في الوقت الذي يعيش فيه اليمن على وقع هدنة ثالثة ترعاها الأمم المتحدة كان لها دور في تحقيق استقرار نسبي في الوقود، فوجئ المواطنون في صنعاء وعدة مدن يمنية بتجدد الأزمة مرة أخرى، خلال الفترة الأخيرة، على أثر إعلان شركة النفط في العاصمة اليمنية التابعة للحوثيين خطة طوارئ في الإمدادات بمناطق نفوذها.
وتشهد صنعاء ومناطق عدة في شمال اليمن أزمة وقود خانقة مع بدء تنفيذ خطة الطوارئ، الأحد الماضي، وسط جدل واسع واتهامات متبادلة بين جميع الأطراف بخرق اتفاق الهدنة الذي تضمن بندا يسمح بمرور السفن المحملة بالوقود إلى ميناء الحديدة وفق آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (الأونڤيم) بالإشراف على تدفق المشتقات النفطية المستوردة إلى الميناء الواقع شمال غربي اليمن.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن السويدي هانس غروندبرغ قد كشف، منتصف الشهر الماضي، عن دخول 33 سفينة إلى ميناء الحديدة محملة بقرابة مليون طن متري من مختلف المشتقات النفطية منذ بدء سريان الهدنة في 2 إبريل/ نيسان 2022.
وعبر مواطنون وسائقو مركبات ومزارعون عن تذمرهم وسخطهم من عودة أزمة الوقود وتحولها إلى ساحة حرب للمتصارعين بالرغم من اتفاق الهدنة وتوقف الاشتباكات العسكرية في الجبهات العسكرية.
المواطن عبد السلام العمراني من سكان مدينة صنعاء، يقول لـ"العربي الجديد"، إن الحرب مستمرة على الشعب اليمني والدليل عودة أزمة الوقود التي تنعكس بشكل مباشر على الأسواق ومختلف جوانب الحياة المعيشية والخدمات العامة خصوصاً في أسعار السلع الأساسية والمواصلات التي تشهد كما يلاحظ أزمة خانقة في العاصمة اليمنية صنعاء.
وبدت صنعاء يوم الأحد الماضي بشوارع شبه خالية من السيارات والمركبات مع تكدس المواطنين الباحثين عن مركبات وباصات النقل داخل المدينة التي انخفض بشكل كبير عددها مع إقدام وسائل النقل المستمرة بالعمل على رفع أجرة المواصلات من 100 ريال إلى 200 ريال (الدولار = نحو 560 ريالا في صنعاء).
ويؤكد سائق باص نقل في شوارع مدينة صنعاء، يدعى يحيى مصلح، لـ"العربي الجديد"، أنه اضطر لتوفير الوقود من السوق السوداء التي عادت للانتشار في مناطق وشوارع وأحياء العاصمة اليمنية بسعر يتجاوز 16 ألف ريال للصفيحة الواحدة من البنزين 20 لتراً، وذلك لكي يستمر في العمل لإعالة أسرته المكونة من 6 أفراد مصدر رزقهم الوحيد هذا الباص الذي يعمل عليه.
وتتضمن خطة الطوارئ التي أعادت سلطة صنعاء العمل بها توزيع الوقود بكميات مقننة على محطات التعبئة وفق كشف محدد سلفاً بأسمائها ومواقعها، ما تسبب بأزمة إمدادات واسعة واصطفاف السيارات والمركبات في طوابير طويلة أمام محطات التعبئة التجارية بدون تغيير في سعر الصفيحة الواحدة من البنزين التي تصل إلى 12 ألف ريال.
وحسب مصادر مسؤولة في شركة النفط التابعة للحوثيين بصنعاء، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة شهد تراجعا كبيرا منذ منتصف الهدنة الثانية وتحديداً منذ شهر يوليو/ تموز مع عودة عملية الاحتجاز لتشمل جميع سفن الوقود دون استثناء، واحتجازها لفترات متفاوتة بخلاف فترة تأخيرها في جيبوتي في انتظار التفتيش والحصول على تصاريح الدخول إلى موانئ الحديدة من آلية التحقق والتفتيش الأممية.
وفي المقابل، اتهمت الحكومة اليمنية الحوثيين بخلق أزمة وقود غير حقيقية بهدف ضخ الكميات المخزنة من النفط، التي تم إدخالها من بداية الهدنة ككميات تجارية إلى السوق السوداء لمضاعفة أرباحها منها، حيث تم تفريع 35 سفينة في ميناء الحديدة وهي جميع السفن التي تقدمت بطلباتها منذ بداية الهدنة في اليمن.
وأكدت الحكومة اليمنية أنه لا يوجد أي استحداث أو قيود خاصة، قديمة أو جديدة، مفروضة من قبلها على مرور سفن الوقود إلى موانئ الحديدة، وأن الإجراءات هي ذاتها التي يجري التعامل بها منذ بداية الهدنة المعلنة في 2 إبريل 2022، وهي الإجراءات نفسها تماما التي تطبق في الموانئ العاملة في اليمن.
وقال مصدر حكومي مسؤول، فضل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن خلق مثل هذه الأزمات تهرب واضح من قبل الحوثيين للتنصل من التزاماتهم في الهدنة والذين لم ينفذوا ما عليهم من إجراءات كفتح الطرق في تعز بالرغم من تنفيذ الحكومة التزاماتها وأهمها إعادة تشغيل مطار صنعاء ومرور السفن المحملة بالوقود إلى ميناء الحديدة.
وأضاف أن هذا الإجراء يستند إلى تفاهمات استوكهولم في الملحق الاقتصادي الذي يلزم الحوثيين بتوريد ما يتم تحصيله من قبلهم من إيرادات الجمارك والضرائب بإشراف الأمم المتحدة وفق بند خاص بالاتفاق يتعلق بصرف رواتب الموظفين المدنيين.
وقامت الحكومة اليمنية، نهاية العام 2018، بتحويل خطوط الشحن التجاري إلى اليمن من ميناء الحديدة، شمال غربي البلاد، إلى ميناء عدن جنوباً بعد معارك طاحنة شهدتها محافظة الحديدة قبل أن يوقفها اتفاق استوكهولم الذي تضمن ملحقا اقتصاديا خاصا يحدد عمل ميناء الحديدة في استقبال السفن التجارية واقتصار ذلك بشكل خاص على سفن الوقود وفق آلية تفتيش تشرف عليها الأمم المتحدة.
بدوره، يرى مدير الغرفة الملاحية في الحديدة حسن عبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تحويل خطوط الشحن من ميناء الحديدة كان له تأثير سلبي كبير على الاستيراد وحركة الشحن التجاري إلى اليمن، إضافة إلى مضاعفة المسافة الزمنية لوصول السفن بشكل عام بما يقارب ثلاثة أضعاف بعد التوقف في عدة موانئ للتفتيش، ما ضاعف تكاليف التوريد وانعكاس ذلك على ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية.