عندما يسأل الصائم: كيف يمكن أن يؤثر شهر رمضان على نومي؟ فإن الإجابة لن تكون واحدة لجميع الصائمين في مناطق مختلفة من العالم؛ لأن الأمر سيعتمد على متغيرات تختلف بين الصائمين.
الصيام وجودة النوم
في العموم؛ إذا كنت صائماً خلال شهر رمضان المبارك، فمن الممكن أن تتسبب التغييرات التي تصنعها بنفسك في روتين حياتك اليومية، في تأثيرات عدة على نومك؛ إما سلباً وإما إيجاباً.
وعندما تكون التغيرات التي تُحدثها في روتينك اليومي تغيرات غير صحية، حينها يمكن أن يؤثر الصيام على جودة نومك؛ لأن ذلك سيتطلب من الساعة البيولوجية لجسمك إجراء بعض التعديلات غير المألوفة كي لا تتفاقم مشكلات نومك.
خلال صوم نهار رمضان، يمتنع الصائم عن تناول الطعام وشرب الماء، وغيره من المشروبات، في فترة ما بين الفجر والغروب؛ أي إنه لا يتناول وجبة الإفطار الصباحي ولا وجبة الغداء. وعوضاً عن ذلك، يستيقظ الصائم لتناول وجبة ما قبل الفجر (السحور). ثم يتناول بعد غروب الشمس وجبة الإفطار الرئيسية.
ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ بل إن كثيراً من الصائمين لا ينامون غالب الليل، ويقضي معظم الصائمين فترة المساء مستيقظين إلى ساعات متأخرة من الليل. ويذهب غالبيتهم إلى العمل بعد نوم بضع ساعات فقط في الفترة ما بين الفجر وبداية أوقات العمل. ثم يُمضي بعض الصائمين فترة طويلة من النوم خلال ساعات آخر النهار، ويستيقظون قبل غروب الشمس.
عوامل فصلية
ومع هذا، تجدر ملاحظة أن تأثير شهر رمضان على النوم يختلف من سنة إلى أخرى، فالتقويم الهجري القمري يحتوي على 354 يوماً؛ أي أقل بـ11 يوماً من التقويم الميلادي. وهذا يعني أن شهر رمضان يأتي مبكراً 11 يوماً كل عام، وينتقل من فصل إلى آخر كل 9 سنوات. ونتيجة لذلك، يمكن أن يؤثر شهر رمضان على نومك بشكل مختلف قليلاً كل عام. وتكون مدة كل صيام يومي في شهر رمضان في الصيف أطول منها في أشهر الشتاء. ويتجلى هذا بشكل خاص كلما ابتعدت عن خط الاستواء. بمعنى أن هناك عدداً أكثر من الساعات خلال النهار في الصيف وأقل في الشتاء، مما يعني أن، خصوصاً خلال فصل الصيف، تكون ساعات الليل أقصر ووقت الفجر لبدء الصوم أبكر.
وأيضاً هناك عامل آخر يمكن أن يؤثر على النوم خلال شهر رمضان، وهو درجة الحرارة. حيث تتطلب حرارة الصيف الشديدة من الصائم ضرورة أخذ قيلولة في منتصف النهار، التي بدورها قد تؤثر سلباً على النوم ليلاً.
تغير نمط الحياة والنوم
رغم أهمية الأمر للصائمين خلال شهر رمضان والفترة التي تليه، فإنه لا يتوفر كثير من الدراسات الطبية عن تأثيرات الصوم على النوم. ولكن المتوفر منها لا يزال مفيداً جداً في فهم كيف يمكن أن يؤثر شهر رمضان على نومك، خصوصاً التأثيرات المتوقعة على النوم بسبب تغييرات نمط الحياة المرتبطة برمضان. ومن مجمل النتائج الرئيسية التي تطرحها نتائج تلك الدراسات:
- رغم إفادة كثير من الصائمين بزيادة شعورهم بالنعاس في أثناء النهار وانخفاض قدرات الأداء العملي، فإن نتائج الدراسات العلمية المُحكمة أثبتت أنه على الرغم من تأخر وقت النوم ووقت الاستيقاظ لدى الصائمين خلال شهر رمضان، فإنه لا يوجد دليل موضوعي على زيادة النعاس خلال فترة الصيام بالنهار لدرجة تؤثر على القدرات الذهنية (وليس البدنية المُجهدة) في الأداء العملي.
- تفيد بعض الدراسات بأن الإشكالية تظهر بوضوح عند عدم نوم ساعات كافية خلال كامل ساعات اليوم، أي عند عدم استيفاء نوم 8 ساعات خلال اليوم؛ جزء منها في فترة الليل نفسه، وتعويض الباقي عبر زيادة في مدة القيلولة خلال النهار. ولذا؛ بالإمكان منع الشعور بالنعاس النهاري عبر إكمال عدد ساعات النوم اليومي المطلوبة صحياً، وأن يكون جزء منها خلال فترة الليل. وإذا لم يتمكن الصائم من تحقيق هذا، فمن المتوقع جداً أن يشعر بالنعاس خلال فترة النهار.
