تشهد الأسواق اليمنية ارتفاعا متواصلًا في أسعار السلع الغذائية الأساسية منذ ما يزيد على سبع سنوات، لكن خلال الشهور الماضية من العام الحالي 2022، بلغت الاسعار مستويات قياسية بسبب تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا.
بحسب رصد قامت به "يمن فيوتشر"، تمر الأسواق المحلية في اليمن بحالة اضطراب واسعة وتناقص في معروض كثير من السلع الأساسية والاستهلاكية.
يتزامن ذلك بالتوازي مع تدني دخل الفرد بسبب الصراع الدائر في اليمن منذ عام 2015، وانقطاع المرتبات عن مئات الالاف من موظفي الخدمة المدنية، وتسريح عشرات الاف موظفي وعمال القطاع الخاص، ما أدى إلى انهيار اقتصادي حاد فاقم من معدلات الفقر في البلاد.
وتذهب تقديرات الأمم المتحدة الى حوالي 80 بالمائة من اليمنيين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.
ويعاني أكثر من 54 بالمائة من السكان مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وتعددت أسباب وعوامل ارتفاع أسعار السلع في اليمن ما بين اسباب داخلية واخرى خارجية ومنها اضطراب سعر الصرف، والتي تشكل حسب رصد "يمن فيوتشر" نحو 40 بالمائة، من تلك العوامل المسببة للارتفاع، فضلا عن تحديات وقيود التوريد إلى اليمن بمعدل 30 بالمائة، بما فيها تبعات الحرب في أوكرانيا.
ويعاني اليمن من أعلى معدلات التضخم في العالم بنسبة وصلت إلى 60 بالمائة خلال يونيو/ حزيران من العام 2022، بسبب غلاء الأسعار التي يقدر ارتفاعها بنسبة تزيد على 400 بالمائة مقارنة بأخر عام قبل الحرب 2014،
في حين تصاعد معدل التضخم التراكمي لأسعار المستهلك بحوالي 150 بالمائة في العامين 2020 و2021، مقارنة بعام 2014، حيث حدث ارتفاع كبير في أسعار سلع ضرورية لحياة المواطن مثل الغذاء والمسكن والملبس والدواء والنقل والوقود.
وتسببت أزمة المشتقات النفطية في المزيد من صدمات الأسعار للسلع الغذائية الأساسية.
ويواجه أكثر من 12 مليون شخص عجزا كبيرا في استهلاك الغذاء، وبالتالي الانخراط في استراتيجيات سلبية من أجل محاولة تلبية احتياجاتهم الغذائية.
تؤدي هذه العوامل مجتمعةً إلى زيادة عدد الأسر التي يتعرض أمنها الغذائي لخطر التدهور إلى مستويات الكارثة.
وشكلت الأزمات المتلاحقة في الوقود نسبة 15 بالمائة، و صعوبات النقل الداخلي نسبة 10 بالمائة، و5 بالمائة عوامل وأسباب أخرى مثل أزمة كورونا، حيث تسببت تداعيات انتشار جائحة كورونا كوفيد19، في تعقيد الوضع المعيشي والإنساني في اليمن نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية على المستوى العالمي، حيث ارتفع مؤشر أسعار الاغذية لمنظمة الأغذية والزراعة (FFPI) بنسبة 11.3 بالمائة في يناير 2020 مقارنة مع الشهر نفسه عام 2019.
كما ارتفعت الأسعار الدولية لجميع أنواع الحبوب الرئيسية ابتداء من شهر يناير 2020، ولوحظ ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية وخاصة المستخدمة للوقاية من كوفيد19، بنسبة تزيد عن 600 بالمائة.
وبالتالي فإن آثار وتداعيات فايروس كورونا المستجد على الأسعار، جعلت ملايين اليمنيين يواجهون صعوبة بالغة في تلبية احتياجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغيرها.
•تدهور أسعار المواد الغذائية:
يشكل القمح السلعة الرئيسية لليمنيين باعتبارها مكونًا أساسيًا للوجبات الغذائية في اليمن فضلًا عن أنها تمثل السلعة الأقل كلفة لاستمرار الحياة في البلاد.
وحسب بيانات صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة في أكتوبر2021، فقد ارتفع المتوسط الوطني لسعر التجزئة للكيلو جرام إلى نحو 423 ريالا/ كجم يمني نهاية سبتمبر 2021 مقارنة بقيمة بلغت 122 ريالا/ كجم عام 2014 أي بنسبة زيادة بلغت 246.7 بالمائة.
وأشارت البيانات إلى ارتفاع سعر الأرز الذي يشكل أحد أهم السلع الرئيسية في اليمن حيث ارتفع المتوسط الوطني لسعر الأرز غير البسمتي إلى 729 ريال/ كجم نهاية سبتمبر 2021 مقارنة بقيمة بلغت 215/ كجم ريال يمني عام 2014 بنسبة زيادة بلغت نحو 239.1 بالمائة. وبالمقارنة بارتفاع الأسعار بنهاية العام 2020 فقد ارتفع سعر الكيلوجرام من الأرز غير البسمتي بنسبة زيادة بلغت نحو 32.1 بالمائة.
