مع التصعيد العسكري الذي يشهده الشرق الأوسط، يتخوف البعض من تأثر أسعار النفط بما يؤدي إلى زيادة مستويات الأسعار، في وقت تكافح فيه الدول لضبط معدلات التضخم.
وبدأت سلسلة الأحداث في الشرق الأوسط خلال الربع الأخير من العام الماضي، بنشوب الحرب في غزة، والتي ما فتئت صدماتها تتفاقم في المنطقة، وأثرت على التجارة الدولية في البحر الأحمر بسبب الضربات التي تنفذها جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
الرئيس الأميركي، جو بايدن، قال، الجمعة، إنه يشعر "بالقلق" إزاء تأثير الحرب في الشرق الأوسط على أسعار النفط، ولكنه في الوقت ذاته تعهد بالتزام واشنطن في حماية الملاحة في البحر الأحمر.
وارتفعت أسعار النفط، الجمعة، بنسبة 4 في المئة على خلفية مخاوف من تصعيد قبل أن تتراجع، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
ووضع محللون وخبراء اقتصاديون عدة سيناريوهات، إما باستمرار استقرار أسعار النفط، أو أننا قد نشهد ارتفاعات مهولة إذا توسعت رقعة الصراع لتطال معابر مهمة تنقل شحنات الخام، مشيرين إلى أن هذا السيناريو الأقل تفضيلا لديهم خاصة مع وجود عوامل تدعم استمرار استقرار الأسعار ووجود قوات عسكرية غربية في المنطقة تسعى للحفاظ على خطوط الملاحة البحرية.
وتعيق هجمات الحوثيين حركة الملاحة في البحر الأحمر الذي تمر عبره 12 في المئة من التجارة العالمية، وقد تسببت بمضاعفة تكاليف النقل، نتيجة تغيير شركات الشحن مسار سفنها حول جنوب أفريقيا.
ويرى الخبير الاقتصادي، وائل نحاس، أن "الأحداث السياسية تنذر بأن أسعار النفط يجب أن تكون ضمن مستويات تتراوح بين 120 إلى 150 دولار".
وأضاف في حديث لموقع "الحرة"، أن ما يحدث في سوق الطاقة والذهب يعكس "حالة من الغرابة، إذ أن الأسعار تسير بمستويات شبه ثابتة وتتحرك في معدلات لا تجعلها تنخفض عن مستويات الـ70 دولار للبرميل، أو تتجاوز حاجز الـ90 دولار، وكأنما هناك ضبط لإيقاع الأسعار في السوق"، مشيرا إلى أن "أسعار النفط تعتبر من اتجاه هابط منذ أكتوبر الماضي".
وقال النحاس إن "الأسعار في سوق الطاقة والذهب، لم تعد تستجيب بشكل مباشر لما يحدث على الصعيد السياسي، إلا إذا كانت منخفضة وحدثت أزمة سياسية أو عسكرية سنرى الأسعار تتفاعل بالارتفاع ضمن مستويات تمنعها من الانهيار، ولكنها لا ترتفع بشكل كبير".
وحذر الخبير في مجال النقل البحري، عامي دانيال، من أن حركة سفن الحاويات في البحر الأحمر تراجعت بنسبة 70 بالمئة تقريبا منذ منتصف نوفمبر بسبب هجمات الحوثيين على سفن الشحن في هذه المنطقة، وفق فرانس برس.
وقال دانيال إن الوضع الراهن "سيؤدي إلى مشكلة في سلسلة التوريد في السنوات المقبلة لأن معالجة هذا الأمر ستستغرق بعض الوقت"، مشيرا إلى أن وحدها ناقلات النفط لا تزال تستخدم قناة السويس بنفس الوتيرة التي كانت عليها قبل بدء الهجمات.
ويعتقد النحاس أن "هناك علاقة بين ما ستشهده العديد من الدول من انتخابات هامة خلال العام 2024، وبقاء الأسعار ضمن مستويات معتدلة لا تعكر صفو الحملات الانتخابية خاصة، في الانتخابات الرئاسية الأميركية".
واستطرد بأنه "عادة ما يحقق النفط مكاسب عند حدوث أزمات أو توترات سياسية، لكن هذا ربما لم يعد ينطبق على ما يحدث في السوق بشكل حقيقي، وهو ما يعني أنه من المغالاة القول بوجود مخاوف من تأثير أزمات الشرق الأوسط على أسعار النفط".
