منذ سنوات واليمنيون بعيدون كل البعد عن أجواء بهجة الأعياد بسبب الصراعات والانخراط في المحاور الإقليمية، وليس عيد الأضحى هذا العام استثناءً. فقد ألقت التوترات المتصاعدة التي يشهدها اليمن والمصاحبة للقرارات المصرفية الصادرة عن البنك المركزي الحكومي في عدن وما تلاها من أحداث وقرارات في قطاعات أخرى، بظلالها وتبعاتها على الأسواق المحلية قبل حلول عيد الأضحى. وأثرت أزمة السيولة المتزامنة مع اضطراب القطاع المصرفي والشلل الذي أصاب المصارف العاملة في صنعاء ومختلف المدن اليمنية، بما فيها الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، في أسواق العيد التي تمر بحالة ركود غير مسبوق قبل أيام قليلة من حلول عيد الأضحى.
يأتي ذلك وسط مخاوف واسعة تسود القطاع التجاري والأنشطة الاقتصادية والمالية والمصرفية التي أثر فيها هذا الصراع الطاحن بشكل كبير حيث تواجه تحديات وصعوبات في تغطية احتياجات الأسواق وفي استخدام أرصدتها المالية لدى البنوك، إضافة إلى الصعوبات في التحويلات المالية والنقل التجاري بين المدن اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية من جهة ومناطق نفوذ الحوثيين من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد، يؤكد الباحث الاقتصادي رشيد الحداد لـ"العربي الجديد" أن لهذه القرارات تأثيراً واضحاً. فالبنوك، مثلاً، عزفت عن صرف مستحقات الموظفين ورواتبهم، خصوصاً العاملين في المنظمات وغيرها وبعض الجهات الأخرى، مؤكداً أن مثل هذه التحويلات النقدية والخارجية هي المحرك الأساسي للأسواق، لا سيما في مثل المناسبات الموسمية، وخصوصاً الأعياد. هذا بالإضافة إلى المخاوف التي أحدثتها هذه القرارات وفق الحداد، والترقب الشعبي والتجاري لمجريات تبعات الأحداث.
فمن الصعب رصد مستوى الحركة في الأسواق بصورة شاملة، لكنّ ثمة كساداً وتراجعاً كبيرين في الحركة التجارية هذا الموسم مقارنة بالمواسم والأعوام الماضية، وهي تعكس واقعاً صعباً ومؤسفاً يجسّد الأحوال المعيشية الصعبة التي يعانيها المواطنون، ما يشكل عاملاً أساسياً لا بد أن يدفع جميع الأطراف إلى التوقف عن المشاحنات التي تنعكس تدهوراً اقتصادياً.
وتطاول التأثيرات أسواق الأضاحي والملبوسات والمكسّرات ومشروبات العيد وحلوياته، إضافة إلى الأنشطة والمشروعات الإنتاجية الأسرية التي تنشط عادة في مثل هذه المواسم التجارية، فضلاً عن الأزمة التي تطاول أسواق السلع والمواد الغذائية نتيجة الاضطراب الحاصل في اليمن وشحّ السيولة والتبعات التي طاولت الشحن التجاري جراء ما تمر به البلاد في ظل الأحداث المستمرة بالتصاعد في البحر الأحمر والممرات المائية الدولية في اليمن.
وفي هذا السياق، يقول صهيب سالم، تاجر ملابس في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ركوداً غير مسبوق بحيث تكاد الحركة التجارية أن تكون متوقفة في أسواق الملابس، بعكس العام الماضي على سبيل المثال، عندما كان هناك نشاط لا بأس به بدأ بالتصاعد منذ أول أيام شهر ذي الحجة. ويتحدث تاجر آخر يعمل في بيع المكسّرات والحلويات، يُدعى نجم الوصابي لـ"العربي الجديد"، عن أن الحركة التجارية كانت مشابهة لهذا الوضع خلال الأيام العادية قبل اقتراب أيام حلول عيد الأضحى هذا العام.
وتشهد أسواق الأضاحي ركوداً غير مسبوق، حيث رصدت "العربي الجديد" زيادة بأكثر من 80% على أساس سنوي في أسعار الأضاحي في صنعاء، حيث يتجاوز سعر الماعز 110 آلاف ريال، في حين يزيد على 150 ألفاً في مناطق أخرى، مثل عدن وتعز، جنوب غربي اليمن.