كما شكل ارتفاع سعر السكر عبئا إضافيًا على اليمنيين حيث تشير البيانات أن المتوسط الوطني لسعر كيلوجرام من السكر ارتفع بنسبة 224.1 بالمائة، في العام 2021 مقارنة بسعره في العام 2014.
النقص الحاد في التمويل يدفع القطاع التجاري إلى شراء النقد الأجنبي من السوق واللجوء إلى شركات الصرافة بدلا من البنوك التجارية ما يسهم في عملية المضاربة بسعر صرف الريال اليمني وتدهور قيمة العملة المحلية وفرض مزيد من الضغوط عليها حيث ينعكس ذلك سلبًا على أسعار السلع
ويظهر تطور المتوسط الوطني في أسعار زيت الطبخ ارتفاعًا بصورة كبيرة تثير القلق إذ بلغ سعر اللتر حوالي 1595 ريال نهاية سبتمبر2021 بنسبة زيادة بلغت 259.2بالمائة مقارنة بقيمة 444 ريال/لتر عام 2014.
ومقارنة بالعام 2020 فقد ارتفعت أسعار الزيت بنسبة 44.1 بالمائة.
•"اشاد تقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة التمويل الدولي التابعة للبنك الدولي بمساهمة المجموعة من خلال حزمة التمويل المقدمة من المؤسسة على تخفيف نقص الأغذية، وضمان استدامة سلاسل الإمداد، بما في ذلك توريد السلع الغذائية الأساسية إلى المدن والقرى في أنحاء اليمن. اتخذت مجموعة هائل سعيد أنعم إجراءات على المستوى المحلي في اليمن تساهم في تحقيق ثلاثة من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة: مكافحة الجوع؛ توفير العمل اللائق والمساهمة في النمو الاقتصادي؛ والمساعدة في تعزيز الصناعة والابتكار والبنية التحتية»
•عوامل محلية وراء ارتفاع الاسعار:
الحرب وتداعياتها ، الوضع السياسي والصراع القائم في البلاد والانقسام ضاعف من أسعار المواد الغذائية. بسبب فرض رسوم جمارك إضافية خارج القوانين والأنظمة النافذة ووضع منافذ جمركية جديدة يضاعف الأسعار للمواد ومبالغ الاتاوات التي يتم دفعها لمختلف الأطراف.
القيود المفروضة أمام حركة التجارة المحلية والخارجية وسلاسل التوريد وارتفاع تكاليف التأمينات نتيجة عدم الاستقرار الأمني ، وفي هذا الصدد يواجه الموردون صعوبات في التوريد مما يؤدي بالتالي الى ارتفاعا ملحوظا في أسعار السلع ومن ابرز مظاهر ذلك:
• القيود المفروضة على الموانئ، والمنافذ البحرية ،والجوية والبرية.
• ارتفاع تكاليف الشحن البحري إلى اليمن نتيجة المخاطر المرافقة للملاحة البحرية والتأخر الحاصل في وصول الشحنات البحرية بسبب الإجراءات المتخذة.
• ارتفاع تكاليف الإمداد والنقل الداخلي بصورة كبيرة بين المحافظات اليمنية نتيجة قطع الطرقات خصوصا بين المناطق المتاخمة لأطراف الصراع وسلوك طرق طويلة وأيضا ارتفاع تكاليف الحماية الأمنية.
• الانخفاض الكبير في سعر العملة المحلية والاضطراب القائم ساهم بصورة كبيرة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغياب الدور الرقابي الحكومي وخروج الوضع المصرفي عن السيطرة وانتشار الأسواق السوداء.
• ارتفاع أسعار المواد الخام المدخلة في عمليات الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار الصرف محليا والوقود عالميا وهو ما يؤثر أيضا على زيادة ارتفاع الأسعار للمنتجات.
•توقف العديد من المصانع نتيجة الاحداث والقصف والاضرار التي لحقها وبالتالي يحدث ارتفاع في الطلب على المنتجات ويقل العرض وترتفع الأسعار من قبل تجار التجزئة والسوق السوداء
يذكر أن نحو25 مليون شخص في اليمن أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، الأمر الذي يجعل البقاء على قيد الحياة صعبًا للغاية بالنسبة لمعظم اليمنيين الذين يعيشون في بلد يصنف على أنه يمر بأسوأ أزمة إنسانية، بحسب تقارير أممية.
