أدى الحظر الذي فرضته الهند على تصدير الأرز إلى ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم، ما يزيد من خطر عدم الاستقرار السياسي في آسيا وأفريقيا، وفقا لما نقلت وكالة "بلومبرغ" عن رئيس إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
وتحذيرات رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ألفارو لاريو، جاءت عقب ارتفاع أسعار محصول الأرز، وهو غذاء أساسي لنصف العالم، إلى أعلى مستوياتها منذ 15 عاما تقريبا بعد أن بدأت الهند، أكبر مورد للأرز في العالم، في تقييد صادراتها، بحسب الوكالة.
وشكلت الهند ما يقرب من 40 في المئة من تجارة الأرز العالمية في السنوات الثلاث الماضية، وتبيع هذا الأرز الأساسي إلى أكثر من 150 دولة، وفقا لوكالة "رويترز". وأوضحت شبكة "سي أن أن" أن نسبة الحظر تبلغ حوالي 15 في المئة.
وصدرت نيودلهي رقما قياسيا بلغ 22.2 مليون طن من الأرز في عام 2022.
ويؤدي ارتفاع الأسعار إلى تأجيج المخاوف بشأن انعدام الأمن الغذائي لمليارات الأشخاص حول العالم وتحديدا في آسيا وأفريقيا الذين يعتمدون على الأرز.
•ما سبب الأزمة؟
في 20 يوليو، فاجأت الهند المشترين بحظر تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي المستهلك على نطاق واسع عالميا وكذلك الأرز المكسور والذي يمثل حوالي نصف إجمالي صادرات الأرز الهندي، كما فرضت رسوما 20 بالمئة على صادرات الأرز المسلوق. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب فرض حظر على صادرات الأرز المكسور العام الماضي، بحسب "رويترز".
وجاء قرار الهند للسيطرة على ارتفاع الأسعار المحلية قبل عام انتخابي رئيسي، وفقا للوكالة.
وارتفع معدل التضخم في الهند إلى 4.8 في المئة، في يونيو، على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو ما لا يزال ضمن هدف التضخم الذي حدده البنك المركزي والذي يتراوح بين 2 في المئة و6 في المئة. ومع ذلك، فإن التضخم "يهدد بالوصول إلى 6.5% في يوليو"، حسب تقديرات بنك HSBC في تقرير بتاريخ 24 يوليو نقلته شبكة "سي أن بي سي".
وحذر الاقتصاديون في بنك HSBC من أن الأحداث المناخية القاسية يمكن أن تزيد من الضغط على إنتاج المحاصيل.
كما أن القيود المفروضة على الأرز في الهند كانت مدفوعة أيضًا بتقلبات الطقس، إذ أن الرياح الموسمية غير المنتظمة إلى جانب ظاهرة النينيو جعلتا الحظر الجزئي ضروري لمنع أسعار المواد الغذائية من الارتفاع محليا، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس".
وأوضحت الوكالة أن هذه القيود ستمنع ما يقرب من نصف صادرات البلاد المعتادة من الأرز العام الجاري.
وأدى حظر التصدير إلى احتجاز آلاف الأطنان من الأرز الأبيض غير البسمتي في الموانئ، ما كلف التجار خسائر كبيرة دفعتهم أيضا لرفع الأسعار.
•ما تأثير الهند على سوق الأرز العالمي؟
على مدار 15 عاما الماضية، أصبحت الهند أكبر مصدر للأرز، بحوالي 20 مليون طن في عام 2022، تليها تايلاند وفيتنام بـ 7.5 و6.7 مليون طن على التوالي، بحسب مجلة "فوربس".
ويعد الأرز عنصرا أساسيا لأكثر من ثلاثة مليارات شخص، لذا فقد أثر الحظر بشكل أكبر على سوق الأرز العالمية، حيث ارتفعت الأسعار بالفعل بنسبة 15-20 في المئة منذ سبتمبر 2022 بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار أنواع الأرز الأخرى. وترى المجلة أن وقف تصدير أفضل صنفين من الأرز له تأثير كبير على السوق.
ووفقا لوكالة "أسوشيتد برس"، فإن قرار الهند ترك فجوة كبيرة تبلغ حوالي 9.5 مليون طن متري (10.4 طن) من الأرز الذي يحتاجه الناس في جميع أنحاء العالم، أي ما يقرب من خمس الصادرات العالمية.
وتسبب قرار الهند في ارتفاع الأسعار الأرز بنسبة 30 في المئة تقريبا لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 22.43 دولارا لكل مئة وزن، وتضاعفت الأسعار ثلاث مرات في غضون ستة أشهر، بحسب شبكة "سي أن بي سي".