وشنت القوات الأميركية والبريطانية عشرات الغارات على مواقع عسكرية عديدة تابعة للحوثيين، ردا على هجماتهم على سفن في البحر الأحمر.
وأتت الضربات في أعقاب أسابيع استهدف خلالها الحوثيون سفنا تجارية يشتبهون في أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، تضامنا مع قطاع غزة الذي يشهد حربا مع إسرائيل منذ السابع من أكتوبر.
عوامل ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط
كبير المحللين في مجموعة "سي أف أي" المالية، مهند عريقات، رجح أن أسعار النفط، خاصة خام برنت، "ستظل مستقرة نسبيا ويتم تداولها بين مستويات 70 إلى 90 دولار للبرميل".
وأوضح في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن المخاوف من تأثر أسعار النفط بالارتفاع مبررة، وهناك عدة عوامل تدعمها، والتي تضم "التوترات والتحركات العسكرية في البحر الأحمر، توسع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، تحويل مسار السفن وزيادة تكاليف الشحن والتأمين، ناهيك عن انقطاعات متكررة في ليبيا".
وقال عريقات إن هناك عدة عوامل أيضا تدعم تراجع أسعار النفط، في مقدمتها "ارتفاع مخزونات الخام الأميركي، ووفرة المعروض من الدول المنتجة من خارج منظمة أوبك، والتوقعات بوجود فائض من دول أوبك نفسها"، مشيرا إلى أن هذه العوامل ليست بمعزل عن عامل مهم هو "ضعف الطلب في الاقتصاد العالمي وارتفاع المخزونات لدى الدول المنتجة".
وارتفع سعر خام برنت أكثر من دولارين بسبب مخاوف من احتمال انقطاع الإمدادات، لكنه تخلى في وقت لاحق عن نصف مكاسبه، بحسب رويترز.
وأظهرت بيانات تتبع السفن التجارية أن 9 ناقلات نفط على الأقل توقفت أو حولت مسارها من البحر الأحمر.
وأشار عريقات إلى أن "اتجاه الاقتصاد العالمي هو النقطة الأساسية لتحديد اتجاه الطلب على النفط، فيما سيترقب الجميع اجتماع منظمة أوبك مطلع فبراير المقبل، والتي أعلنت عن تخفيضات طوعية خلال اجتماعاتها الأخيرة".
ونشرت دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، بوارج في البحر الأحمر وشكلت واشنطن تحالفا بحريا دوليا لحماية الملاحة في المنطقة الاستراتيجية التي تمر عبرها 12 في المئة من التجارة العالمية.
ووجهت واشنطن ولندن تحذيرات متكررة للحوثيين من "عواقب" ما لم يوقفوا هجماتهم على السفن، قبل شنهما ضربات.
وأعلن الحوثيون، الجمعة، أن "73 غارة" استهدفت مواقع عسكرية في العاصمة صنعاء، ومحافظات الحديدة وتعز وحجة وصعدة، مؤكدين سقوط خمسة قتلى في صفوف عناصرهم.
إلا أن الجيش الأميركي تحدث عن استهداف 30 موقعا عسكريا في 150 ضربة. وردا على الضربات الأولى، توعد الحوثيون بالرد، مؤكدين أن المصالح الأميركية والبريطانية باتت "أهدافا مشروعة".
وليل الجمعة السبت، أكد جنرال أميركي أن الحوثيين أطلقوا صاروخا بالستيا مضادا للسفن فيما اعتبره "ردا انتقاميا"، لكنه لم يصب أي سفينة.
وقال الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز لوكالة فرانس برس، إن "خطر التصعيد الإقليمي يبدو منخفضا لأن اللاعبين الكبار مثل إيران، حريصون على تجنب حرب إقليمية".
وقال الخبير في قطاع النفط، عامر الشوبكي، إن تأثير "أزمات الشرق الأوسط على أسعار النفط لا يزال محدودا، إذ ارتفعت أسعاره بشكل طفيف، رغم المخاوف من اتساع رقعة الصراع بما سيؤثر على حركة سفن الشحن وناقلات النفط والغاز".
