يبدو أن المكاسب المرتبطة ببرامج التطعيم ضد مرض "كوفيد-19" لا تقتصر على البالغين، وإنما تتعدَّاهم إلى الأطفال غير المطعَّمين في كثير من بقاع العالم. فقد رُصِد انخفاض في معدلات انتشار العدوى بين الأطفال، بالتزامن مع حصول البالغين على اللقاح. أما دلالة هذه النتيجة، وما إذا كان ذلك يعني استبعاد احتمالية تحوُّل الأطفال غير المطعَّمين إلى "مستودع" للعدوى، وربما بؤرة للسلالات المتحوِّرة الجديدة، فهو تساؤل لا يزال محلَّ خلاف بين الخبراء.
من شأن الإجابة عن هذا السؤال أن تؤثر في موقف البلدان الغنية من هذه القضية: هل تضع الأطفال على سُلَّم أولويات برامج التطعيم لديها، أم يجدُر بها – عوضًا عن ذلك - توجيه الجرعات المخصَّصة للأطفال إلى البلدان الأشد فقرًا؟
ووفق تقرير علمي نقلته مجلة "نيتشر" يوم الاثنين 05 يوليو 2021 فقد وردت بيانات مثيرة للاهتمام بشأن تأثير تطعيم البالغين على الأطفال في بلدة سيرانا، الواقعة في ولاية ساو باولو البرازيلية، حيث حصل 98% من البالغين على اللقاح. كانت هذه البلدة قد شهدَتْ إجراء تجربة فريدة من نوعها – أُطلِق عليها "المشروع إس" Project S - لقياس الفعَّالية الواقعية للقاح "كورونافاك" CoronaVac، الذي طورته شركة "سينوفاك" Sinovac، ومقرها بكين.
سبق هذه التجربة إجراءُ بعض التجارب الإكلينيكية الأخرى، خلُصَتْ إلى أن لقاح شركة "سينوفاك" أقلُّ من اللقاحات الأخرى نجاحًا في منع الإصابات المصحوبة بأعراض، إذ سجَّل فعالية متدنّية، بلغَتْ نسبتها 50%.
ولكن في الحادي والثلاثين من مايو الماضي، نُظِّم مؤتمر صحفي في مدينة ساو باولو، قدَّم فيه باحثون بمعهد بوتانتان، الكائن بالمدينة، إفادةً مفصَّلة عما رُصد من انخفاض لافت في أعداد الإصابات بمرض "كوفيد-19"، وكذا الوفيات الناجمة عنها؛ إذ انخفضت الإصابات المصحوبة بأعراض بنسبة 80%، كما انخفض معدّل الوفيات بنسبة 95%. ورغم أن نسبة البالغين من سكان سيرانا – البالغ عددهم 45 ألف نسمة – لا تزيد على 62%، شهدت معدلات الإصابة المصحوبة بأعراض بين الأطفال غير المطعَّمين انخفاضًا مماثلًا، حسبما يقول ريكاردو بالاسيوس، عالِم الوبائيات الذي قاد الدراسة.
وقد وقعَتْ سيناريوهات مماثلة في بلدان ارتفعت بها معدلات التطعيم، مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ففي الولايات المتحدة، انخفضت الإصابات بين الأطفال (ويُقصد بهم، بوجهٍ عام، الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا) بنسبة 84% خلال الفترة الممتدة بين شهرَي يناير ومايو من العام الجاري. يُذكر أن نسبة مَن تلقَّوا جرعة واحدة من اللقاح على الأقل في الولايات المتحدة تزيد بالكاد على نصف عدد السكان، وغالبيتهم من البالغين.
تقول مونيكا غاندي، اختصاصية الأمراض المعدية بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: "إنها نتيجة منطقية"؛ فالبالغون الذين تلقَّوا اللقاح يوفرون الحماية لغير المُطعَّمين. وأضافت: "هذا ما تعنيه مناعة القطيع في واقع الأمر".
وتشير مونيكا كذلك إلى أدلة تثبت أن احتمالات نقل الأطفال للفيروس تقل عن نظيرتها لدى البالغين؛ وهو سبب آخر يفسر استبعاد احتمالية أن يشكِّل الأطفال مستودعات فعالة لنقل العدوى (K. McCartney et al. Lancet Child Adolesc. Health 4, 807–816; 2020). وتقول مونيكا إن طريقة تأثير الفيروس على الأطفال "تختلف بوضوح" عن طريقة تأثيره على البالغين؛ ربما لأن المجرى التنفسي لدى الأطفال يحوي عددًا أقل من المستقبِلات التي يَعتمِد عليها فيروس "سارس-كوف-2" في دخول الخلايا.
