كان أغسطس/ آب 2019، شهرًا كارثيًا عند التاجر أنس صادق، 34 سنة؛ فبعد ثلاثة أشهر من المتابعة الحثيثة، وطرق الأبواب، اضطر إلى بيع بضاعته التي لم يتبقَ من عمرها سوى أشهر بثمنٍ بخس؛ فقد مر على حجزها أشهرٌ ثلاثة، دون أسبابٍ واضحة، أو مسوغٍ قانوني يبرر لهم احتجاز بضاعته المتنوعة.
120 مليون ريال، إجمالي خسائر أنس، منها 15 مليون ريال غرامات تم إجباره على دفعها مقابل الإيواء القسري لبضاعته في الميناء تحت مسمياتٍ عدة كالنظافة والتحسين، ورسوم الحاويات، واستخدام الرصيف، "أفلستُ تمامًا، والسلع التي دفعتُ فيها كل ما أملكه تم التحفظ عليها في الميناء حتى اقتربت فترة انتهاء صلاحيتها سمحوا لي ببيعها، ولكن هذا لم يحدث، من سيشتري منك بضاعةً بقي شهر من عمرها، أنا فلّستُ فعليًا، ومستمرٌ حتى لا أموت من القهر"، يقول أنس لـ"يمن فيوتشر".
من ميناء عدن كنقطة وصول للبضائع على الشاحنات التي ستحملها شمالًا عليها أن تسلك أربعة مسارات مختلفة ضمن طرق أخرى جديدة هي طريق الساحل بمحاذاة المخا وصولًا لمنطقة جبل رأس، والثاني طريق العند القبيطة وتدخل تعز ثم إب، وطريق العند يافع البيضاء ذمار، إضافة إلى طريق "أبين شبوه مأرب البيضاء" ومن ثم ذمار.
هذه الطرق تتسم في مجملها بأنها طرق فرعية ليست الخطوط الرئيسية المعتادة، إذ تتداخل مع طرق فرعية ترابية وتمر في مناطق جبلية وعرة جدًا ووديان وسهول خطيرة تصب فيها السيول أو عقبات شاهقة و"منعرجات" هائلة لا تصلح للنقل بالمعنى الاقتصادي.
ويمثل النقل البري في اليمن الشريان الرئيسي الذي يربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك، وموانئ الاستيراد والتصدير بمناطق الإنتاج والاستهلاك، ويسهم بصورة كبيرة في تدفق سلاسل الإمداد والتموين بين المحافظات والمناطق المختلفة، وخلال السنوات الماضية شهدت شبكة طرق التجارة الداخلية وانتقال المسافرين تغيرًا كبيرًا بسبب الإغلاق المتعمد من قبل أطراف الصراع للطرق الرئيسية بين المحافظات والمدن المختلفة وتحويل الحركة نحو الطرق الفرعية غير المناسبة والطويلة نسبياً وذات الكلفة الاقتصادية العالية، الأمر الذي أسهم في ارتفاع معدلات التضخم التراكمي في أجور النقل إلى أكثر من 165% نهاية العام 2020، بحسب بيانات تقديرية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء.
لكن تباعد الطرقات وتقطع السبل والأسباب على الجسور ونقاط التفتيش التي تحرسها أطراف الصراع، وتعرج الطرق عبر أميال طويلة، والعراقيل والجبايات المتعددة، لم يمنع مؤسسات تجارية من تحدي كل هذه الصعوبات وتأدية دورها بإصرار كبير كما تفعل ذلك مجموعة هائل سعيد أنعم كبرى المجموعات التجارية والصناعية في اليمن، والتي يؤكد عدد من المسؤولين في الشركة أن هذه الأزمات المتلاحقة فرضت على هذه المجموعة التجارية مهام إنسانية وتنموية بالتوازي مع مهامها التجارية والصناعية والاستثمارية بهدف تذليل العقبات والمسافات وإيصال الاحتياجات الغذائية والمساعدات إلى مختلف مناطق وقرى وعزل اليمن.
وحسب مسؤولين إداريين في المجموعة فإن الوضع الراهن دفع هذا القطاع التجاري العمل بوتيرة عالية لإيصال الاحتياجات من السلع الغذائية إلى مختلف المناطق اليمنية، وذلك بالنظر لأن عمليات المجموعة تشمل أيضا النقل وخدمات البنية التحتية والشحن، فإن لديها القدرة على إعادة تأهيل الطرق وإعادة بناء الجسور التي دمرتها الفصائل المتحاربة في اليمن، وتزويد المركبات بالوقود اللازم لتوصيل الغذاء إلى الناس المعرضين لأشد المخاطر.
•مناطق معزولة
تكشف بيانات وأرقام صادرة عن المؤسسات الممثلة للقطاع الخاص التجاري في اليمن اطلعت عليها "يمن فيوتشر"، عن أعباء كثيرة تتمثل في النقل الداخلي من ميناء عدن إلى صنعاء، فالبضائع تمر عبر طرق غير معبدة لأكثر من 1300 كيلو متر بدلًا من الخطوط السابقة والتي كانت 450 كيلو متر فقط. وبدلًا عما كان يدفع سابقًا 300 ألف ريال للقاطرة أصبح الآن يدفع عن كل قاطرة 2 مليون و300 ألف ريال رسوم عبر منافذ التحصيل الممتدة على طول هذا الطريق، إضافة إلى أن التجار العاملين في محافظات ومناطق شمال اليمن يدفعون تكاليف نقل البضائع بزيادة عن نظرائهم العاملين في محافظات ومناطق جنوب البلاد بمقدار 50%.
كما يتحدث تجار عن أعباء غير قانونية يتم دفعها للطرفين منها ما يسمى "ضريبة التحسين" والتي تصل إلى 500 ألف ريال للقاطرة الواحدة، بينما كانت وفقًا للتعرفة الرسمية المقرة لا تزيد عن 4 الأف ريال وتدفع في الميناء.
تشير هذه الأرقام إلى أن هذه الضريبة أصبحت مضاهية للرسوم الجمركية وهي تدفع منذ وصول البضائع في الميناء البري أو البحري حتى تصل إلى صنعاء في كل محافظة أو مدينة تمر منها وهو ما يعتبره القطاع الخاص مخالفًا للقوانين النافذة في اليمن.
يؤكد علي مهيوب، تاجر في مدينة تعز، لـ"يمن فيوتشر"، أن تحويل مسارات الحركة التجارية الداخلية ضاعف تكاليف السلع بنسبة تزيد على 30%، بينما يتضاعف الأمر بالنسبة لمدينة تعز المحاصرة من الاتجاه الشرقي وهو المنفذ الرئيسي ليس لعبور المواطنين بل والمنفذ التجاري لدخول البضائع والسلع إلى ميناء تعز القادمة من ميناء عدن، إضافة إلى الاتجاه الغربي من مناطق البرح وموزع ومقبنة إلى المخا وهو الخط التجاري والشريان الأساسي لنقل البضائع من ميناء الحديدة، لافتًا إلى ما نتج عن هذا التضيق والحصار وتشتت وتباعد خطوط السير والنقل البديلة والتي ضاعفت تكاليف وأعباء القطاع التجاري الخاص بنسبة كبيرة تفوق قدرات الكثير من التجار على تحملها.
وعُزلت محافظة تعز عن باقي أنحاء اليمن منذ أدت المعارك في عام 2015، إلى احتفاظ الحوثيين بالسيطرة الاقتصادية والاستراتيجية على مناطق شمالية مهمة وأحاطوا بمدينة تعز بحسب مجموعة الأزمات الدولية، التي ظل مركزها تحت سيطرة القوات المتحالفة مع الحكومة. لقد قطع القتال جميع الممرات البرية التي تربط تعز بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وتلك الخاضعة لسيطرة الحكومة. وأينما أرادوا الانتقال، يُجبر اليمنيون الذين يعيشون في المدينة على المناورة على طرقات جبلية ذات مسار واحد وذات منعطفات خطرة جداً وعليها نقاط تفتيش تقيمها المجموعات المسلحة.
وتؤكد مجموعة الأزمات الدولية في تقرير حديث صادر عنها أن تداعيات وتبعات الحرب والحصار كانت مدمرة للحياة المدنية والتجارة في تعز. فقد ازدادت المدة الزمنية التي يستغرقها السفر من وإلى تعز بشكل كبير جدًا. فالقيام برحلة من الحوبان التي يسيطر عليها الحوثيون، والمركز الصناعي في محافظة تعز حيث يعمل كثير من السكان، إلى مركز مدينة تعز الخاضع لسيطرة الحكومة اليمنية كان يستغرق في الماضي من 5 إلى 15 دقيقة بالسيارة. أما الآن فيستغرق نحو 5 إلى 6 ساعات على طريق سيء بمسار واحد.