تأثير وقت تناول الطعام
- أظهرت دراسات عدة نتائج متضاربة فيما يتعلق بالوقت الذي يستغرقه المرء للخلود في النوم وإجمالي عدد ساعات وقت النوم خلال شهر رمضان. وغالبية التناقض بين هذه النتائج هو بسبب تأثير وقت تناول الطعام (وجبة العشاء) على النوم. والدراسات التي لاحظت عدم تأثر سهولة الخلود في النوم، كانت بسبب تبكير تناول وجبة العشاء (نحو 9 مساءً)، ودون تأخيرها إلى ساعات لاحقة من الليل، ما يظهر أن التغييرات في نمط الحياة والنوم خلال هذا الشهر، لديها القدرة على التدخل في النوم.
- في جانب «مراحل النوم»، أو «بنية النوم»، والتغيرات المحتملة فيها لدى الصائمين خلال شهر رمضان، فإن بعض الدراسات أظهرت أن هناك انخفاضاً كبيراً في كمية «نوم حركة العين السريعة (REM)» في نهاية شهر رمضان.
- خلال شهر رمضان، يكون وقت النوم أيضاً متأخراً عموماً، حيث يتناول أفراد العائلة والأصدقاء الطعام ويتواصلون اجتماعياً لفترة طويلة في الليل. ويشير بعض المصادر الطبية إلى أن الدراسات وجدت أن أكثر من 60 في المائة من الصائمين الذين بقوا مستيقظين بعد الساعة الـ11 مساءً، فعلوا ذلك لأنهم كانوا يتواصلون مع العائلة والأصدقاء ويشاهدون التلفزيون. ويميل هؤلاء الأشخاص أنفسهم إلى الاستيقاظ مبكراً والنوم في وقت متأخر جداً. وغني عن القول؛ فإن أوقات الوجبات غير المألوفة وساعة الجسم المضطربة وصفة للنوم المتقطع.
تأثر مراحل النوم
وللتوضيح؛ خلال نومك تمر بنوعين من النوم: مرحلة «نوم حركة العين السريعة» ومرحلة «النوم غير حركة العين السريعة (non-REM)». وخلال كل منهما، يتصرف عقلك وجسمك بشكل مختلف خلال هاتين المرحلتين المختلفتين. و«نوم حركة العين السريعة» هو مرحلة من النوم تشارك في معالجة الذكريات العاطفية وضمان صحتنا النفسية، وبالتالي تحسين جودة الانتباه الذهني والراحة النفسية خلال ساعات الاستيقاظ في النهار.
وتتأثر كمية «نوم حركة العين السريعة» بدرجة حرارة الجسم الأساسية. ولذا؛ من المتوقع أن تؤدي الزيادة الليلية في درجة الحرارة إلى تقليل فترة مرحلة «نوم حركة العين السريعة».
وخلال شهر رمضان، قد يكون هذا بسبب تناول وجبة كبيرة في وقت متأخر من المساء. وأحد الأدلة على ذلك هو ملاحظة بعض الدراسات حدوث ارتفاع في درجة حرارة الجسم خلال النوم، طوال شهر رمضان، مقارنة بوقت عدم الصيام.
تحسين النوم للصائمين
هنا مجال للتدخل الشخصي في تحسين جودة النوم لدى الصائمين، عبر تحديد وقت ونوعية وكمية مكونات وجبات الطعام الليلي لدى الصائمين. وللتوضيح، تؤدي عملية هضم الطعام إلى زيادة درجة حرارة جسمك. ولكن لكي تتمكن من النوم، فإن جسمك يحتاج إلى انخفاض درجة حرارته قليلاً، لذا؛ فإن تناول الطعام قبل النوم مباشرة يمكن أن يكون وصفة مثالية لـ«قلة النوم» و«اضطراب النوم».
ويطرح بعض المصادر العلمية فكرة مفادها بأن الانخفاض في فترة «نوم حركة العين السريعة» خلال شهر رمضان، قد يكون أيضاً بسبب انقطاع النوم والاستيقاظ لتناول وجبة السحور فيما قبل الفجر. ومعلوم طبياً أن الساعات الأولى من الصباح (من بعد منتصف الليل) هي الوقت الذي يجري فيه تحقيق نسبة أكبر من «نوم حركة العين السريعة» بشكل طبيعي.
ولكن تظل ملاحظة أن فترة «نوم غير حركة العين السريعة» لا يبدو أنها تتغير لدى الأشخاص الصائمين خلال شهر رمضان، ملاحظة مثيرة للاهتمام وتحتاج إلى مزيد من فهم حدوثها.
