في الوقت الذي تتصاعد في اليمن وتيرة المقاطعة لبضائع وسلع الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وازدياد اضطراب الأوضاع في البحر الأحمر، تتجه الأنظار إلى الصين ودورها القادم، لا سيما مع تصاعد الأحداث الجارية في المنطقة، نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة.
وتتجه الصين التي تتحين الفرصة المناسبة لإعادة فتح ملف التعاون مع اليمن حول مبادرة الحزام والطريق، المعروفة باسم طريق الحرير، إلى توسيع نفوذها التجاري في اليمن، واستغلال وضعية البلاد التي تعتبر محوراً رئيسياً في الأحداث المتصاعدة في المنطقة، في ظل حاجة اليمن للدعم والمساندة، وبناء شراكات جديدة لإنقاذ اقتصاده المنهار، والتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية التي تعصف بالشعب اليمني.
ويعتمد اليمن على الاستيراد بشكل رئيسي في تلبية احتياجاته من السلع الغذائية والاستهلاكية، إذ تأتي الصين على رأس الدول التي يستورد منها اليمن بنسبة تزيد عن 65% حسب تقارير تجارية حديثة تؤكد تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً.
وتعتبر الصين اليمنَ محطة مهمة في طريق الحرير القديم، بالنظر إلى موقعه الجغرافي المميز، حيث يطل على البحر الأحمر، والبحر العربي وباب المندب، وهو ما يجعل اليمن وفق مسؤولين في البلدين وخبراء اقتصاد ومراقبين، شريكاً أساسياً للتعاون مع الصين لبناء "الحزام والطريق".
يقول المحلل الاقتصادي اليمني، أحمد السلامي، لـ"العربي الجديد"، إن الصين أكبر شريك تجاري لليمن، والدولة الرئيسية للاستثمارات منذ عقود، حيث ساهمت في إنجاز العديد من المشاريع الاستراتيجية على مستوى البنية التحتية والطرق والجسور والموانئ، وفي القطاعين الصناعي والنفطي، بالرغم من تسببها في إغراق الأسواق اليمنية، وارتفاع الاستهلاك إلى مستويات قياسية.
ويضيف السلامي أن هناك أطماعاً واسعة للصين في اليمن، كغيرها من دول المنطقة، التي تتمتع بمواقع جغرافية استراتيجية لتنفيذ مشروعها التجاري العملاق "طريق الحرير" مع ظهور مشاريع منافسة خلال الفترة القليلة الماضية، تتبناها بدرجة رئيسية أميركا وإسرائيل.
وتسبّبت الحرب والصراع في اليمن منذ عام 2015 في إيقاف التعاون، تحت إطار "الحزام والطريق"، لكن بالرغم من ذلك، ظل اهتمام الصين قائماً باليمن، وتركز في مسارات استثمارية وتجارية عدة، وتتحين الفرصة المناسبة لاستغلال موقع اليمن، ورسم خطة التعاون بين البلدين في المستقبل، إذ لا تزال الثقة قائمة، وفق مصادر مطلعة، في تدشين التعاون المأمول بين البلدين، لتعزيز بناء "الحزام والطريق".
بدوره، يقول الباحث الاقتصادي علي قايد، لـ"العربي الجديد"، إن اليمن بلد خام على المستوى الاقتصادي والاستثماري، وهو ما يجعله محظ أنظار الدول الكبرى، مثل الصين، مع عودة صراع الأقطاب مع أميركا التي تسبب دعمها لإسرائيل وحربها البشعة على غزة في سخط الشعوب العربية التي تعبّر عن ذلك بطرق عدة، منها المقاطعة لبضائعها وسلعها، ومراجعة بعض الدول علاقاتها الاقتصادية والاستثمارية معها.