وذكرت الوكالة أن ما يجعل الوضع أسوأ هو أن الحظر الذي فرضته الهند على الأرز غير البسمتي خلق تأثير الدومينو، مع قيام الدول الأخرى باتخاذ نفس موقفها فعلى سبيل المثال، علقت الإمارات صادرات الأرز للحفاظ على مخزونها المحلي.
•ما تأثير قرار الهند على الأمن الغذائي العالمي؟
يتعرض الأمن الغذائي العالمي بالفعل للتهديد منذ أن أوقفت روسيا اتفاقا يسمح لأوكرانيا بتصدير القمح، وتسببت ظاهرة النينيو المناخية في عرقلة إنتاج الأرز، وفقا لـ"أسوشيتد برس".
وسيشكل ضعف محصول الأرز ضغوطا على السلاسل الغذائية الزراعية على مستوى العالم ككل، ومن المرجح أن يكون عام 2024 محفوفا بالتوتر الشديد بين العرض والطلب في هذا القطاع، وفقا لـ"فوربس".
وستؤثر الاضطرابات سلبا على إنتاج البلدان الأخرى المصدرة الرئيسية للأرز بعد الهند، وهي أستراليا والبرازيل والولايات المتحدة، والنقاط الساخنة الديموغرافية التي يجب أن تكون مكتفية ذاتيًا في الغذاء، وعلى رأسها الصين والهند. وبالتالي فإن الضغط على العرض سيكون ذو شقين، بحسب "فوربس".
ولذلك ترى المجلة أنه لن يكون من المستغرب أن ترتفع أسعار المواد الغذائية في العام المقبل.
•لماذا أفريقيا وآسيا المتضرران الأكبر؟
وفقا لأسوشيتد برس، فرغم أن تأثير قرار الهند محسوسا في جميع أنحاء العالم، استهلاك الأرز يتزايد في أفريقيا بشكل مطرد، وتعتمد معظم البلدان الأفريقية بشكل كبير على الواردات الهندية.
وارتفعت أسعار الأرز المزروع في أفريقيا منذ فترة بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة والجفاف الذي دام لسنوات في القرن الأفريقي ما أدى إلى انخفاض الإنتاج. وقد نجح الأرز الرخيص المستورد من الهند في سد هذه الفجوة، حيث أطعم العديد من ملايين الناس الفقيرة في أفريقيا والذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، بحسب الوكالة.
لكن هذا الوضع تغير، كما ذكرت الوكالة، وفي كينيا على سبيل المثال، ارتفع سعر كيس الأرز بوزن 25 كيلوغراما (55 رطلا) بنحو الخمس، أي من ما يعادل حوالي 14 دولارا إلى 18 دولارا. ولم يحصل تجار الجملة بعد على مخزونات جديدة منذ قرار الهند، بحظر بعض شحنات الأرز.
وقالت "بي إم آي"، وهي وحدة أبحاث تابعة لشركة فيتش سوليوشنز، إن الأسواق المعرضة بشدة لقيود التصدير الهندية تتركز في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وذكرت الشركة أن جيبوتي وليبيريا وقطر وغامبيا والكويت هي "الأكثر عرضة للخطر"، بحسب شبكة "سي أن بي سي".
كما ارتفعت أسعار الأرز بشدة في دول آسيا وتحديدا الأكثر فقرا، وعلى سبيل المثال، وصلت أسعار تصدير الأرز في فيتنام إلى أعلى مستوياتها منذ 15 عاما، ما يعرض الأشخاص الأكثر ضعفا في بعض أفقر الدول للخطر.
وقال بنك باركليز إن الفلبين ستكون "الأكثر تعرضا لارتفاع أسعار الأرز العالمية"، بحسب شبكة "سي أن بي سي".
وتواجه الدول الآسيوية، حيث يتم زراعة واستهلاك 90 في المئة من الأرز في العالم، صعوبة في الإنتاج.
ويمتد الأمر إلى الدول الغنية في آسيا، وذكرت شبكة "سي أن بي سي" أن بنك باركليز قال في تقرير صدر مؤخرا: "يبدو أن ماليزيا هي الأكثر عرضة للخطر وفقا لتحليلنا"، مسلطا الضوء على اعتماد البلاد الكبير على الأرز الهندي.
ومن المرجح أن تتأثر سنغافورة أيضًا، حيث يظهر التقرير أن الهند تشكل حوالي 30 في المئة من واردات الأرز في سنغافورة.