يُعد شهر رمضان فرصة مثالية لمرضى السكري لتحسين صحتهم. يُمكن لمعظمهم الصيام بأمان من خلال اتخاذ بعض الاحتياطات بالتنسيق مع أطبائهم. ويُساعد رمضان على تبني أسلوب حياة صحي من خلال تنظيم الوجبات، والتركيز على التغذية السليمة، وممارسة الرياضة، وتقليل التدخين.
ويتطلب الصيام تخطيطًا مسبقا، مع التركيز على أربع إستراتيجيات: التغذية السليمة، ومراقبة سكر الدم، والنشاط البدني، والحصول على قسط كافٍ من النوم.
ويؤكد أخصائي الغدد الصماء لدى كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة الدكتور حسن حسني إنه يمكن للكثير من مرضى السكري أن يصوموا رمضان بأمان، وأن يستمتعوا بكل الفوائد الروحانية والجسدية والنفسية لهذا الشهر الفضيل، شرط حصولهم على موافقة أطبائهم واتخاذهم بعض الإجراءات الاحترازية الضرورية.
وأوضح الدكتور حسني "يمكن أن تؤدي العوامل المرتبطة بأسلوب الحياة مثل النظام الغذائي السيئ والوزن الزائد والتدخين وعدم ممارسة التمارين الرياضية إلى تأثيرات سلبية على مستويات السكر والإنسولين في الدم، مما يجعل من إدارة مرض السكري أكثر صعوبة. ويوفر شهر رمضان فرصة مثالية للتركيز على تبني أسلوب حياة صحي يقلل أو يُلغي عوامل الخطر الخاصة بالسكري، مع مساهمته في الوقت ذاته بتقليل مستويات الكوليسترول وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية".
وأشار إلى ضرورة زيارة مريض السكري الطبيب المعني بحالته الصحية قبل حلول شهر رمضان بفترة كافية للتأكد من استعداده الصحي لصيام الشهر الفضيل. وقال "يمكن للفريق الطبي خلال هذه الاستشارة تقديم نصائح حول التعديلات في الأدوية، التي يجب القيام بها أثناء الصيام، وكيفية اختيار الأطعمة الصحية، وكيفية مراقبة مستويات سكر الدم، وما هي الظروف التي قد تحتم عليهم الإفطار".
وأوضح الدكتور حسني أن الصيام لا يؤدي إلى تعديل أوقات الوجبات فقط، بل إنه قد يؤثر على ساعات النوم وإيقاع الساعة البيولوجية والعادات الغذائية والنشاط البدني وغير ذلك، مشيرا إلى أهمية التخطيط بشكل مسبق من خلال تطبيق أربع إستراتيجيات لضمان الصحة الأمثل خلال شهر رمضان.
1- مراقبة مستويات السكر في الدم
بيّن الدكتور حسني أن مرضى السكري في رمضان قد يكونون عرضة لمخاطر الارتفاع الكبير أو الانخفاض الكبير في سكر الدم، إلى جانب مخاطر الجفاف. كما تشتمل المضاعفات الخطيرة الأخرى، التي قد يواجهونها، على الحماض الكيتوني السكري الذي قد يهدد الحياة، والذي يحدث عند عدم وجود كمية كافية من الإنسولين في الجسم لاستخدام السكر وتحويله إلى طاقة، فيقوم الجسم بتفكيك الشحوم وتحرير الكيتونات، التي قد تتجمع في الدم وتتسبب في تحول الدم إلى سائل حمضي.
وأشار إلى أنه بهدف خفض هذه المخاطر، يجب على المرضى مراقبة مستويات سكر الدم بصورة دورية، وقال "إذا أردتم التقليل من عدد مرات وخز الأصابع لقياس السكر، فإنه يمكنكم استخدام أجهزة القياس المستمر لسكر الدم. فهذه الأجهزة الصغيرة والمؤقتة والقابلة للارتداء تحتوي على مستشعر تحت الجلد يمكنه قياس مستويات السكر لمدة 24 ساعة يوميا، والذي عادة ما يقوم المريض باستبداله مرة كل 10-14 يوما أو حسب الحاجة".