أما السفر من تعز إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية فيستغرق من ست إلى ثمان ساعات بالسيارة؛ بينما كان يستغرق ساعتين إلى ثلاث ساعات قبل عام 2015. ويمكن لنقل السلع الأساسية مثل الأغذية والوقود بالشاحنات بين المدينتين أن يستغرق بين 14 ساعة وعدة أيام. في حين أدى ارتفاع تكاليف النقل والرسوم التي تدفع على نقاط التفتيش، إضافة إلى التكاليف الأخرى المرتبطة بالعمل في اقتصاد حرب، إلى رفع أسعار الأغذية والوقود داخل المدينة بشكل جعل تكاليف المعيشة فيها الأعلى في اليمن.
بالمقابل، يشكو تجار وعاملون في مجال النقل التجاري الداخلي من زيادة التقطعات على الطرقات سواءً من قبل جماعات وعصابات في مختلف خطوط السير، وما يمثله ذلك من مخاطر أمنية واقتصادية على الحركة التجارية والصناعية، إضافة إلى الجبايات غير القانونية من قبل النقاط الأمنية على الطرقات المختلفة وبالذات الطرق التي تربط الموانئ بمناطق الإنتاج والاستهلاك وأثرها في زيادة التكاليف الإنتاجية، حيث تشير بعض التقديرات إلى وجود ما بين 37 – 40 نقطة تفتيش في الطريق من عدن إلى صنعاء تسهم جميعها في تأخير وصول الشحنات التجارية وفرض إتاوات ورسوم مختلفة تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 3 مليون ريال. إلى جانب إغلاق الطرق الرئيسية بين المحافظات وصعوبة النقل للسلع والخدمات المختلفة عبر الطرق البديلة ذات التكلفة والمخاطر العالية، إلى جانب إغلاق الموانئ والمطارات الرئيسية والقريبة من مناطق الإنتاج والتسويق.
•الجَمركة القسرية
حين تم إغلاق، ميناء الحديدة من قبل الحكومة اليمنية والتحالف الذي يدعمها بقيادة السعودية أمام الحاويات التجارية القادمة للمناطق الشمالية من اليمن التي تخضع أغلبها لسيطرة "الحوثيين" وأجبرها على استخدام ميناء عدن نهاية العام 2017، كان على قطاع النقل الثقيل البري أن يكون جاهزا ليقوم بنقلها بين المحافظات بسلاسة.
لم يكن الأمر سهلًا، فمنذ بداية العام 2018، واجهت حوالي 15 ألف حاوية في الشهر إضافة لمئات الآلاف من الأطنان من البضائع المتنوعة مصاعب جمة لكي تصل صوب مخازن التجار ومحلاتهم في صنعاء والحديدة واب وذمار بطريقة اعتيادية والسبب أن طرق نقلها تغيرت وتبدل مع حركة الحرب والقتال الدائر لتضيف مصاعب بالجملة حالت دون إتمام النقل وظلت الشاحنات تمر صعودا وهبوطا في الجبال الوعرة والطرق الفرعية غير المؤهلة لتواجه أكبر تحدي لم تعرفه من قبل.
في فبراير/ شباط 2018، أقدمت جماعة أنصار الله الحوثيين على خطوة أخرى ضمن المعارك الجانبية مع الحكومة المعترف بها دوليًا، إذ استحدثت نحو عشرة منافذ جمركية في المناطق المحادة وبنسبةٍ جمركية تصل إلى 100% بعد الفحص والمعاينة والتثمين، منها منفذ عفار في البيضاء، وميتم في إب، والراهدة وسقم في تعز، وسفيان في عمران، ومنفذ في ذمار، وآخر في قلب مدينة عمران، وفي صنعاء (رقابة صنعاء)، وفي الحديدة، وفي شوابة أرحب شمالي صنعاء، ليصبح التاجر بهذه الخطوة عرضةً لجمركةٍ ثنائية، الأولى في ميناء عدن والمنافذ المرتبطة بالعالم الخارجي، والثانية في أول منفذ تصله في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، إذ يحتجزون الشاحنات المحملة بالبضائع القادمة من موانئ ومنافذ (ميناء عدن – المنطقة الحرة – ميناء نشطون – منفذ الوديعة – منفذ شحن).
لا يتوقف الأمر حد الجمركة، بل يتم إخضاع السلع للتفتيش الدقيق، وتوقيفها لأيامٍ وسط عوامل التعرية والمتغيرات الجوية، تمامًا كما حصل مع التاجر عصام علي "اسم مستعار"، 43 سنة، الذي تلفت نصف حمولته من المواد الغذائية بسبب توقفها في أحد المنافذ الجمركية للحوثيين وتعرضها لهطول الأمطار خلال فترات متعاقبة ما أدى إلى تضررها وإتلاف كمية منها، كلّفته خسائر كبيرة.
كما يتسبب نوع السلعة في تحديد مسارها واستمرارها نحو مخازن التاجر أو توقيفها والاستيلاء عليها في حال كانت سلعة غير مألوفة أو ذات صلة بالجانب الإلكتروني والرقمي، وقد يدفع صاحبها مبالغ تصل مستوى نصف قيمة شرائها، وهو ما رصدناه خلال عملنا على هذا التحقيق.
اطلعنا على شكوى لشركة الصموت التجارية لخدمات النفط والغاز تعود إلى مايو/ أيار 2021، تفيد باحتجاز نقطة تابعة لسلطة الحوثيين شحنات معدات وقطع غيار الصيانة، في منفذ سقم بمحافظة تعز، منذ الثاني من فبراير/ شباط 2021، لمدة 56 يومًا، على الرغم من استيفاء كافة الشروط، والإجراءات الجمركية المطلوبة في المنافذ الرسمية.
وتشير الشركة في شكواها إلى أن إجمالي خسائرها بلغت 644 ألف ريال، بسبب الاحتجاز التعسفي الذي كلفها يوميًا 115 ألف ريال، لشحنة إجمالي تكلفتها تساوي 44 ألف دولار بحسب ما ورد في الشكوى.
وتأكيدًا للرسوم المبالغ فيها بخصوص الجمركة في المنافذ التابعة للحوثيين فإن الشكوى تشير إلى إن إجمالي الرسوم الجمركية المدفوعة في ميناء عدن بلغت 534 ألف ريال، فيما تم سداد 1,106,000 كرسوم جمركية في منفذ سقم.
•نقل مضني
لا تقتصر معاناة السائقين للنقل الثقيل على بقعة معينة من الجغرافيا اليمنية، التي تعاني من تدهور حالة الطرق في الأساس لكنها تزداد تفاقما مع خطوط نقل البضائع من عدن إلى صنعاء وتعز والحديدة.
فهذه المعابر لم تعد الخطوط الرئيسية التي كانت سائدة قبل العام 2015، إذ حولتها الحرب والمعارك بين مختلف الأطراف إلى أطلال وطرق أشباح لم يعد باستطاعة قطاع النقل من الشاحنات و"الدينات" أن يجرؤ المرور عليها.
يشرح سائقون عاملون في خطوط النقل التجاري البري ما يواجهونه من معاناة مضنية نتيجة استخدامهم لطرق جبلية في بعض خطوط السير المستحدثة مثل الطريق التي تصل بين مديريات لبعوس ويافع في الضالع والبيضاء مرورًا بجبال شاهقة ومنحدرات جبلية على رأسها نقيل الخشبة والذي يقع في أطراف محافظه إب ويلتقيها من الجهة الأخرى أطراف محافظه الضالع.
هذا الخط كان يمثل حركه عبور للمواطنين وكان يشكل ما نسبته 90٪، لكن تم إغلاقه منذ منتصف العام 2019، من الجهات المتحاربة باعتبارها مناطق تماس بين الطرفين.
في حين يعتبر "نقيل الخلا" في منطقة يافع المطل على وادي يهر من أكثر الممرات خطورة، فهو عبارة عن طريق جبلي شديد الوعورة نظرًا للمنعطفات الجبلية الكثيرة بها ، وقد تحول بعض سائقي الشاحنات الكبيرة للمرور منه بدء من منطقة العسكرية وصولًا لجبل العر في البيضاء وهو ليس مهيئ للعدد الكبير من الشاحنات التي أصبحت تمر به ، وهناك كانت تحصل للسائقين معاناة كثيرة ، لكن بفضل الخيرين من ابنا المنطقة فقد تم عمل نقطه اسفل النقيل والنقطة تقوم بجمع أموال من سائقي الشاحنات الذين يعبرون خصصت لعمل إصلاحات بعض أروان النقيل ،وحسب كشوفات مالية نشرت من قبل السائقين فقد وصلت المبالغ المتبرع بها من قبل التجار ومكاتب النقل والسائقين لحوالي 57 مليون ريال تم عمل إصلاحات خلال العام 2018م وإصلاحات حالية في 2019م كما شملت أيضا بعض أروان نقيل الشعيبان. كما أن هناك نقيل الركه: يقع في محافظة إب وسط اليمن وهو الحد الفاصل بين مدينة إب ومناطق العدين ومشورة.