•الاتصالات والحسابات المصرفية في عين عاصفة عيد الأضحى
كذلك أثرت الأزمة وقرارات "النقل" الصادرة عن عدد من الجهات الحكومية في عدن بأنشطة النقل الداخلي بين المدن، إضافة إلى ما طاول قطاع الاتصالات من تبعات، حيث ارتبطت المواسم التجارية العيدية بأنشطة مثل هذه القطاعات ومنتجاتها وخدماتها في اليمن. وفي الوقت الذي يعاني عملاء البنوك من استخدام أرصدتهم والسحب من حساباتهم بسبب إقدام هذه المصارف على تعطيل أعمالها وأنشطتها وتقنين تداولاتها المالية، وما لذلك من تأثير في الأسواق التجارية وشحّ السيولة، يشكو مواطنون من صعوبة الحصول على مبالغ التحويلات المالية التي يرسلها لهم في مثل هذه الفترات التي تسبق الأعياد، أبناؤهم وأقاربهم المغتربون.
وفي هذا الصدد، يقول المواطن محمود العزاني، وهو من سكان صنعاء لـ"العربي الجديد"، إن هناك صدمة في أوساط المواطنين وقلقاً وترقباً لما يدور، حيث لم يمرّ أحد بمثل هذه الحالة منذ نحو عشر سنوات، في حين يرى مواطن آخر يُدعى عبد الله سعد أن أجواء العيد تكاد تكون منعدمة، حيث تمضي أيامه وكأنها أيام عادية، مع عدم ملاحظة أي مظاهر توحي باقتراب العيد كما درجت العادات قبل سنوات. ويذهب عاصم الحزمي في تصريح لـ"العربي الجديد"، في اتجاه آخر بعيداً عما قاله العزاني وسعد، مشيراً إلى قلق من الوضع الراهن وتبعاته القادمة، لافتاً إلى أن الأمر لا يتوقف عند تدبير مصاريف العيد وشراء أهم الاحتياجات والمستلزمات الضرورية، بل يمتد إلى مرحلة ما بعد العيد، إذ تعتريه هواجس عديدة بأيام صعبة قادمة لاحقاً.
وجدد البنك المركزي الحكومي في عدن، الثلاثاء الماضي، تأكيده أن الأنشطة التي تمارسها البنوك حالياً، تقتصر على ما هو مسموح في إطار قرارات المركزي، وهو استمرارها في خدمة عملائها والوفاء بالتزاماتها، ويشمل ذلك صرف مرتبات شهري إبريل/ نيسان ومايو/ أيار لبعض الجهات الحكومية المتعاقدة مع بعض هذه المصارف، التي استكمل موظفوها فتح حساباتهم لديها منذ بدء تنفيذ عملية رقمنة الرواتب، إذ يأتي ذلك بالنظر لقرب حلول عيد الأضحى هذه السنة، والفترة الزمنية التي تحتاجها عملية نقل الرواتب بالشروط التي حددتها الحكومة.
وأشار البنك في بيان اطلع عليه "العربي الجديد" إلى أنه سمح لبعض هذه البنوك بصرف مرتبات مايو مراعاة لظروف الموظفين، ولأن التعزيزات المالية صدرت باسم هذه البنوك في فترة حرجة لم تسمح بعمل الترتيبات اللازمة للنقل.
وبخصوص هذه النقطة، يوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، محمد قحطان، لـ"العربي الجديد"، أن ردود أفعال السلطة في صنعاء أدت إلى تشديد قبضتها على البنوك الواقعة تحت سيطرتها ومنعها من تنفيذ قرارات البنك المركزي في عدن، الأمر الذي أثر سلباً في ما بقي من نشاط هذه البنوك وجعلها مهددة بالإفلاس إن لم تحصل تفاهمات لمعالجة أوضاعها المتأزمة. كذلك أكدت الحكومة المعترف بها دولياً يوم الثلاثاء الفائت، دعمها الكامل لقرارات البنك المركزي اليمني وسياساته التي تقول إن الهدف منها حماية النظام المصرفي من الإجراءات الأحادية والممارسات التدميرية التي قام بها الحوثيون على مدى السنوات الماضية لتقسيم الجهاز المصرفي، والإضرار بالاقتصاد الوطني، وصولاً إلى طبع عملة مزورة، ووضع البنوك اليمنية تحت طائلة العقوبات الدولية، ونهب مدخرات المواطنين.