2- التنبّه للعلامات التحذيرية
أكد الدكتور حسني على أهمية معرفة المرضى للعلامات التحذيرية لارتفاع أو انخفاض سكر الدم، ومتى يجب عليهم الإفطار في حالات الطوارئ الطبية. وتشمل علامات انخفاض نسبة السكر في الدم: الارتعاش والتعرق والغثيان والتعب والصداع وعدم انتظام ضربات القلب أو تسارعها وغير ذلك. أما أعراض ارتفاع نسبة السكر في الدم فتشمل: عدم وضوح الرؤية وكثرة التبول والصداع وزيادة العطش و/أو الجوع.
وشدد على أنه في حال ظهور أي من هذه الأعراض فإنه يتوجب على المرضى قياس مستويات سكر الدم لديهم فورا. كما يجب على المرضى الإفطار إذا كانت مستويات سكر الدم أقل من 3.9 مليمول/لتر (70 ملغ/ديسيلتر) أو أكثر من 16.7 مليمول/لتر (300 ملغ/ديسيلتر)، لكن هناك بعض المرضى الآخرين الذين يتوجب عليهم الإفطار عند مستويات أخرى لسكر الدم بحسب أعمارهم وصحتهم بشكل عام، ولذلك يجب بحث هذا الأمر مع فريق إدارة السكري الخاص بهم.
3- تناول الطعام بتعقل
يمكن أن يزيد وزن بعض الأشخاص خلال شهر رمضان لعدة عوامل، من ضمنها قلة الحركة وتناول الكثير من الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات عند الإفطار، أو تناول الكثير من الوجبات الخفيفة طوال ساعات عدم الصوم.
وبيّن الدكتور حسني أنه عند الإفطار غالبا ما يتناول الأفراد الطعام بسرعة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام، إذ إن وصول إشارة الشبع إلى الدماغ قد يستغرق من 15 إلى 30 دقيقة.
ويفضل أن يتعاون الأفراد مع أخصائي تغذية خبير بمرض السكري لتحديد احتياجاتهم اليومية من السعرات الحرارية بهدف تخفيف الوزن أو المحافظة عليه بحسب الحالة. ويمكن على هذا الأساس وضع خطة أو إستراتيجية مستدامة للوجبات تضمن حصول الفرد على كميات متوازنة وصحية في وجبات السحور والإفطار من المغذيات الكبيرة المقدار، التي تشمل البروتينات والدهون والكربوهيدرات. وبشكل عام، فإننا نوصي بتناول المرضى من 40-50% من السعرات الحرارية اليومية عند الإفطار، وما بين 30-40% عند السحور، والباقي كوجبة خفيفة في الليل، وفق حسني.
ويعد شرب مقدار كافٍ من الماء خلال الفترة ما بين الإفطار والسحور، والتقليل من تناول المشروبات السكرية أو التي تحتوي على الكافيين، أمرا ضروريا جدا. وتزداد أهمية هذه الخطوات في المناطق الحارة أو ذات ساعات النهار الطويلة، حيث تزداد مخاطر الجفاف وتشكل الحماض الكيتوني السكري.
4- ممارسة الرياضة باعتدال
أشار إلى أن تنظيم سكر الدم والوزن ودعم صحة القلب والأوعية الدموية من ضمن الفوائد الكبيرة لممارسة الرياضة، ولكن يجب على الأفراد بحث خطط التمرين الخاصة بهم مع فريق الرعاية الصحية. وقال "يجب ممارسة التمارين الرياضية في رمضان بحذر، وخاصة إذا كان المرضى ممن يأخذون الإنسولين، الأمر الذي قد يعرضهم إلى مخاطر انخفاض سكر الدم عند ممارسة التمارين الرياضية. وغالبا ما ننصح بالمشي كطريقة آمنة وصحية للتمرين، ويفضل القيام بها بعد الإفطار".
واختتم الدكتور حسني "يعتبر شهر رمضان الوقت المثالي لتبني عادات صحية يمكن للأفراد البناء عليها بعد انقضاء الشهر حتى يتمكنوا من التمتع بفوائدها على المدى الطويل".