وتشترك أطراف الصراع شمالًا وجنوبًا في ابتزاز متنوع الأوجه بحق شاحنات نقل البضائع، فعلى امتداد الخطوط الرابطة بين المدن يُكلّف سائقو الشاحنات أنفسهم عناء التفاوض مع قادة النقاط العسكرية بحسب نوع السلعة، والإجراء الذي يتم التهديد باتباعه في حال لم يتم دفع المبلغ المطلوب، ففي مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، تتقاسم السيطرة على خط عدن لحج تعز قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وأخرى قبلية بالقرب من مناطق الصبيحة بمحافظة لحج حيث ازدادت التقطعات الليلية وأعمال السلب والنهب تصل حد القتل، فيما تتناوب الألوية العسكرية أدوار الحصول على مبالغ مالية بحسب مناطق سيطرتها وصولًا إلى مدينة تعز، عوضًا عن رسومٍ أخرى يتم دفعها بسنداتِ تحصيلٍ رسمية، وفي نقاطٍ محددة، كالنظافة والتحسين، والتجارة والصناعة.
يقول صلاح الرحّال، سائق شاحنة لـ"يمن فيوتشر": "أدفع كل مرة ما بين مائة إلى مائتي ألف ريال للنقاط العسكرية، ونقاط جبايات قبلية في خط تعز عدن، تحت دعوى تأمين الخط، ونظافة وتحسين، وغير ذلك، ولا نلمس شيئًا مما يأخذون مقابله"، وعندما تحدّث الرحّال عن ما يجري، وصوّر إحدى النقاط في مديرية المسراخ، جنوبي تعز، احتجز أكثر من 12 ساعة، في 25 مايو الماضي، وهذه واحدة من بين القيود التي تنعكس سلبًا على حركة نقل البضائع والسلع بين المحافظات.
في الطريق نحو شرق البلاد، تم رصد ذات العملية منذ الخروج من عدن وعلى طول الطريق في أبين التي تتقاسم السيطرة عليها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات تابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، لكن ذلك يتلاشى كثيرًا كلما غادرت أبين نحو شبوة والمحافظات الشرقية.
يقول عبدالله سلمان، وهو وكيل تجاري في محافظة حضرموت لـ"يمن فيوتشر"، إن حركة النقل التجاري الداخلي طالها الكثير من الصعوبات والتحديات في حضرموت والمحافظات المجاورة خصوصًا عندما تكون السلعة المستوردة أو المنتجة مركزها عدن أو صنعاء، إضافة إلى كون محافظة حضرموت عبر منفذ الوديعة على الحدود مع المملكة العربية السعودية، والمهرة عبر منفذ شحن البري المحاذي لسلطة عمان؛ منطلق للكثير من الشاحنات التجارية التي تقطع مسافات شاسعة للوصول إلى وجهاتها في المحافظات الشمالية والشمالية الغربية والجنوبية الغربية.
أما مناطق سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين فيتفاوت ذلك من منطقةٍ إلى أخرى، ولا يختلف كثيرًا عن المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية، لكنهم يكتفون في بعض الحالات بالسندات الصادرة من المنافذ الجمركية التابعة لهم.
يربط الباحث الاقتصادي ياسر المقطري في حديث لـ"يمن فيوتشر"، بين هذه الممارسات وبين حالة الانفلات التي تتصدر المشهد، ويؤكد لخيوط بأنها في كل الأحوال تؤدي إلى تصاعد مخاوف التجار، وتراجعهم عن الكثير من المشاريع التي قد تكلفهم خسائر كبيرة في حال تم توقيفها أو التحفظ عليها سواء في عدن، أو في المنافذ الجمركية التابعة للحوثيين.
•أهم الطرق المطلوب فتحها
تبدي أطراف الصراع خصوصًا الحوثيين صلف وتعنت متعمد في موضوع قطع الطرقات الرئيسية الرابطة بين المنفذ التجاري البحري الأول وهو ميناء عدن وكل من العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الشمالية على خطوط النقل البرية عدن الضالع إب وعدن تعز إب والخط الساحلي عدن الحديدة وكلها خطوط رئيسية للإمدادات الغذائية والدوائية ونقل المسافرين لا يمكن تعويضها الأمر الذي كبد القطاع الخاص التجاري والمسافرين مئات المليارات من الريالات للوصول عبر طرق بديلة صعبة المراس.