أسباب متعددة لاضطرابات النوم لدى الصائم
ليس حتمياً حدوث معاناة لدى بعض الصائمين من اضطرابات النوم خلال شهر رمضان، وليس حتمياً أن يتسبب ذلك في تداعيات صحية خلاله، وأيضاً في معاناة إضافية عند محاولات إعادة برنامج النوم الطبيعي بعد انقضاء الشهر.
والأساس صحياً؛ أن الجسم والدماغ يطلبان من المرء «فترة من السكون» عبر إعطائهما قسطاً كافياً من النوم. وتتضمن نصائح «المؤسسة القومية للنوم» بالولايات المتحدة، أن الشخص البالغ يحتاج إلى ما بين 7 و9 ساعات من النوم في اليوم، خصوصاً في فترة الليل.
وبالمراجعة لكثير من المصادر الطبية، تنشأ صعوبات النوم لدى الصائمين لأسباب متعددة، وتشمل:
- انخفاض مستوى النشاط البدني خلال الصوم في النهار. ووفق ما تفيد به المصادر الطبية، يعدّ النشاط البدني خلال فترة النهار من أقوى محفزات الخلود إلى النوم في فترة الليل.
- جفاف الجسم نتيجة عدم تناول السوائل وزيادة تبخر العرق. والجفاف يتسبب في انخفاض تدفق الدم، والأكسجين معه، إلى الدماغ والعضلات، مما يتسبب في صعوبة ارتخاء العضلات لتسهيل النوم على الإنسان، وعدم الراحة في عمل الخلايا العصبية في الدماغ.
- الاضطرابات التي يصنعها المرء لنفسه في طريقة التغذية، مثل تأخير تناول وجبة العشاء، وعدم تناول وجبة السحور، وكذلك الإكثار من تناول الحلويات والمشروبات المُحلّاة بشكل عال... هذا كله يتسبب في عدم راحة الجسم، وفي إرهاق الدماغ (كثرة السكريات المُضافة).
- إهمال أو تخلي بعض الصائمين عن العادة الصحية في النوم الليلي، وزيادة طول فترة السهر الليلي والبقاء في غرف مضاءة بشكل قوي... هذا كله يتسبب في اضطراب عمل إيقاع الساعة البيولوجية، وبالتالي المعاناة من اضطرابات النوم، ومن اضطرابات مدى اليقظة الذهنية خلال النهار.
ضبط النوم في رمضان قد يبدأ من سفرة الطعام
إهمال البعض في الحصول على قسط كاف من النوم خلال شهر رمضان، يتسبب في تداعيات صحية، مثل كثرة المعاناة من الصداع، ومن تقلبات المزاج، ومن فقدان التركيز الذهني. وهذا بدوره يؤثر على قدرة المرء على ضبط تناول الأطعمة والاهتمام بالتغذية الصحية في فترة الليل.
وللراحة الذهنية والبدنية للصائمين خلال شهر رمضان، يجدر ضبط نمط النوم، وذلك عبر الخطوات التالية:
- العودة به إلى طريقة متوازنة في تلبية احتياجات الجسم من الأطعمة، وفق التأقلم الطبيعي مع المتغيرات الرمضانية في أوقات الأكل.
- تناول كميات ومكونات صحية في وجبتي الإفطار والسحور، وجعلهما الوجبتين الرئيسيتين لتناول الطعام؛ أي تقليل تكرار تناول الأطعمة خلال فترة الليل التي بين وقت وجبة الإفطار ووقت وجبة السحور.
- خفض تناول الكافيين من المشروبات المحتوية عليه، خصوصاً من بعد منتصف الليل؛ لأن الكافيين والنيكوتين هما من المواد المُنبهة، التي تعوق سهولة الخلود إلى النوم.
- ضرورة أخذ قسط من النوم في الليل، حتى لو كانت مدة ذلك أقل من ساعات النوم الليلي المطلوبة صحياً. وربما لمدة 4 ساعات على أقل تقدير في فترة الليل. وهذا يتطلب وضع روتين يومي لتعديل نمط النوم، والمحافظة على هذا الروتين؛ أي أن ينام ويستيقظ المرء في الوقت نفسه تقريباً كل يوم، مما يساعد جسم الصائم على ضبط إيقاع نومه كي يصبح أكثر راحة، مع إجراء تعديل طفيف على الساعة البيولوجية لديه.
- الاهتمام بتهيئة بيئة ملائمة للنوم؛ لأن الهدوء، وظلمة حجرة النوم، وبرودتها، عوامل تساعد في النوم، مع تجنب استخدام الأجهزة الإلكترونية، مثل الهاتف الجوال والكومبيوتر المحمول والتلفزيون بالقرب من وقت النوم.
- الحرص على أخذ قيلولة في فترة ما بعد الظهر من النهار، ولكن ليس لساعات عدة، كي تبعث النشاط في الجسم وتعيد الحيوية في مستويات التركيز الذهني.