وفي إسرائيل، شهِد معدل الإصابة بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 16 عامًا انخفاضًا هائلًا، إذ تراجع هذا المعدل من 559 إصابة بين كل 100 ألف نسمة في منتصف يناير الماضي إلى 1.5 إصابة بين كل 100 ألف نسمة حاليًّا. وعلى الرغم من إعادة فتح معظم المدارس بحلول شهر مارس، تضاءلت معدلات الإصابة بين الأطفال غير المطعَّمين. وهذا يرجّح أن العدوى إنما تنتقل إلى الأطفال من الكبار، حسبما يقول إيريك هاس، اختصاصي طب الأمراض المعدية للأطفال، وعالِم الوبائيات في وزارة الصحة الإسرائيلية بالقدس.
على أنَّ هذه الطريقة في قراءة البيانات لا تلقى إجماعًا في أوساط العلماء. فعالِم الفيروسات بجامعة ليستر بالمملكة المتحدة، جوليان تانج، على سبيل المثال، يرى أن السرعة التي طُرحت بها اللقاحات في إسرائيل ربما أسهمت في كبح انتشار العدوى بين الأفراد على اختلاف فئاتهم العمرية.
أما البيانات المبكرة الواردة من المملكة المتحدة - التي بلغ معدّل التطعيم فيها 60% - فترسم صورة أكثر تعقيدًا. فبحلول نهاية مايو الماضي، انخفضت معدلات الإصابة بين طلاب المدارس الثانوية من حوالي 600 حالة في كل 100 ألف شخص في يناير الماضي إلى أقل من 100 حالة بين كل 100 ألف شخص في الوقت الراهن. كما أن أعداد الإصابات بين أطفال المدارس الأصغر سنًّا تقلُّ عن ذلك الآن.
ومع ذلك، تشير البيانات الحديثة إلى أن الأطفال غير المطعَّمين ربما يلعبون دورًا بارزًا في نشر الفيروس. ففي شهر مايو، حدثت قرابة 100 حالة تفشٍّ فيروسي في مدارس إنجلترا (ويُقصَد بالتفشي الفيروسي حدوث حالتَي إصابة اثنتين أو أكثر). غير أن هذا العدد لا يمثل سوى "نسبة ضئيلة" من مدارس إنجلترا، البالغ عددها 25 ألف مدرسة، حسبما أشار شامز لاداني، اختصاصي طب الأمراض المُعدية للأطفال لدى هيئة الصحة العامة في إنجلترا.
ومن جهته، يقول تانج إنه لا ينبغي تجاهل انتقال العدوى في المدارس؛ حيث يرى أن عملية طرح اللقاح في بريطانيا كانت أبطأ من نظيرتها في إسرائيل. يُضاف ذلك إلى أن إعادة فتح المدارس تزامنَتْ مع انتشار السلالة المتحورة B.1.617.2، التي باتت تُعرَف أيضًا باسم "السلالة دلتا". ونتيجة لذلك، يرى أن انتشار الفيروس بين الأطفال قد يستمر، وكلما طال أمد الجائحة، ارتفعت احتمالات ظهور سلالات متحورة جديدة.
في العاشر من مايو الماضي، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على تطعيم الأشخاص من الفئة العمرية التي تتراوح بين 12 و18 عامًا بلقاح "فايزر" Pfizer. وعلى أثر ذلك، تلقّى 7 ملايين شخص ينتمون إلى هذه الفئة جرعة واحدة على الأقل من اللقاح. وعلى هذا الدرب نفسه سارت هيئات صحية في اليابان، والاتحاد الأوروبي، ومناطق أخرى من العالَم.
إلا أن تعرُّض الأطفال لإصابة حادة بمرض "كوفيد-19" أمرٌ نادر الحدوث. ففي مايو من عام 2020، أشارت تقديرات تستند إلى تحليل بيانات 26 دولة إلى أن نسبة تعرُّض الأطفال المصابين بالعدوى لالتهاب خطير لم تزِد على 0.14% (A. Hoang et al. EClinicalMedicine 24, 100433; 2020). وتقول مونيكا غاندي إن المضاعفات الأخرى غير شائعة بين الأطفال أيضًا.
وبالنظر إلى انخفاض معدلات المخاطر التي تواجه الأطفال حال إصابتهم بالعدوى، ارتأت منظمة الصحة العالمية أن تطعيم الأطفال ليس على درجة عالية من الأولوية، لا سيَّما أن الإمدادات العالمية من اللقاحات ليست كافية لتطعيم جميع البالغين.
أما تانج، فيرى أن تطعيم الأطفال لا يقل أهميةً لصدِّ الجائحة عن تطعيم البالغين؛ إذ يقول إن ذلك من شأنه أن يقضي على احتمالات أن يتحوَّلوا إلى مستودَع للعدوى غير المصحوبة بأعراض، كما أنه سيحُول دون ظهور سلالات متحوِّرة جديدة.