بينما يتخذ الصراع منحنيات تصاعدية متواصلة لا تستثني الجانب الاقتصادي، تحاول جهات ودوائر حكومية في اليمن دعم قطاعات حيوية تغذي الموارد الذاتية للموازنة العامة للدولة. ويأتي قطاع الأسماك في مقدمة هذه القطاعات التي يسعى اليمن إلى تنشيطها وانتشالها من بين ركام الحرب التي عصفت بمختلف القطاعات الإنتاجية والاقتصادية والخدمية.
وتضع الحكومة اليمنية عينها على استعادة الصادرات السمكية والاستفادة من عائداتها التي كانت تقدر بنحو 300 مليون دولار سنويًا، بعدما هوت الحرب الدائرة في البلاد بالصادرات إلى أقل من 30 مليون دولار سنويًا.
في هذا السياق، قال مصدر حكومي مسؤول، تحفظ عن ذكر اسمه، إن الحكومة اليمنية أعدت خطة عمل تستهدف تقييم حجم الأضرار الاقتصادية في اليمن على مستوى كل قطاع بما يسمح بتحديد التدخلات اللازمة لإعادة ترميم وتنمية ما أمكن من القطاعات الإنتاجية الواعدة.
وأضاف أن عملية انتشال هذه القطاعات كالأسماك، يتطلب ضخ استثمارات مناسبة وهو ما سيتم العمل عليه خلال الفترة المقبلة عبر تنفيذ خطة ترويجية موازية لجذب المغتربين واستثمارات الدولة الشقيقة والمانحة لليمن. وتقدر بيانات رسمية خسائر القطاع السمكي في اليمن بما يقارب 8 مليارات دولار، إضافة إلى تدمير عشرات من مراكز الإنزال السمكي والصادرات، وتوقف العديد من المشاريع الاستثمارية والتنموية في هذا القطاع.
وعقد وزير الزراعة والري والثروة السمكية اليمني سالم السقطري، اجتماعات ولقاءات مكثفة مع مجموعة من التجار ورجال المال والأعمال المغتربين اليمنيين، قدم فيها، بحسب مصادر مطلعة، عرضًا لأهم فرص الاستثمار المتاحة والواسعة التي يتميز بها اليمن في الجانب السمكي، ومزايا البيئة الاستثمارية التحفيزية والتسهيلات التي يمكن أن تقوم الحكومة اليمنية بتقديمها لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع.
وقال الخبير اليمني في مجال الاستثمار حسين القرشي، إن اليمن يعاني من تفكك المنظومة القانونية في قطاع الاستثمار، إضافة إلى تدهور واسع في الخدمات العامة التي تصعب من عملية انتشال مثل هذه القطاعات الإنتاجية التي تتطلب بيئة عمل استثمارية آمنة ومؤاتية، وخدمات متوفرة مثل الكهرباء.
من جانبه، لفت عباس الهريش، تاجر أسماك، إلى أن هناك معوقات ومشاكل كبيرة تواجههم كتجار ومصدرين للأسماك، مشيرًا إلى ما تحتاجه عملية نقل بعض أنواع الأسماك كالجمبري من ميناء الصليف بالحديدة غربي اليمن، الذي تعد شواطئه أحد مواطن هذا النوع من الأسماك في اليمن، إلى منفذ الوديعة شرقي البلاد، وهو المنفذ البري الوحيد للمسافرين والبضائع والسلع المستوردة والمصدرة.
وتحدث عن صعوبات ومشقات في النقل والتخزين والمرور بطرق وعرة وشاقة وغير صالحة للاستخدام وعشرات من المنافذ الجمركية لمختلف الأطراف التي تفرض جبايات ورسوما لا حصر لها.
وذهب الباحث الاقتصادي جمال الشرجبي بعيدًا في هذا الجانب، بالإشارة إلى المعارك الساخنة التي نشبت في منطقة حرض الاستراتيجية الحدودية، التي يوجد فيها أهم وأكبر منفذ بري حدوي يمني مع السعودية.
ورأى أن استماتة الطرفين المتقاتلين في هذه المنطقة الحيوية قد يدفع إلى تبني خطة يتم التوافق عليها لإعادة فتح منفذ الطوال البري الذي يعد منفذا رئيسيا للصادرات اليمنية من الأسماك والمنتجات الزراعية التي تصدر إلى السعودية والدول الخليجية.
ورافقت الحرب مجموعة من التحديات والمشاكل المزمنة التي يرزح تحت وطأتها هذا القطاع الاقتصادي الواعد، أهمها عملية الاستنزاف المتواصلة للموارد بسبب الاصطياد غير القانوني وضعف البنية التحتية للأنشطة السمكية من موانئ صيد ومراكز إنزال ومواقع حراج وكذا شحة المعلومات حول الموارد السمكية وخاصة الأحياء البحرية ذات القيمة الاقتصادية العالية كالحبار والشروخ والجمبري وغيرها من الأنواع ذات المزايا التنافسية والقيمة الاقتصادية العالية.
ويمتلك اليمن شريطاً ساحلياً يبلغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر غني بالأسماك والثروة البحرية تمتد فيه التداخلات والتضاريس الجبلية والرملية ومنحدرات الأودية التي تصب في البحر وكونت خلجانا، وتشكل في مجملها حوالي 20 في المائة من طول الشواطئ، وتتيح اصطياد ما يناهز 400 ألف طن سنويًا لأكثر من 500 نوع من الأسماك والأحياء البحرية.