صحة
صحة: ما هي مقاومة الإنسولين؟ وهل يساعد الصيام في التغلب عليها؟
يمن فيوتشر - BBC الثلاثاء, 19 مارس, 2024 - 03:09 مساءً
صحة: ما هي مقاومة الإنسولين؟ وهل يساعد الصيام في التغلب عليها؟

كثر الحديث خلال العامين الماضيين عن "مقاومة الإنسولين" في وسائل الإعلام والتواصل الإعلامي، إذ صدرت مؤلفات وانتشرت مقاطع فيديو تشمل تمرينات رياضية بعينها أو حمية ما يقول مبتكروها إنها تهدف إلى الوقاية منها أو التغلب عليها.

 

وقد لفت المصطلح انتباه المزيد والمزيد من الناس نظرا لأن مقاومة الإنسولين قد تتحول إلى إصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، الذي يؤثر على أكثر من نصف مليار شخص حول أنحاء العالم، وغيره من الحالات المرضية الخطرة.

 

فكيف تحدث مقاومة الإنسولين وما أعراضها؟ وهل باستطاعة الصيام المساعدة في السيطرة عليها؟

 

ما هو الإنسولين؟

يعد الإنسولين، الذي يفرزه البنكرياس، من الهرمونات المهمة في جسم الإنسان. وظيفته تنظيم مستويات السكر (الغلوكوز) في الجسم، من خلال السماح للجسم بتحويلها إلى طاقة. وإذا لم ينتج البنكرياس كمية كافية من الإنسولين، أو لم يتمكن الجسم من استخدامه كما ينبغي، فإن ذلك يتسبب في مشكلات صحية كثيرة.

 

ويعمل الإنسولين في الجسم بالطريقة التالية:

 

يحول الجسم الطعام الذي تتناوله إلى غلوكوز، والذي يعتبر مصدر الطاقة الأساسي للجسم.

ينتقل الغلوكوز إلى مجرى الدم، مرسلا إشارة إلى البنكرياس لإفراز الإنسولين.

يساعد الإنسولين الغلوكوز الموجود في الدم على الدخول إلى خلايا العضلات والدهون والكبد كي تتمكن من استخدامه للحصول على الطاقة، أو تخزينه للاستخدام في وقت لاحق.

عندما يدخل الغلوكوز خلايا الجسم وتنخفض مستوياته في الدم، فإن ذلك يرسل إشارة إلى البنكرياس للتوقف عن إنتاج الإنسولين.

 

ماذا تعني مقاومة الإنسولين؟

 

مقاومة الإنسولين عملية معقدة، تحدث عندما تضعف استجابة الخلايا في العضلات والدهون والكبد للإنسولين، وتتوقف عن امتصاص الغلوكوز من الدم أو تخزينه بشكل فعال. وينتج عن ذلك أن يعكف البنكرياس على إنتاج المزيد من الإنسولين للتغلب على مستويات الغلوكوز الزائدة في الدم، ويسمى ذلك فرط الإنسولين، أو فرط الإنسولينية.

 

وطالما أن البنكرياس يضخ كميات من الإنسولين تكفي للتغلب على استجابة الخلايا الضعيفة له، تبقى مستويات السكر في الدم ضمن معدل صحي. ولكن إذا ازدادت مقاومة الخلايا للإنسولين، فإن ذلك يؤدي إلى مستويات مرتفعة من الغلوكوز في الدم، وهو ما قد يؤدي مع مرور الوقت إلى الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري وغيره من الحالات المرضية الأخرى.

 

يقول البروفيسور فرانك جوزيف، استشاري أمراض الغدد الصماء والسكري ومؤسس عيادة Dr Frank Joseph Clinic المتخصصة في مساعدة المصابين بالسمنة على إنقاص أوزانهم باستخدام أحدث العلاجات الطبية، إن مقاومة الإنسولين "مرتبطة بمزيج من العوامل البيئية والوراثية وأنماط الحياة"، مضيفا أن لها العديد من الأسباب، منها:

 

السمنة: تراكم كميات كبيرة من الدهون في الجسم، ولا سيما حول البطن (وتعرف بالدهون الداخلية وتشكل خطرا صحيا)، يرتبط بشكل قوي بمقاومة الإنسولين. فالخلايا الدهنية تفرز أحماضا دهنية ومواد مسببة للالتهاب من الممكن أن تعرقل عمل الإنسولين.

قلة النشاط الجسماني: من الممكن أن تسهم في حدوث مقاومة الإنسولين. فالحركة والتمرينات الرياضية تساعد العضلات على استخدام الغلوكوز لإنتاج الطاقة، وهو ما قد يؤدي إلى تحسين حساسية الإنسولين (مدى استجابة الجسم له).

العوامل الوراثية أو الجينية: بعض الأشخاص مستعدون وراثيا للإصابة بمقاومة الإنسولين، فبعض التنويعات والاختلافات الجينية من الممكن أن تؤثر على الكيفية التي يتعامل بها الجسم مع الإنسولين والغلوكوز.

النظام الغذائي غير الصحي: النظم الغذائية التي تحتوي على كميات عالية من الأطعمة المعالَجة، والكربوهيدرات والسكريات المكررة من الممكن أن تسهم في حدوث مقاومة الإنسولين. هذه الأطعمة من الممكن أن تؤدي إلى ارتفاع سريع في سكر الدم، وهو ما يؤدي إلى زيادة إنتاج الإنسولين مع مرور الوقت.

التوتر المزمن: هرمونات التوتر مثل الكورتيزول من الممكن أن تؤثر سلبا على قدرة الإنسولين على تنظيم مستويات السكر في الدم، وهو ما يؤدي إلى حدوث مقاومة الإنسولين.

