تمضي حرب اليمن في عامها السابع بثقلها الذي دمر البنية التحتية وتسبب بانهيار الاقتصاد وإزاحة الأسر اليمنية إلى تحت خط الفقر، حيث 80 بالمائة من اليمنيين يحتاجون المساعدة الضرورية للحياة، وفق تقديرات الامم المتحدة.
تسبب الانهيار الجديد للعملة اليمنية بإلحاق الضرر بالعديد من المشاريع الصغيرة التي كانت تدار بواسطة النساء والتي تعد مصدر الدخل الوحيد لهن..وكالتنا التقت مع عديد النساء اللواتي تضررت مشاريعهن بالانهيار الاقتصادي في البلاد، لتتحدث كل واحدة منهن عن تجربتها.
قالت رئيس مكتب أسواق عدن للدعاية والإعلان ندى الخضر "أعمل في مجال التسويق الإلكتروني لسنوات وما يحدث الآن لا يوصف، العديد من المشاريع التي كنت أعمل على تسويقها، والتي تعود ملكيتها للنساء، تواجه صعوبات في الاستدامة بسبب انهيار العملة، لذلك قللت انتاجها، وبعض المشاريع توقفت تماماً، هذا يعني أن العديد من المنازل فقدت مصدر دخلها مما جعل حياتهم مهددة بالجوع".
•مشاريع لازالت تحاول المواجهة
قالت ولاء أحمد صاحبة مشروع "هلولة كيك" "أمتلك مشروع صغير لصناعة الكيك أعيل أسرتي من خلاله، بدأت العمل به أنا وأختي منذ عام 2016، لقد اجتهدت حتى أصبح لدي اسم في السوق وأصبحت أستقبل طلبات دائمة، وانعكس ذلك على معيشتي، لقد صارت حجوزاتي شبه يومية في مجال صناعة الكيك وتنسيق طاولة الكيك بفضل عروض مخفضة أقدمها للعرائس مراعاة للظروف التي تمر بها البلاد".
وعن تأثرها بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد تقول "لقد مررت بعدة أزمات من قبل، عندما تعرض منزلي للحريق والنهب، وبالرغم من ذلك استطعت التغلب عليها والعودة إلى العمل، ولكن ما يحدث الآن يعتبر أزمة أشد ضرراً أعاني منها وسيعاني منها كل البسطاء في بلادنا منذ اليوم الأول لانهيار الريال اليمني مقابل العملة الاجنبية".
وحول رفع أسعار منتجاتها تقول "ارتفعت أسعار مواد الكيك خصوصاً أنه نحن صانعات الكيك نحتاج مواد استهلاكيه كثيرة وبذلك كل السعر يكون للمواد الاستهلاكية وربح بسيط يعود لنا على جهدنا، وما أن ارتفعت العملة الأجنبية قامت محلات بيع مواد الكيك برفع الاسعار بشكل كبير حيث وصل لثلاثة أضعاف"، وتضيف مثالاً على ذلك "مثلاً كان الكيس 10 كيلو كريمة بـ 9 آلاف ريال يمني على مدى العامين الماضيين، اليوم وصلت قيمته إلى 28 ألف ريال يمني، على الرغم من أنهم تجار كبار وهذه المواد متوفرة ومخزنة لديهم من قبل".
وعن انعكاس ارتفاع الاسعار على عملها تقول "كنت قد قبلت حجوزات على مدى شهرين قادمين وبالسعر القديم ولا أستطيع رفع الاسعار وقد تم الاتفاق مع الزبونات، ولأن مشروعنا بسيط وما نقدمه يتم صناعته في المنزل، وبسبب هذا الانهيار خسرت حجوزات كثيرة، وأصبحت الحجوزات قليلة ولم يعد بمقدور العرائس حجز قوالب الكيك الكبيرة التي تتألف من طابقين أو ثلاثة".
وتضيف "يجب حل هذه الكارثة التي حلت بسبب هذا الانهيار، كما أناشد مكتب التجارة والصناعة ليقوم بواجبه ويراقب أسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية للمواطن في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وحتى في حال استقرت الأوضاع فأن التجار يرفضون تخفيض الأسعار".
ومن جانبها قالت المصورة تهاني الخضر مالكة استوديو ماديرا للتصوير "نعاني مثل العديد من المشاريع التي تأثرت بانهيار العملة المحلية، فالانهيار تسبب بارتفاع قيمة البضاعة التي نوفرها للبيع في المحل مروراً بارتفاع الإيجارات وارتفاع رسوم الشحن الدولي والمحلي... يقل هامش الربح فنضطر كمنشأة نرفع أسعار خدماتنا وأسعار البضاعة بالتوازي مع ارتفاع سعر صرف العملة اليمنية، وهذا بالتالي يقلل من كمية الاقبال لأن الوضع الكارثي له تأثير على كل الناس".
•مشاريع توقفت
فيما أكدت المهندسة خلود خالد أن انهيار العملة هو انهيار للاقتصاد بشكل عام، وعن تجربتها الشخصية تقول "لقد افتتحت المحل الخاص بي باسم "ليديز فون" في بداية عام 2017، لقد لاقى المحل ارتياحاً كبيراً في القطاع النسوي لكوني أول مهندسة متخصصة في مجال صيانة الهواتف المحمولة والكمبيوترات في اليمن، وبذلك كسرت احتكار المهندسين الذكور لهذه المهنة، واقتحمت هذا المجال، أثبت أنه بإمكاني النجاح في الجانب الهندسي، بل نافستهم بقوة".