وتعتبر طريق "تعز – الحوبان – كرش- عدن" من أهم الطرق التي يطالب الجميع في اليمن فتحها، إضافة إلى طريق عقبة "ثرة" الرابطة بين أبين والبيضاء. بينما تعتبر طريق "عدن- العند- الضالع- وصولًا إلى قعطبة في إب ومن ثم ذمار – صنعاء، الطريق الدولي الأول للنقل من الشمال للجنوب والعكس، شريان حياة يربط المناطق الاقتصادية الجنوبية بالشمالية ضمن طريق طويل معتمد دوليا يبلغ طوله حوالي 387 كيلو متر فقط.
في السياق، يطالب القطاع الخاص بفتح طريق عدن العند الضالع مريس جبارة دمت يريم، ويؤكد على ضرورة فتح طريق عدن أبين لودر مكيراس البيضاء، وطريق عدن الساحل الحديدة، وفتح طريق تعز البرح الجراحي الحديدة.
كما يطالب بفتح طريق مارب صنعاء الرسمي، وفتح طريق مارب صنعاء عبر طريق خولان وفتح جميع الخطوط المغلفة.
•من يدفع الثمن؟
التباين في سعر الريال اليمني بين صنعاء وعدن لا ينعكس واقعيًا في التعاملات اليومية وعند شراء الاحتياجات الأساسية المرتبطة بالمأكل والمشرب، فعند العمل على مقارنة من هذا القبيل ستجد أن سلعًا عدة يتجاوز سعرها في صنعاء قيمتها في عدن، إذا ما كان الدولار عملة مرجعية للمقارنة، فالكيلو الدقيق في عدن يقارب 0,91 سنتًا، و1,1 دولار في صنعاء، وهناك الكثير من التباينات لو عقدنا مقارنة شاملة.
يتجه التجار لتغطية خسائرهم بفرض هامش إضافي في أسعار منتجاتهم، ومهما كانت تلك الإجراءات التي يتعرضون لها من تأخير لوصول سلعهم الموسمية، أو الأموال التي يدفعونها كجبايات فإنهم لا يترددون عن إضافتها إلى أسعار السلع، ويدفع المواطنون لهم بدل ما خسروه بشكل غير مباشر.
فجلال عبدالله، 33 سنة، وهبة خالد 29 سنة من عدن وصنعاء على التوالي، وكل منهما يعيل أسرته، ويحاولان توفير الحد الأدنى من الاحتياجات وفق دخلهما الشهري، يشكوان من تقلباتٍ سعرية مستمرة، والأسعار تزيد ولا تنقص. تقول هبة لـ "يمن فيوتشر": "كلما أسأل التاجر عن عدم تراجع الأسعار رغم استقرار سعر الريال في صنعاء فإنه يجيب بغضب، هناك أشياء أخرى ندفعها، لا تعرفونها أنتم". أما جلال فيجيبه التجار بأنهم "يضعون حسابًا لأي انهيار وارد للريال كما حدث سابقًا، لذلك فهم يعمدون إلى هذا الهامش لتغطية أي عجز قد يحصل"، كما يقول.
لكن الباحث الاقتصادي ياسر المقطري يرى بأن ما يُقدِم عليه التجار "خطوةٌ طبيعية من شخصٍ لا يريد أن يخسر، وأن من عليه أن يضع اعتبارًا للمواطن هي السلطات التي يجب أن تخفف من القيود وتحد من الجبايات المفروضة، لا أن تشرعنها، وتسعى لتنفيذها بكل ما أوتيت من قوة".
ويذهب عضو الغرفة التجارية والصناعية بصنعاء مطر المطري إلى إن "الحرب وإفرازاتها وراء كل هذه التطورات، فإغلاق الموانئ والمطارات والمنافذ البرية، وحالات التقطع الداخلية، والعديد من العوامل الأخرى تسببت في مغادرة الشركات وإعلان بعضها الإفلاس، ولهذا تأثير مباشر على المواطنين، خصوصًا أولئك الذين فقدوا مصادر دخلهم ممن كانوا يعملون في هذه الشركات والمؤسسات".