ويشير قايد إلى أن الصين استطاعت اختراق الأزمة المعقدة في اليمن بطريقة غير مباشرة، وإيقاف الحرب والمواجهات العسكرية، بعد نجاحها في إعادة العلاقة بين السعودية وإيران، إذ قد يمكّنها ذلك من توطيد وتوسيع علاقتها الاقتصادية والاستثمارية مع جميع الأطراف في اليمن، واستغلال الأوضاع الراهنة بأفضل طريقة ممكنة في توسيع هيمنتها على الأسواق اليمنية التي ترفض سلع الدول الداعمة لإسرائيل، والاستحواذ بشكل أكبر على الأسواق التي تعتمد بشكل كلي على الاستيراد لتوفير الاحتياجات السلعية، إضافة إلى رفع مستوى التعاون الاستثماري في الموانئ والمناطق الحرة، والعديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة.
وتتواصل حملات التوعية لمقاطعة المنتجات والبضائع الأميركية والإسرائيلية في العديد من محافظات اليمن، وتوزيع ولصق لوحات توعوية في الشوارع والمولات والمحال التجارية. وتؤكد سلطات الحوثيين في صنعاء أهمية مواصلة الاستنفار والتعبئة، ورفع الوعي المجتمعي بأهمية تعزيز خيار وسلاح المقاطعة الاقتصادية، وأثرها الكبير في سياق المواجهة الشاملة للعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
ويرى مراقبون أن الاستمرار في شراء واستهلاك منتجات شركات الدول الداعمة لإسرائيل يوفر لها الكثير من العوائد الاقتصادية لتمويل حروبها، وتسخير جزء كبير منها في التصنيع العسكري، في إطار مشاريعها في الهيمنة وبسط نفوذها في المنطقة.
وأصدرت وزارة الصناعة والتجارة التابعة للحوثيين في صنعاء قرارات عدة لمقاطعة بضائع وسلع الدول الداعمة لإسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تضمنت حظر منتجات الشركات الأميركية كافة، وغيرها من الشركات الداعمة لإسرائيل، إلى جانب شطب الوكالات والعلامات التجارية كافة لتلك الشركات.
ويؤكد خبراء اقتصاد ضرورة تعزيز إمكانات اليمن الإنتاجية والتجارية، وليس استبدال السلع الأميركية والغربية بأخرى صينية خلال تطبيق المقاطعة، مشيرين إلى اختلال الميزان التجاري، بسبب فتح الاستيراد، خاصة من دول مثل الصين، خلال الفترة الماضية، ما ساهم بدور سلبي في إغراق الأسواق بمختلف المنتجات والسلع، الأمر الذي أضر بالاقتصاد اليمني، وإهدار العملة الصعبة على استيراد منتجات الكثير منها غير ضرورية.
وكانت الصين قد أعلنت مؤخراً عزمها رفع حجم التبادل مع اليمن إلى أكثر من 6 مليارات دولار سنوياً، في إطار توجهها لتوسيع التبادل التجاري مع الدول العربية، وتقديم جميع التسهيلات للتجار اليمنيين، وفتح خط تجاري مباشر مع الموانئ اليمنية.
وتعتبر الصين من الدول التي تقدم مساعدات وقروضاً معفاة من الدفع، ومعروف أنها قامت بإعفاء اليمن من الكثير من الديون خلال السنوات الماضية.
ويرى الباحث الاقتصادي جمال حسن العديني، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن اليمن يحتاج في هذه الظروف التي يمر بها لدعم ومساندة المجتمع الدولي، لبناء اقتصاده المتدهور وعملته المتهاوية والمنقسمة، الأمر الذي يتطلب ضرورة الاتجاه لتعزيز التعاون مع الصين كقطب اقتصادي رئيسي في العالم.
وكانت التجارة الخارجية قد تضررت بالأساس بسبب الحرب الداخلية، حيث انخفضت قيمة الصادرات السلعية بحوالي 80%، وتراجعت الواردات بنحو 20% مقارنة بمستويات ما قبل عام 2015، كما ارتفع عجز الميزان التجاري، بحسب آخر بيانات تجارية صادرة في عام 2020 من حوالي 3.9 مليارات دولار عام 2014 إلى أكثر من 6 مليارات دولار.
ويرجع السلامي سبب ذلك إلى العديد من العوامل، منها شح النقد الأجنبي، وتأثر القدرة الاستهلاكية والإنتاجية، وارتفاع تكاليف الشحن التجاري إلى مستويات قياسية، متأثراً بالأوضاع المضطربة في البلاد.