بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب والأزمة الإنسانية ظهر أن هناك بصيص صغير من الأمل بخصوص السلام في اليمن، و لأول مرة منذ عام 2016 تم تمديد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة من شهرين إلى ستة أشهر وصمدت إلى حد كبير.
اتفقت الأطراف المُتحاربة على وقف العمليات الهجومية والسماح للرحلات الجوية التجارية بدخول صنعاء ولسفن الوقود دخول ميناء الحديدة، كما يناقشون فتح الطرق المؤدية إلى مدينة تعز المحاصرة، والأهم من ذلك اتخاذ المزيد من الخطوات لإنهاء الصراع.
ومع ذلك، لا يزال تحقيق التسوية الشاملة يمثل تحدياً؛ حيث يوضح استمرار حصار تعز والقتال الأخير بين القوات المتحالفة اسمياً بعض الصعوبات التي سيواجهها الدبلوماسيون.
و للمساعدة في تحويل وقف إطلاق النار الحالي إلى سلام دائم ، يجب على المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى اليمن أولاً مواصلة الضغط من أجل تمديد الهدنة، ومواصلة الضغط العام أيضاً على الحوثيين لإنهاء انتهاكات وقف إطلاق النار ومواصلة محاولة رفع القيود المفروضة على السفر داخل البلاد ومع العالم الخارجي.
•ما الذي تم إنجازه في الهدنة؟
تمثل الهدنة بالفعل إنجازًا مهمًا؛ ففي الشهرين الأولين بعد توقيع وقف إطلاق النار انخفض عدد القتلى بنسبة 85 في المائة، مما يعادل إلى 400 مقارنة بنحو 2600 في الشهرين الماضيين (العديد من الخسائر المستمرة كانت بسبب الألغام الأرضية بدلاً من القتال النشط).
كما أفاد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن أن الأسبوع الأول من أغسطس شهد أقل عدد من الضحايا المدنيين منذ بدء الحرب، بالإضافة أيضاً إلى إنقاذ آلاف الأرواح، وقد أدت الهدنة مزيداً من التنقل داخل البلاد ، حيث يشعر الكثير من الناس براحة أكبر في الذهاب إلى العمل والسماح لأطفالهم للعب في الخارج.
وساهمت الهدنة أيضاً في خفض التوترات الإقليمية؛ فقد توقفت الهجمات عبر الحدود بما في ذلك الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن وضربات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار في المملكة العربية السعودية. كما جلبت الهدنة بعض الإغاثة الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في البلاد، حيث هبطت أول رحلة تجارية منذ بداية الحرب في مطار صنعاء في مايو، و منذ ذلك الحين سافر ما لا يقل عن 34 رحلة ذهاباً وإياباً مع أكثر من 15000 مسافر بين الأردن وصنعاء.
و كانت هناك أيضاً ثلاث رحلات تجارية ذهاباً وإياباً في كل أسبوع من شهر أغسطس.
بالإضافة إلى ذلك، تم السماح لـ 33 سفينة بدخول ميناء الحديدة، مما جلب ذلك ما يقارب مليون طن متري من منتجات الوقود، ومع ذلك لا تزال أسعار الوقود والغذاء مرتفعة بالنسبة لمعظم اليمنيين، فهم يواجهون ارتفاع الأسعار العالمية، وانخفاض احتياطيات العملة ، مما يجعل من الصعب تمويل الواردات، والازدواج الضريبي على العديد من السلع بفعل القوى من كلا الجانبين، والتضخم المالي ، و انقطاع رواتب القطاع العام و عوامل أخرى كثيرة.
و أخيراً فتحت الهدنة مساحة لمحادثات أوسع بين اليمنيين أنفسهم، فعلى سبيل المثال استضاف مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية منتدى في ستوكهولم في يونيو، جمع القادة السياسيين اليمنيين والمجتمع المدني لمناقشة مجموعة من القضايا من قطاع الأمن والإصلاح الاقتصادي إلى إشراك المرأة في المفاوضات المستقبلية، وتُعد مثل هذه المحادثات ضرورية في حال أراد اليمنيون التفاوض على سلام دائم.
