توصلت دراسة جديدة نُشرت في مجلة الطب التجريبي، إلى أنّ الحرمان المزمن من النوم، لدى مجموعة صغيرة تضمّ بالغين أصحّاء، زاد من إنتاج الخلايا المناعية المرتبطة بالالتهابات، بالتوازي مع تغيير الحمض النووي للخلايا المناعية.
وقال كاميرون ماكالبين، المؤلف المشارك في الدراسة، والأستاذ المساعد في طب القلب وعلم الأعصاب بكلية إيكان للطب في جامعة ماونت سيناي بمدينة نيويورك الأمريكية، إنّه "ليس عدد الخلايا المناعية الذي ارتفع فحسب، بل قد يتم توصيلها وبرمجتها على نحو مختلف مع انتهاء الأسابيع الستة من حرمان النوم".
وتابع: "يمكن أن يهيئ هذان العاملان معًا شخصًا ما للإصابة بأمراض مثل أمراض القلب والأوعية الدموية".
وقال الخبراء إنّ كمية محدّدة من التهاب الجهاز المناعي ضرورية للجسم حتى يتمكن من محاربة الالتهابات وشفاء الإصابات، لكنّ فرط نشاط الجهاز المناعي قد يكون ضارًا، ويزيد من خطر الإصابة باضطرابات المناعة الذاتية، والأمراض المزمنة.
ورأى ستيفن مالين، الأستاذ المساعد بقسم علم الحركة والصحة في جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي الأمريكية، غير المشارك بالدراسة أنّ "هذا العمل يتوافق مع وجهات النظر القائلة في هذا المجال إنّ تقييد النوم قد يزيد من خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم".
وأضاف مالين، أنّه "من الناحية العملية، تدعم هذه النتائج الأفكار القائلة بتطوير عادات نوم جيدة بحيث تحصل في معظم الأوقات على قسط كافٍ من النوم".
•النوم الجيد يشفي
وبهدف أن يتمتّع الجسم بصحة جيدة، عليه المرور بأربع مراحل من النوم مرات عدة في الليلة. وخلال المرحلتين الأولى والثانية، يبدأ الجسم بإنقاص إيقاعه، ما يعدّنا للمرحلة الثالثة، أي النوم العميق بطيء الموجة، الذي بموجبه يستعيد الجسم قوته حرفيًا على المستوى الخلوي، بهدف إصلاح الضرر الناجم عن ضغط اليوم وترسيخ الذكريات في تخزين طويل الأجل.
ويُعتبر نوم حركة العين السريعة (REM)، المرحلة الأخيرة التي نحلم فيها. وأظهرت الدراسات أن فقدان نوم حركة العين السريعة قد يتسبّب بعجز في الذاكرة وضعف بالنتائج المعرفية، إضافة إلى الإصابة بأمراض القلب، وأمراض مزمنة أخرى، والموت المبكر.
ومن جهة أخرى، كانت توصلت سنوات من الأبحاث إلى أنّ النوم، خصوصًا الأعمق والأكثر علاجًا، يعزّز وظائف المناعة.
وبما أن كل مرحلة نوم تستغرق 90 دقيقة تقريبًا، فإن معظم البالغين يحتاجون بين 7 و8 ساعات من النوم غير المنقطع نسبيًا لتحقيق النوم التصالحي، بحسب ما ذكرته المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها.
•زيادة بعلامات الالتهاب
وشملت الدراسة الصغيرة 14 شابًا يتمتعون بصحة جيدة ولا يعانون من مشاكل في النوم. وقال ماكالبين إنّ مدة الدراسة كانت طويلة أيضًا، ما منحها عناصر قوة.
وتابع أنّ "دراسات كثيرة وضعت حول النوم استغرقت يومًا واحدًا، أو يومين، أو ربما أسبوع أو أسبوعين"، لافتًا إلى أنّ "القليل منها تابع تأثير النوم على مدى ستة أسابيع طويلة، وهذا ما قمنا به".