اضطرابات النوم: قلة النوم أو رداءة نوعيته من الممكن أن يؤثرا على حساسية الإنسولين. والحرمان من النوم من الممكن أن يكون له تأثير سلبي على مستويات الهرمونات بما يؤدي إلى حدوث مقاومة الإنسولين.

بعض الحالات المرضية: حالات مثل متلازمة المبيض متعدد الكيسات ومتلازمة كوشينغ ومرض الكبد الدهني من الممكن أن تؤدي إلى خطر الإصابة بمقاومة الإنسولين.

الشيخوخة: كلما تقدمنا في العمر، كلما أصبحت خلايا أجسامنا أقل استجابة للإنسولين، وهو وما يؤدي إلى مقاومته.

 

الأعراض

يقول البروفيسور جوزيف إنه قد يكون من الصعب ملاحظة المؤشرات الأولية لمقاومة الإنسولين، التي "أحيانا لا تكون مصحوبة بأعراض ظاهرة في بداية الأمر. ولكن قد تكون هناك أعراض أولية ربما تشير إلى حدوث مقاومة الإنسولين، ومنها الإرهاق الناتج عن تذبذب مستويات السكر في الدم، صعوبة فقدان الوزن رغم اتباع حمية غذائية وممارسة التمرينات الرياضية، ظهور بقع داكنة على الجلد، ولا سيما على الرقبة أو الفخذ أو تحت الإبط، ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية (أو الكوليسترول الضار ) وانخفاض مستوى الكوليسترول النافع، ومتلازمة الرحم متعدد الكيسات".

 

ويضيف أنه إذا ما أدت مقاومة الإنسولين إلى الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري وارتفاع هائل في مستويات الغلوكوز في الدم، فإن الشخص قد يعاني من أعراض أخرى مثل كثرة التبول وزيادة الشعور بالعطش وضبابية الرؤية.

 

ويشدد البروفيسور جوزيف على أن هذه الأعراض والإشارات "قد تتفاوت من شخص إلى آخر، والإصابة بمقاومة الإنسولين لا تعني أن المصاب سيعاني من كل تلك الأعراض. كما أن تلك الأعراض قد تكون مؤشرا على الإصابة بحالات مرضية أخرى، ولذا من الضروري استشارة الطبيب والحصول على تشخيص دقيق..التشخيص المبكر والسيطرة على هذه الحالة في غاية الأهمية لمنع حدوث تعقيدات مثل النوع الثاني من مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية".

 

هل الصيام مفيد لمن يعانون من مقاومة الإنسولين؟

حظي الصيام المتقطع باهتمام كبير عبر أنحاء العالم خلال الأعوام الماضية، حيث تحدث الكثير من الأطباء وخبراء التغذية عن فوائده الصحية.

 

والصيام المتقاطع هو الامتناع عن تناول الأكل لفترة طويلة خلال اليوم، تتبعها فترة أقصر من تناول الطعام كالمعتاد، أو الامتناع عن الطعام خلال يوم كامل أو أكثر كل أسبوع.

 

يقول البروفيسور جوزيف إنه رغم أن الأبحاث المتعلقة بهذا النوع من الصيام ما تزال في مرحلة التطور، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أنه قد يساعد في تحسين حساسية الإنسولين. "على سبيل المثال، توصل بحث نشر في دورية Cell Metabolism عام 2015 إلى أن صيام يوم وإفطار يوم أدى إلى تحسين حساسية الإنسولين لدى أشخاص لا يعانون من السمنة، بدون أن يؤدي إلى تغيير أوزانهم".

 

ويضيف أن الصيام المتقطع من الممكن أن يؤدي إلى نقصان الوزن، وهو شيء يرتبط بتحسين حساسية الإنسولين وصحة الأيض.

 

لكنه يشدد على أن "الصيام المتقطع قد لا يكون مناسبا للجميع، والاستجابة له قد تتفاوت من شخص لآخر".

 

وفيما يتعلق بصيام شهر رمضان، تشير بعض الدراسات إلى أنه قد يؤدي إلى تحسين حساسية الإنسولين، ولا سيما لدى الأشخاص الذين يعانون من مقاومة الإنسولين والنوع الثاني من مرض السكري. كما أن بعض الأفراد قد يفقدون نسبة من وزنهم أو تتغير نسبة الدهون في أجسامهم خلال فترات الصوم، وهذه التغيرات من شأنها التأثير على حساسية الإنسولين وصحة الأيض، لا سيما لدى الأفراد الذين يعانون من السمنة، وفقا لجوزيف.

 

ويضيف استشاري الغدد الصماء والسكري أن تأثير صيام رمضان على مقاومة الإنسولين وصحة الأيض قد يتفاوت من شخص لآخر "وفقا لعوامل مثل السن والنوع والحالات الطبية الموجودة مسبقا والعادات الغذائية ومستوى النشاط الجسماني. من الضروري أن ينتبه الأشخاص الذين يصومون رمضان، ولا سيما هؤلاء الذين يعانون من السكري أو غيره من مشكلات تتعلق بالأيض، إلى أهمية مراقبة وضعهم الصحي واستشارة المختصين لضمان صوم آمن ورعاية مثلى لصحتهم خلال الشهر".

 

وتنبه أخصائية التغذية ريم العبد اللات إلى ضرورة اتباع عادات غذائية صحية في الفترات التي يتناول فيها الشخص الطعام لتحقيق أكبر استفادة صحية سواء من الصيام المتقطع أو صوم رمضان.


التعليقات