•لا تزال الهدنة هشة
و على الرغم من هذه الإنجازات فإن دوام الهدنة ليس مضموناً، في ظل استمرار الانتهاكات، مثل سقوط قذيفة حوثية في 24 يوليو / تموز في تعز، والتي أسفرت عن مقتل طفل وإصابة 11 آخرين.
و في الواقع، تُظهر البيانات من موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث التابعة لمشروع مراقبة الهدنة في اليمن أن الحوثيين مسؤولون عن حوالي 93 في المائة من جميع أحداث خرق الهدنة حتى 12 أغسطس (1،883 من أصل 2011)، بالإضافة إلى هجوم آخر في تعز في 28 أغسطس، كما رفضت أيضاً قوات الحوثي فتح الطرق المؤدية إلى تعز، مما دفع المبعوث الخاص للأمم المتحدة تقديم عدة مقترحات لمعالجة هذا الأمر، وتم قبول أحد هذه المقترحات في يوليو من قبل الحكومة المعترف بها دولياً ولكن الحوثيين رفضوا.
و في نتاج ذلك، سيستمر أهالي تعز في المعاناة الإنسانية.
علاوة على ذلك هبطت رحلة تجارية واحدة فقط من صنعاء في القاهرة، وبعد ذلك أغلقت السلطات المصرية الطريق لمخاوف امنية.
و في هذا السياق كافح الدبلوماسيون لدفع الأطراف المتصارعة إلى التحرك نحو مفاوضات سلام أكثر شمولاً، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص (هانز جروندبرج) يأمل في تمديد الهدنة لمدة ستة أشهر بدلاً من شهرين في أوائل أغسطس لإتاحة مزيد من الوقت لمثل هذه المحادثات، وبالتالي انتهت المفاوضات بشأن تمديد بسيط لمدة شهرين إلى الوراء.
وعلى الرغم من أن (جروندبرج) قد اقترح هدنة موسعة بشروط معينة مثل توفير جهات طيران تجارية إضافية، إلا أنه تم تجديد الهدنة في شكلها الحالي الأصغر وحسب.
تعتبر الهدنة اتفاق بين الحكومة المعترف بها دولياً والسعودية من جهة والحوثيين من جهة أخرى، لكن الحرب في اليمن أكثر تعقيداً من الصراع ذي الوجهين، حيث كشف القتال الأخير في شبوة بين القوات المرتبطة بحزب الإصلاح وكتائب العمالقة المدعومة من الإمارات العربية المتحدة وقوات دفاع شبوة مرة أخرى التوترات بين الجماعات المتحالفة اسمياً مع الحكومة المعترف بها دولياً، كما أنها مارست ضغوطاً على مجلس القيادة الرئاسي الذي تم تشكيله حديثاً ، وهو هيئة مكونة من ثمانية رجال تمثل عدة فصائل من التحالف المناهض للحوثيين، كما تُظهر جولة القتال الأخيرة هذه مشكلة طويلة الأمد، فحتى الاتفاق الدائم بين الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين لن يكون كافياً لإنهاء العنف في اليمن ، ناهيك عن "إعادة توحيد البلد المحترب منذ سنوات".
•ما الذي يمكن أن يفعله المجتمع الدولي ؟
عاد الدبلوماسيون إلى العمل مباشرة بعد إعلان 2 أغسطس عن آخر تمديد للهدنة، حيث وضع (جروندبرج) في أحدث إحاطة إعلامية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي خطة لهدنة موسعة، وتتضمن الخطة آلية لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية بانتظام ، وفتح طرق تعز ، وتوسيع مسار الرحلات ، و التدفق المنتظم للوقود عبر الحديدة، كما ستخلق الهدنة الموسعة منتديات لمعالجة القضايا الاقتصادية والإنسانية وبدء عملية انتقال سياسي، وقام كلا الطرفين بمراجعة هذه الشروط، وعلى الرغم من أنهما لم يتوصلا إلى اتفاق بعد ، فقد خلص (جروندبرج) بحذر إلى أن "هناك منطقة اتفاق محتملة يمكن تمييزها".
وتتمثل إحدى المشكلات الرئيسية في أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لديهما نفوذا ضئيلا على الحوثيين لضمان بقائهم نشطين في المفاوضات؛ إلا أن هذا لا يمكن التغلب عليه.