وارتدى المشاركون بالدراسة مقياس التسارع حول معصم اليد، ما سمح للباحثين بتتبّع جودة نومهم ومدّته خلال 24 ساعة. وعلى مدى الأسابيع الستة الأولى، نام كل مشارك في الدراسة بين 7 و8 ساعات، وهي الفترة الموصى بها لنوم البالغين من قبل المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها. وخلال الأسابيع الستة التالية، تم خفض معدل نوم هؤلاء مدة 90 دقيقة كل ليلة.
وفي نهاية كل دورة امتدّت لستة أسابيع، كان يتم سحب الدم في الصباح والمساء، وتحليل تفاعل الخلايا المناعية. ولم يتم العثور على تغييرات سلبية لدى الأشخاص الذين حصلوا على قسط كافٍ من النوم. ورغم ذلك، بعدما قضى المشاركون في الدراسة ستة أسابيع من تقييد النوم، وجدت اختبارات الدم زيادة في نوع معين من الخلايا المناعية لدى سحب الدم خلال فترة المساء.
وأوضح ماكالبين أنّ "سبب هذا الخلل الناجم عن تقييد النوم خاص جدًا، ويصيب نوعًا واحدًا من الخلايا المناعية تُعرف باسم الخلية المناعية أحادية الخلية، في حين أن الخلايا المناعية الأخرى لم تستجب"، لافتًا إلى أنّ "الأمر يُعتبر مؤشرًا على وجود التهاب".
كما بيّنت اختبارات الدم تغيّرات جينية داخل الخلايا المناعية أحادية الخلية بعد فترة طويلة من الحرمان من النوم. والإبيجينوم عبارة عن بروتينات ومواد كيميائية تجلس مثل النمش على كل جين، في انتظار إخبار الجين "ماذا يفعل، وأين، ومتى يقدم على فعله"، وفقًا لما ذكره المعهد القومي لأبحاث الجينوم البشري.
ويقوم الإيبيجينوم حرفياً بتشغيل الجينات وإيقافها، وغالباً ما يعتمد على المحفزات البيئية، والسلوكيات البشرية، مثل التدخين، أو تناول نظام غذائي التهابي، أو المعاناة من قلة النوم المزمن.
وقال مالين: "بينت النتائج أنّ العوامل التي قد تعدّل التعبير الجيني للبروتينات المرتبطة بالالتهاب، والمعروفة باسم إبي-جينوم، تتعدّل عن طريق تقييد النوم".
وتابع: "هذا التعديل يزيد من خطر أن تُصبح الخلايا المناعية أكثر التهاباً بطبيعتها. ولم تقم الدراسة بتدابير وظيفية أو سريرية لتأكيد مخاطر المرض، لكنها تضع الأساس للدراسات المستقبلية للنظر بهذه الآليات".
•هل التغييرات دائمة؟
وعَكَس النشاط المناعي لدى الفئران المحرومة من النوم نشاط الإنسان، إذ زاد إنتاج الخلايا المناعية، وشوهدت تغيرات جينية في الحمض النووي للخلايا المناعية. وفي هذه الدراسات، سُمح للفئران بالحصول على نوم جيد لمدة 10 أسابيع قبل أن يتم اختبارها مرة أخرى.
ورغم حصولها على قسط كافٍ من النوم لفترة طويلة من الزمن، وجد الباحثون أنّ تغيّرات الحمض النووي بقيت، وأنّ الجهاز المناعي واصل إنتاجه الزائد، الأمر الذي يجعل الفئران أكثر عرضة للالتهابات والمرض.
وأوضح ماكالبين: "تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنّ التعافي من النوم غير قادر على عكس تأثيرات النوم السيئ في الفئران بشكل كامل"، مضيفًا أنّ مختبره يواصل العمل مع الناس لمعرفة ما إذا كانت هذه النتيجة تنسحب على البشر أيضًا.
وأفاد فيليب سويرسكي المؤلف الرئيسي للدراسة، ومدير معهد أبحاث القلب والأوعية الدموية بإيكان ماونت سيناي، في بيان، أنّ "هذه الدراسة بدأت بتحديد الآليات البيولوجية التي تربط بين النوم والصحة المناعية على المدى الطويل. وهذا أمر مهم لأن ملاحظة رئيسية أخرى تكشف أنّ النوم يخفّف من الإصابة بالالتهاب، فيما النوم المتقطّع يزيد من خطر الإصابة به".