•عوامل خارجية:
يواجه العالم بشكل عام تحديات كبيرة أدت الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعكس بصورة مباشرة على الأسعار المحلية في كل البلدان منها اليمن ومن تلك الأسباب :
-ارتفاع أسعار الشحن عالميا بصورة 800% عن الأعوام السابقة بحسب تقديرات عالمية، إذ تؤكد أبحاث اقتصادية أن أسعار الشحن تمثل 10 - 15% من تكلفة استيراد السلع وتمثل التجارة البحرية حوالي 70% من قيمة التجارة العالمية.
-ارتفاع أسعار الوقود عالمياً الى أعلى مستوياتها على الاطلاق الأمر الذي زاد من نسبة التضخم عالميا
-زيادة اسعار الغذاء مع جائجة كورونا، ثم بعد انحساره زاد الطلب على البضائع مقابل عرض اقل من الطلب
-المتغيرات المناخية.
-الحرب في اوكرانيا.
ويعتبر تأثير تغيرات أسعار المواد الغذائية العالمية من بين العوامل الأساسية التي تؤثر على الأسعار المحلية، فهناك سلع مرتبطة بأسعار المشتقات النفطية فترتفع أسعارها كلما كان هناك ارتفاع عالمي في الوقود"، كما أن الارتفاع العالمي الحاصل مؤخرا في سعر الألبان والدجاج ساهم بشكل مباشر على ارتفاع أسعارها في السوق اليمني.
كما أدت أزمة القمح العالمية الناتجة عن الحرب الروسية على أوكرانية إلى ارتفاع كبير في أسعار القمح والزيت في اليمن الذي يستورد أكثر من 33 بالمائة من احتياجاته من القمح من هاتين الدولتين.
وذكرت الأمم المتحدة إن اليمن تأثر بشدة نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث ارتفعت تكلفة الغذاء بنسبة 12 بالمائة منذ نهاية فبراي/ شباط الماضي، وأفاد تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمية في إبريل/ نيسان الماضي بأن تكلفة الحد الأدنى من السلة الغذائية زادت بشكل ملحوظ بنسبة 12 المائة من فبراير إلى مارس 2022 لتصل إلى مستويات أعلى بنسبة 85 بالمائة عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي.
•الدور الريادي للقطاع الخاص:
ومع هذا فقد استمر القطاع الخاص بالدور الريادي لتحقيق الامن الغذائي وايصال الغذاء الى كل مناطق اليمن وضمان استدامة سلاسل الامداد. وفي هذا يقول الاستاذ نبيل هائل سعيد
"لن نتخلى عن شعبنا في الشدة، وعلى مدار تاريخنا،اعتمدنا نهجا ينطلق من القيم الراسحة لدينا لتحقيق النمو المستدام، ونهجنا في ذلك ما دأب عليه اباؤنا وهو الايمان بان العمل الجيد هو عمل الخير"
•اهم التوصيات التي يقدمها موقع يمن فوتشر:
-حيادية وتحييد القطاع الخاص وابتعاده وإبعاده عن الصراع والحرب،وتوحيد الاجرائات الاقتصادية والنقدية، هو الضمان لتحقيق المهمة الوطنية الاساسية وهي توفير السلع الغذائية والخدمية،وضروريات استمرار الحياة للمواطن اليمني،فهي تعمل على تحسين بيئة الاعمال وتقليل التكلفة وبالتالي توفير السلع للمستهلكين بأسعار اقل مما هي عليه.
- ان القطاع الخاص اليوم محوراً أساسياً في عملية التنمية المستدامة، سواء في الدول المتقدمة أم النامية، لما يتمتع به من ميزات وإمكانات تؤهله للقيام بدور ريادي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في ظل اتجاه عالمي لمنحه المزيد من الأدوار.
وفي هكذا ظرف مأساوي يمر به اليمن يبقى "مستوردوا الغذاء هم شريان الحياة في البلاد".
وعلى كل ابناء اليمن العمل معا لمواجهة الازمة بوعي وبصيرة ويقظة لمنع دخول البلد في مجاعة حقيقية وعدم تصديق الشائعات، والوعي بان:
− استهداف القطاع الخاص يعني انهيار ما تبقى من مصادر دخل ليس فقط للعمال ولكن لملايين الناس المعتمدين عليهم بما في ذلك المنظمات العالمية التي تشتري المواد الاساسية منهم مما يعني قطع سبل العيش وتوقف الانتاج
- استهداف القطاع الخاص يعني توقف الايرادات ايضا للدولة التي تعتمد عليهم للرواتب
-استهداف القطاع_الخاص قد يؤدي الى انعدام الامن الغذائي وربما يرتفع اسعار المواد الغذائية الى مستوى خيالي لا يصدق "وقد لا نحصل عليه بأي ثمن لأنه لن يكون هناك عرض في السوق" اذا توقف الاستيراد والتصنيع" وهو ما يعني المجاعة والموت الجماعي لا سمح الله.
اهمية الوعي بطبيعة المرحلة لمنع البلد من الدخول لمزيد من الفوضى العارمة وهذا ليس لمصلحة التجار او القطاع الخاص فحسب بل ومصلحة الوطن.