وشرح في حديث لموقع "الحرة"، أن "الأزمة في الشرق الأوسط تأخذ أبعادا جديدة ينتج عنها مخاطر جيوسياسية إضافية، خاصة مع الضربات التي يوجهها الجيش الأميركي والبريطاني لأهداف حوثية".
وأشار الشوبكي إلى أن التأثير على "سوق الطاقة ربما يكون محدودا فيما يرتبط بخطوط الشحن التي تمر من مضيق باب المندب والبحر الأحمر، لكنه قد يصبح كارثيا إذا امتد إلى مضيق هرمز الذي يمر من خلاله خمس نفط العالم، أو حتى استهداف مناطق إنتاج النفط في الخليج".
ومضيق باب المندب هو مدخل البحر الأحمر من الجنوب ويقع بين اليمن في شبه الجزيرة العربية وجيبوتي وإريتريا على الساحل الأفريقي.
ويعد المضيق أحد أهم المسارات المائية في العالم لشحنات السلع العالمية المنقولة بحرا، خاصة النفط الخام والوقود من الخليج المتجه إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس، أو خط أنابيب سوميد على الساحل المصري على البحر الأحمر، بالإضافة إلى السلع المتجهة إلى آسيا، بما في ذلك النفط الروسي، وفق رويترز.
ويبلغ عرض باب المندب 29 كلم تقريبا في أضيق نقاطه، مما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على قناتين للشحنات المتجهة للبحر الأحمر والخارجة منه، تفصل بينهما جزيرة بريم.
وعبر المضيق نحو 7.80 مليون برميل يوميا من شحنات النفط الخام والوقود في أول 11 شهرا من 2023، ارتفاعا من 6.60 مليون برميل يوميا طوال 2022، وفقا لشركة تحليلات النفط فورتيكسا.
ورصدت فورتيكسا عبور 27 ناقلة محملة بالخام أو الوقود يوميا في المتوسط في عام 2023، ارتفاعا من 20 في العام الماضي.
ورجح الخبير في قطاع النفط، عددا من السيناريوهات التي قد تحصل "إما باستمرار استقرار أسعار النفط عند مستوياتها إذا لم نشهد تصعيدا بين الحوثيين والقوى الغربية التي توجه لهم ضربات"، أو السيناريو الآخر "بحدوث ارتفاعات في أسعار النفط قد تصل أو تتجاوز الـ 5 في المئة، إذا ما استهدف الحوثيون ممرات النفط أو مواقع الإنتاج أو إذا امتدت رقعة الصراع جغرافيا".
وقال الشوبكي إن السيناريو الأكثر تشاؤما قد يعني حدوث ارتفاعات مهولة في أسعار النفط إذا "حدث قطع لإمدادات النفط، أو تأثرت خطوط الإنتاج، خاصة تلك التي تعبر مضيق هرمز، مما قد يعني تجاوز أسعار النفط مستويات الـ150 دولار".
واستبعد أن "يحدث هذا السيناريو بسبب التواجد العسكري للولايات المتحدة ودول غربية في منطقة البحر الأحمر لتحييد المخاطر التي يتعرض لها الشحن البحري".
ويتفق الشوبكي بأن هناك عوامل تدفع باستقرار أسعار النفط خاصة "بغزارة إنتاج النفط من الدول خارج أوبك، أو بزيادة مخزونات الولايات المتحدة الاستراتيجية"، مضيفا أن ما تأثر خلال الفترة الماضية كان "بتأخير وصول بعض الإمدادات بسبب تغيير مسار الناقلات بعيدا عن البحر الأحمر".
وأعرب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، السبت، عن "قلقه" إزاء التطورات الأخيرة في اليمن، داعيا الأطراف المعنية إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتقديم المسارات الدبلوماسية على الخيارات العسكرية" وإلى "وقف التصعيد".
وتثير الضربات على اليمن مخاوف من توسع رقعة النزاع في قطاع غزة، بحسب فرانس برس.
لكن البيت الأبيض أكد، الجمعة، أن واشنطن "لا تسعى إلى نزاع مع إيران" التي تقود ما يعرف بـ"محور المقاومة"، ويُعتبَر الحوثيون جزءا منه، إلى جانب حزب الله اللبناني، وفصائل عراقية، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين. وتقدم طهران الدعم السياسي للحوثيين، لكنها تنفي تقديمها دعما عسكريا لهم.