اليمن: ‏‏كيف أثَّر شرط "المَحْرم" على عاملات الإغاثة؟
يمن فيوتشر - مازن فارس: الإثنين, 07 نوفمبر, 2022 - 04:25 مساءً
اليمن: ‏‏كيف أثَّر شرط

لم يكن في حسبان مُنى (اسم مستعار) أنَّ قرار "تعسفيّ" ـ كما تصفه ـ سيجعلها عُرضة للإساءة اللفظية واحتجاز حريتها لساعات. 
منتصف أيار/ مايو المنصرم، كانت منى، البالغة من العمر 27 عامًا، مُتوجهة من محافظة تعز نحو العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.
في الطريق توقفت الحافلة التي كانت تستقلها بمعية مسافرين من كلا الجنسين، عند نقطة تفتيش تابعة للجماعة، وطلب أحد الأفراد المسلحين إبراز هوياتهم.
تقول "أخذ يُدقق في بطائق جميع الركاب وعندما وصل إليَّ أنا وصديقتي سألني: هل معكنّ محْرم؟ فأجبته بالنفي. عندها بدأ يصيح بصوت عال ويتكلم بألفاظ سيئة ثم طلب مِنّا ـ الاثنتان ـ النزول من الباص".
"عندما علم أنَّ الغرض من زيارتنا صنعاء لحضور ورشة تدريبية لمنظمة إنسانية نعمل لديها. أخذ يشتم المنظمات ويتهمها بإفساد المجتمع". 
خلال ثمانية أعوام من الحرب الدائرة في اليمن، فُرضت قيودا بيروقراطية وإجراءات تعسفية ضد النساء ما تسبب بحرمانهن كثير من الحقوق.
"احتُجزنا في النقطة لأكثر من ساعتين وكأننا ارتكبنا ذنبا واتهمونا بخدش الآداب العامة، كل هذا بذريعة سفرنا بدون محرم" تضيف مُنى؛ مشيرة إلى أن المسؤول على النقطة سمح لهن بالذهاب بعد أن تواصل هاتفيًا مع وليّ أمرهما يستفسرهما بشأن موافقتهما عن سفر الفتاتين. 
وكانت جماعة الحوثي أصدرت في نيسان/ أبريل الماضي تعميمًا يفرض على شركات النقل الداخلي البري تعبئة استمارة خاصة بالنساء المسافرات، تُفيد بضرورة موافقة وليّ الأمر على سفرهن بموافقة خطيّة.
وهذا الإجراء هو الثاني خلال عامين منذ أصدرت الجماعة تعميماً مماثلاً، يقضي بمنع سفر النساء من دون محرم.
وتشير عاملات في مجال الإغاثة بمناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين إلى أنّ هذا الشرط أعاق عملهن، خصوصًا تلك اللواتي تتطلب منهن طبيعة عملهن السفر، كما هو الحال مع سحر، التي مُنعت أكثر من مرة هي وفريقها النسوي عن العمل الميداني بسبب عدم التزامهن بشرط المحرم، الذي لا يُشكل جزءًا من القانون اليمني.
وتقول الأمم المتحدة إنه خلال العام الحالي تعرّض عُمال الإغاثة في اليمن لحملات "تضليلية وتحريضية" بما في ذلك الادعاءات "الكاذبة" بأنهم يفسدون القيم اليمنية، وأخلاق الفتيات.
ترى سحر أن الحرب أفرزت وضعًا إنسانيًا مأساويًا وبيئة خطيرة للمرأة.
وتتفق مع هذا الرأي الناشطة والصحفية وداد البدوي التي تؤكد تراجعا لافتا في الحقوق وانعدام هامش الحريات الشخصية للنساء.
حظر السفر دون محرم، قرار تراه البدوي، وهي رئيس مركز الإعلام الثقافي في اليمن ـ بأنه "تقييد كامل لحرية المرأة ويضعها تحت الإقامة الجبرية كما أنه يطعن في أخلاق النساء ويؤثر أيضًا على عملهن في الجانب المدني والإغاثة الإنسانية".
"الكارثة أن هذا القرار حظي بتأييد طيف كبير من المجتمع وهذا بسبب استخدام الدين كحجة لتنفيذ القرار، حتى الأحزاب السياسية لم تعترض ولم يكن لها موقف" كما تقول.
ويُشكل هذا القرار شكلاً من أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي ويرسخ التمييز الذي تواجهه النساء في اليمن على أساس يومي، بحسب منظمة العفو الدولية، التي حذرت من تداعيات هذا القرار على وصول اليمنيين المحتاجين إلى المساعدات، وخاصة النساء والفتيات.
وترى المنظمة الدولية أن جميع أطراف النزاع المسلح في اليمن، مُلْزمة بموجب القانون الإنساني الدولي، بضمان حرية تنقل موظفي الإغاثة الإنسانية دون تمييز.
وكانت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان قد وثّقت عديد الانتهاكات التي تمارسها جماعة الحوثي ضد النساء. وكشفت في تقرير صدر مطلع آذار/ مارس الماضي، أن الجماعة قامت بتعريض النساء للخطر، ومنعهن من الحصول على خدمات الصحة الإنجابية في بعض المناطق، وقيّدت، إلى حد كبير، حرية تنقلاتهن بدون مَحْرَم، ومنعت سيدات من العمل في المنظمات الإغاثية. 
بالنسبة إلى المحامية الحقوقية هدى الصراري، رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، فإنّ حال النساء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين "مزرٍ جدًا". وتوضح أنه "جرى استهدافهن بشكل ممنهج بهدف تخويف المجتمع في تجاوز للعادات والقيم".
وتقول إن "النساء هُنّ أكثر الفئات تضررًا باختلاف منهجية انتهاكات أطراف الحرب. مورس ضدهنّ أبشع الانتهاكات التي ترقى لجرائم الحرب".
كما ساهم منع عمل المرأة في المنظمات الدولية بحرمان شريحة كبيرة من النساء اللاتي يعشن في المناطق النائية، من الحصول على المساعدات الإنسانية، بحسب الصراري.
وخلّفت الحرب الدائرة بين جماعة الحوثي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، عشرات آلاف القتلى ودفعت نحو 80 في المئة من السكّان للاعتماد على الإغاثة وسط أسوأ أزمة إنسانية في العالم من صنع البشر، وفقًا للأمم المتحدة.

"تم نشر هذه المادة بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".


التعليقات