دخل الصراع على الموارد العامة في اليمن منعطفاً جديداً، مع خطوات المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بالانفصال، والمدعوم إماراتياً، للسيطرة على منافذ الإيرادات المتأتية من مناطق النفط والغاز والموانئ والقطاعات الحيوية الأخرى، في تحرك وصفه محللون بالانفصال المالي المتزامن مع تحركات سياسية وعسكرية.
تحولت العديد من المحافظات والمناطق في جنوب اليمن إلى ساحات للقتال والتوترات للهيمنة على الموانئ والثروات النفطية والغازية، التي تمثل أهمية كبيرة للاقتصاد اليمني، ما أثار قلق الحوثيين الذين يتنافسون أيضا على بسط نفوذهم على موارد البلد، مطالبين الشركات وناقلات النفط بعدم الاقتراب من خزانات التصدير، قائلين إنّ "المالك الوحيد لهذه الثروة هو الشعب اليمني ولا يجوز لأيّ جهة داخلية أو خارجية أن تتصرف خارج إرادة المالك الأصلي".
وشهدت مناطق جنوب اليمن تحركات عسكرية واسعة خلال الأشهر الأخيرة من قبل القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على الموارد النفطية والغازية، بالتزامن مع ترتيب وضعية الشركات النفطية والاستعداد لإعادة الإنتاج من الحقول المتوقفة، وفق مصادر في قطاع النفط.
•سيطرة على الموارد
وتثير هذه التحركات مخاوف العديد من خبراء الاقتصاد، إذ تأتي في إطار الصراع على الموارد دون أن يكون لاستئناف الإنتاج والتصدير مردود على اليمنيين الذين يعاني معظمهم من الفقر وتردي الخدمات.
يقول الخبير الاقتصادي اليمني مجدي عامر لـ"العربي الجديد" إنّه "لا بد من الشفافية في التعامل مع الموارد العامة التي يستغلها ويستفيد منها جماعات ومجالس وتشكيلات عسكرية خارج إطار الدولة، والتي تسعى لبسط نفوذها وسيطرتها على الموارد النفطية والغازية والإشراف على عملية التصدير وتقاسم العائدات، وبالتالي فرض أجندتها وأهدافها التي تسعى لتحقيقها كما يلاحظ ذلك من تصرفات وأفعال الشريك الرئيسي للحكومة المتمثل بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرفع شعار الانفصال".
وتتضمن دائرة الصراع كذلك بسط النفوذ على الموانئ البحرية والبرية، التي أصبحت من أهم المنافذ الإيرادية، إذ تشير بيانات إحصائية إلى أن متوسط الواردات السلعية عبر المنافذ البحرية اليمنية يصل إلى 66.7%، بينما يبلغ متوسط الواردات السلعية عبر المنافذ البرية 31.8%.
وتتحدث مصادر مسؤولة في ميناء عدن، عن مساعٍ لرفع قدراته الاستيعابية بنسبة تتجاوز 62% مقارنة بما كان عليه الوضع في العام 2018، عندما قررت الحكومة اليمنية تحويل خطوط الشحن التجاري من ميناء الحديدة غربي اليمن إلى ميناء عدن (جنوب).
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي مراد منصور، لـ"العربي الجديد"، إن "العبث بثروات اليمنيين ونهب الموارد العامة وصل إلى ذروته في ظل عدم وجود حسيب أو رقيب، فقد جرى تسليم الموانئ مثل ميناء عدن وميناء المخا وموانئ حضرموت وشبوة والمهرة إلى فصائل وجماعات تستأثر بعائداتها خارج الإطار الرسمي بعدما فرضت سيطرتها على القرار الحكومي، ناهيك عما تجنيه جماعة الحوثي من إيرادات واسعة من ميناء الحديدة وسلسلة الجبايات المتعددة التي تقوم بتحصيلها".
•صعود قوي لعائدات النفط
وسجلت عائدات النفط ارتفاعاً ملحوظاً في اليمن خلال النصف الأول من العام الحالي 2022، بوصولها إلى نحو 739 مليون دولار، بزيادة بلغت نسبتها 34% عن نفس الفترة من العام الماضي التي سجلت 551.7 مليون دولار.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن الصراع الاقتصادي في اليمن أصبح أكثر حدة وأكثر ارتباطاً بالصراع العسكري. وتتمثل أكثر ملامحه وضوحاً في انقسام المصرف المركزي إلى سلطتين متنافستين في صنعاء وعدن، إضافة إلى الصراع القائم للسيطرة على التدفقات التجارية والضرائب المترتبة على الوقود بشكل خاص.
واعتبر زعيم حركة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن، عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن "كل عائدات النفط والغاز منهوبة الآن من قبل تحالف العدوان واللصوص والمحتلين وجزء منها يأكله الخونة". ويصل إجمالي عدد الحقول في مناطق الامتياز في اليمن إلى 105 حقول يتركز معظمها في محافظات شبوة وحضرموت ومأرب وجزء من محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء).
وساهم الصراع الاقتصادي المحتدم على الموارد العامة في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وفقدان نحو 40% من الأسر مصدر دخلها الرئيسي. ووصلت نسبة الفقر وفق تقديرات رسمية إلى نحو 80% من السكان، مقارنة بنحو 49% في آخر عام قبل اندلاع الحرب، فيما يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 17 مليوناً إلى مساعدات لتلبية احتياجاتهم اليومية، وفق الأمم المتحدة.
ويرى المحلل الاقتصادي أمين البعداني، لـ"العربي الجديد"، أن الصراع على الموارد العامة ليس وليد اللحظة في اليمن بل يجري ذلك منذ نهاية العام 2014، لكنّه حالياً أصبح بشكل علني مع تعدد الفصائل العسكرية وتضخم نفقات كلّ طرف، في حين لا يعلم أحد عن المستوى الحقيقي لكميات النفط التي تعمل الحكومة اليمنية منذ أربع سنوات على تصديرها وعائداتها وأين تذهب، في ظل عدم القدرة على إعادة الدورة النقدية منذ نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن نهاية العام 2016.