و لسببٍ واحد خلقت الهدنة زخماً خاصاً بها، حيث أصبحت الهدنة الآن هي القاعدة ومن المرجح أن يعاني كلا الطرفين من تداعيات كثيرة إذا انسحبوا.
و في ضوء ذلك تعد موافقة الحوثيين في النهاية على تمديد الهدنة الأخير حتى بعد الإشارة بقوة إلى أنهم لن يفعلوا ذلك, أمراً مشجعاً للغاية.
كما يمكن للمبعوث الخاص للأمم المتحدة الاستمرار في لعب دور حاسم في تسوية الخلافات حول التنفيذ والتي كانت بمثابة سقوط لوقف إطلاق النار في اليمن في الماضي، فعلى سبيل المثال: لم تبدأ الرحلات الجوية التجارية إلا بعد حوالي ستة أسابيع من توقيع الهدنة بسبب الخلافات بين الأطراف حول ما إذا كان الركاب سيتمكنون من السفر جواً على جوازات سفر الحوثيين، و تمكن المبعوث الخاص من إعادة الطرفين إلى نفس الصفحة من خلال المزيد من الدبلوماسية المكوكية.
ولذا يُعد دور الأمم المتحدة كحكم موثوق به، مما يسمح للمبعوث بمواصلة خدمة ما وراء الكواليس، ولكن على شكل دور حيوي لضمان تنفيذ شروط الهدنة، وبالتالي بناء الثقة بين الأطراف.
قد يشعر البعض في جانب الحكومة المعترف بها دولياً بالقلق من أنهم قدموا بالفعل الكثير من التنازلات، وأن الحوثيين يستخدمون ببساطة فترة الهدنة لإعادة تجميع صفوفهم وإعادة انتشارهم. ويتمحور قلقهم حول أن المجتمع الدولي سيوقع ببساطة صفقة ويبتعد عن اليمن تماماً، مما سيسمح للحوثيين بأن يصبحوا سلطة الأمر الواقع حينها، إلا أن الولايات المتحدة لديها المزيد من النفوذ، ويمكنها أن تقدم الضغط والتأكيد على حد سواء لإبقاء مجلس القيادة الرئاسي منخرطاً في مفاوضات الهدنة.
كما يمكن لتصريحات الولايات المتحدة حول الوضع الإنساني في تعز على سبيل المثال، أن تضغط على الحوثيين لفتح الطرق وتؤكد للحكومة المعترف بها دولياً أن مخاوفهم لم تخرج من جدول الأعمال، و يمكن أيضاً أن يساعد استمرار المشاركة الدبلوماسية في بناء الثقة لدى كِلا الجانبين بأن المجتمع الدولي سوف يلتزم بدوره لضمان تنفيذ شروط الهدنة فعلياً.
كما يدعم مكتب المبعوث الخاص للولايات المتحدة العملية التي تقودها الأمم المتحدة، اللذان يعملان على إنهاء عملهما بشأن تنفيذ شروط الهدنة والعمل على نجاحها.
لذا ستكون عملية إنهاء الحرب عملية بطيئة ومضنية وتتطلب استثماراً طويل الأجل في الدبلوماسية، وحتى إذا صمدت الهدنة فلن تنتهي الحرب في اليمن.
وسيتم العمل على إصلاح الدولة المجزأة بشدة أو إعادة تصورها، حيث يجب توسيع المفاوضات السياسية لإيصال أصوات المرأة اليمنية والمجتمع المدني، كما يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مقاومة الرغبة في الابتعاد عن اليمن نحو الأزمة الدولية التالية.
و بدلاً من ذلك ينبغي أن تظل الولايات المتحدة منخرطة على المدى الطويل بشأن أزمة اليمن وأن تواصل دعم العملية التي يقودها اليمنيون أنفسهم، و كما قال (جروندبيرج) في إحاطته لمجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع: "نحن بحاجة إلى إنهاء الصراع ، وليس مجرد إدارته"، و يُعد قبول اقتراح المبعوث بتمديد الهدنة الموسعة بحلول 2 أكتوبر، مؤشر جيد للتمديد عند انتهاء الهدنة الحالية.