفاوضات السلام اليمنية اتجاهًا أوسع لتجاهل تجارب النساء في انعدام الأمن داخل الصراع وفي حياتهن اليومية. و بالنسبة لنساء اليمن السلام ليس مجرد غياب للصراع كما هو المحور الأساسي للمفاوضات الحالي، إنما هو غياب الخوف والعنف والقمع، لذا يتوجب تفكيك الهياكل التي تساهم في العنف القائم على النوع الاجتماعي.
كما يجب دعم أي اتفاق سلام من خلال المساواة بين الجنسين ، ومعالجة الحواجز التي تحول دون مشاركة المرأة الكاملة في الحياة العامة. و يبدأ ذلك بإشراك المجتمع بأسره في مفاوضات السلام الرسمية ، مع التركيز على النُشطاء المحليين والمجتمعيين، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق ، فإن السلام والأمن في اليمن سيكون بعيد المنال في حال اُتخذت اي خطوة دون ذلك وتنافي هذا المُنطلق.