إلا أنها مثل غيرها من أصحاب المشاريع الخاصة واجهت العديد من المعوقات، "بدأت بمواجهة العديد من المشاكل التي أدت لإغلاق المحل رغم احتياج المجتمع الشديد لمثل هذه المشاريع التي تخدم النساء والفتيات في وسط مجتمع محافظ، لكن للأسف ارتفاع سعر صرف العملة بنسبة كبيرة تصل لـ 250% وبشكل مفاجئ كان سبباً في ارتفاع أسعار قطع الغيار وزيادة إيجار المحل والميزانية التشغيلية مثل الكهرباء وغيرها".
وتضيف "في بداية الأمر حاولت جلب القطع من مناطق أخرى مثل صنعاء كمحاولة لتجاوز المشكلة ولكن أجرة النقل سببت زيادة في التكلفة على العملاء ومع انخفاض هامش الربح العام ورفضي التام لرفع الأسعار على العملاء، لأنه بوجهة نظري استغلال لحاجة الفتيات ولجوئهن لي كحل أساسي للحفاظ على خصوصياتهم من جرائم الابتزاز، وفي ظل الخسائر المتكررة التي تحملتها بالرغم من نجاح المشروع على المستوى المحلي والإقبال الدائم للمحل حتى آخر يوم قبل إغلاقه، وعدم وجود أي تحسن في الوضع المعيشي الشخصي، قررت إغلاق المحل تماماً وانتظار أقرب فرصة لتحسن الوضع للعودة وبقوة للمنافسة في سوق العمل".
وشاركتنا نادية وسيل، تجربتها حول مشروعها لصناعة المأكولات باسم "نادو فود"، تقول "بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور حالياً توقفت عن العمل على طلبيات الزفاف لأن الريال انهار والعملة كل يوم تتغير قيمتها وكل يوم الاحتياجات الأساسية لعملي تتغير أسعارها.. وهذا الارتفاع الجنوني حصل خلال هذا الشهر، وفوارق السعر تحملناه نحن أصحاب المشروع، لأننا استلمنا جزءاً من سعر الطلبيات مقدما، لهذا نحن الأن نعمل دون أية أرباح".
وحول ما إذا كانت ستستمر في العمل في الوقت الحاضر تقول "لقد أوقفنا أغلب الطلبيات واستقبال الجديدة منها لأن الوضع يجبرنا أن نرفع السعر والزبون لا يستطيع مواكبة هذا الوضع مثله مثلنا، ناهيك في حال حصل لأدواتنا تلف أو خلل نشتريها بسعر الصرف الساري بالسوق".
كما استعرضت صاحبة مشروع "قطن رييث" هبة أحمد الصعوبات التي واجهتها بسبب الانهيار، قائلة "نواجه صعوبة في التحكم في الاسعار ولو رفعنا سعر البيع لمواكبة الانهيار سيعترض الزبون على ذلك، ولو خفضنا سعر البضاعة سنتحمل نحن الخسارة القوية، لذلك حالياً اوقفنا التوريد والشراء حتى يتحسن الوضع الاقتصادي قليلاً".
وقال الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري "انهيار العملة المتسارع مع غياب الدولة وعجز الحكومة وبنكها المركزي عن ايجاد أي حلول أو معالجات وتخلي التحالف العربي والمجتمع الدولي عن التزاماته تجاه الشعب اليمني، يجعل من اليمن بلداً مهدداً بأخطر مجاعة متوحشة تدق أبواب غالبية الشعب المستورة الحال".
وأكد على أن ذلك "سيشكل كارثة أكبر ومجاعة أخطر خاصة مع استمرار طباعة وضخ العملة إلى السوق لمضاعفة التضخم وتسريع وتيرة الانهيار، لا سيما بعد إعلان البنك المركزي بعدن ضخ عملة نقدية فئة ألف ذات الحجم الكبير، في الوقت الذي يزعم فيه عدم وجود سيولة نقدية لديه لصرف المرتبات والالتزامات الخدمية للشعب والأسرة الأكثر فقراً، ولا شك أن المعاناة والتأثير الأكبر للانهيار المصرفي يضرب بشكل أكبر الأسر".
وحول تأثير الفقر والمعاناة على النساء، أوضح أنه "سيكون هنالك أثر سلبي من ناحية ارتفاع معدل العنف الأسري، ناهيك عن المشاريع الصغيرة التي تديرها النساء لن تتمكن من مواكبة الانهيار، وسيؤثر أيضاً على فرص عمل النساء وأمنهن الوظيفي الذي يعد نوعاً من الترف المجتمعي في بلد مدمر اقتصادياً ومغيب الحقوق والحريات ومحافظ دينياً ومجتمعياً وذكوري تجاه المرأة، إضافة إلى عدم مقدرة المرأة على مجاراة الرجل في التعايش مع الصعوبات والتحديات الجديدة الناجمة عن كارثة الانهيار المتواصل لسعر صرف العملة الوطنية أمام العملات ومواجهة موجة الغلاء الفاحش للأسعار وغير المقيد بأي عوامل او ضوابط عقابية أو رقابة حكومية، لا تستطيع المرأة أن تجد حلاً لذلك غير مزيد من العمل والجهد والبحث عن أكثر من فرصة عمل لتوفير احتياجات منزلها الأمر الذي يعرضها لاحتمالات مخاطر كثيرة قد تصل إلى كل أفراد أسرتها".
وبين مشاريع صغيرة لازالت تقاوم الانهيار وأخرى توقفت عن العمل منازل مهددة بفقدان أمنها الغذائي ومصدر دخلها الوحيد، وفي إحدى خطوات رفض الانهيار بدأت المصارف الخاصة في العاصمة المؤقتة عدن تطبيق آلية الإضراب الجزئي نظراً لاستمرار تدهور العملة المحلية، فيما لم يصدر أي تصريح رسمي من الحكومة حول حقيقة ما يدور بالفعل في هذا الجانب.