يعيش اليمن على وقع أزمة طاقة طاحنة يرجح تصاعدها بشكل خطير خلال الفترة المقبلة بسبب تردي خدمة الكهرباء في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، ومدن يمنية أخرى، بالتزامن مع قرار محافظ عدن أحمد لملس تجاوز الحكومة بإيقاف إرسال الإيرادات المحلية إلى البنك المركزي، وتوجيهها لتغطية متطلبات خدمة الطاقة الكهربائية.
ودفع قرار محافظ عدن الذي تزامن مع قرار آخر لمحافظ شبوة عوض محمد بن الوزير بالامتناع عن إرسال حصة المحطات الكهربائية من المشتقات النفطية قبل أن يتراجع عنه؛ الحكومة لعقد اجتماع طارئ لبحث مشكلة الكهرباء وانخفاض الخدمة المقدمة مع دخول الصيف وارتفاع درجة الحرارة إلى مستويات قياسية في عدن ومختلف مدن اليمن الساحلية.
وناقشت الحكومة وفق ما أفادت مصادر مطلعة، تقارير مقدمة من ثلاث وزارات معنية؛ وزراة الكهرباء والطاقة والنفط والمعادن والنقل، حول الإشكالات القائمة في تزويد محطات الوقود بالكهرباء، والجهود المبذولة لتجاوزها، والمتطلبات العاجلة وفق مسار سريع لوضع الحلول لتحقيق الاستقرار النسبي في خدمة الكهرباء.
وأضافت المصادر التي فضلت عدم الإشارة إلى هويتها، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة في هذا الصدد طلبت مساعدة المملكة العربية السعودية لتقديم دعم عاجل من المشتقات النفطية لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية في عدن التي تشهد انقطاعاً متواصلاً للتيار الكهربائي في معظم فترات اليوم.
ويغطي الدعم السعودي من المشتقات النفطية جزءاً من احتياجات محطات توليد الطاقة الكهربائية في عدن وأبين ولحج ومختلف محافظات الحكومة المعترف بها دولياً، في حين كان هناك انخفاض كبير في قدرة التوليد في محطات الطاقة الكهربائية وصل مع نهاية مايو/ أيار الماضي 2023 إلى أدنى مستوى بسبب نقص الوقود مع انتهاء الاتفاق التجاري الخاص بتوريد المشتقات النفطية لمحطات الطاقة الكهربائية الحكومية.
•تقاذف المسؤوليات
ويشهد اليمن خلافات واسعة بين الحكومة اليمنية وشريكها الرئيس، بموجب اتفاق الرياض، المجلس الانتقالي الجنوبي الذي سارع هو الآخر إلى عقد اجتماع طارئ أشاد فيه بقرار محافظ عدن أحمد لملس بعدم توريد الإيرادات المحلية المحصلة للبنك المركزي الحكومي، داعياً محافظي المحافظات الأخرى إلى اتخاذ قرارات مماثلة.
الباحث الاقتصادي عصام مقبل قال لـ"العربي الجديد"، إن المجلس الانتقالي الجنوبي شريك أساسي مع الحكومة ويتبعه نصف الحقائب الوزارية لذا فهو يتشارك المسؤولية بل يتحمل مسؤولية مضاعفة في هذا التردي الحاصل في الخدمات العامة كونه يعمل بالتوازي كمعرقل لعمل المؤسسات الحكومية واختلاق الأزمات والتوترات السياسية والعسكرية من وقت لآخر.
في حين يختلف المحلل الاقتصادي وليد الفقيه مع ما طرحه مقبل، إذ يحمل في حديثه لـ"العربي الجديد"، الحكومة كامل المسؤولية في التردي الاقتصادي وانهيار العملة وعودة انحدارها مؤخراً وفشلها الذريع في تحسين الخدمات العامة كالكهرباء، التي انخفضت قدراتها إلى أدنى مستوى مع حلول الصيف، وهو ما يضاعف من معاناة المواطنين من الحر الشديد وتفاقم الأزمات المعيشية.
ويشكو مواطنون في مدينة عدن من صيف ساخن وارتفاع غير مسبوق في درجة الحرارة لم يعهدوه من قبل في ظل عدم قيام الجهات المعنية بتحسين خدمة الكهرباء المتردية من عام إلى آخر وتركهم لهذا الحر الذي "يكويهم" وفق تعبير المواطن شكري عثمان.
فيما رى ماجد عبادي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الأمر تحول إلى ما يشبه المناكفة بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي والذي قد يتطور إلى صراع يكون المواطن هو الضحية فيه كالمعتاد.
•لا كهرباء ولا مولدات
ومع استمرار الأزمة في التفاقم باتجاهات ومسارات تهدد كيان الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تتضاءل الخيارات المتاحة أمام المواطنين، إذ تحد أسعار الوقود المرتفعة من قدرة الشركات والأسر على الاعتماد على مولدات الديزل، التي توفر طاقة أكثر موثوقية من الألواح الشمسية، إضافة إلى تسبب ذلك بارتفاع الأسعار حيث تضطر الشركات التجارية إلى دفع تكاليف أعلى للمدخلات الوسيطة، مما يقلل أكثر من القدرة التنافسية للسلع والخدمات المحلية.
وأكد البنك الدولي في تقرير صادر نهاية مايو/ أيار الماضي أنه على الرغم من الإنفاق العام الهائل على قطاع الطاقة في اليمن، إلا أن إمدادات الكهرباء في المناطق والمدن الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً ما زالت غير موثوقة أو مستقرة، مما أثار مزاعم بانتشار سرقة الوقود والفساد في قطاع الكهرباء، إضافة إلى أن معظم الإنفاق العام على إنتاج الكهرباء لا يتم تعويضه وذلك كون المستهلكين نادراً ما يدفعون قيمة استهلاكهم للكهرباء.
ووفقاً للبيانات الرسمية، تواصل الحكومة المعترف بها دولياً إنفاق حوالي ربع ميزانيتها على دعم الكهرباء وهي نفس النسبة التي كانت عليها قبل النزاع.
بلغ إجمالي فاتورة واردات اليمن لعام 2021 ما يقرب من 9.2 مليارات دولار كما ذكر تقرير البنك الدولي حيث تظهر الأرقام الرسمية لحكومة اليمن أن عائدات صادرات النفط بلغت 1.2 مليار دولار في العام 2021، واستخدم قدر كبير من هذا المبلغ لتغطية تكاليف التشغيل الخارجية وتمويل واردات الوقود لإنتاج الكهرباء.
وخلصت مقابلات أجراها البنك الدولي مؤخراً مع مسؤولين حكوميين إلى أن مدفوعات واردات الوقود لإنتاج الكهرباء تمثل استنزافاً كبيراً لاحتياطيات النقد الأجنبي، لكن مقدمي المعلومات الرئيسيين يزعمون أن إمدادات الكهرباء ليست أفضل مما كانت عليه قبل تقديم الدعم.
التجارب الدولية في هذا الجانب، بحسب البنك الدولي، تظهر أن دعم الكهرباء يميل إلى إفادة الأسر الميسورة، وتشويه الأسعار، وتشجيع عدم الكفاءة، وتمكين الفساد، بينما كانت جهود إصلاح الدعم السابقة في اليمن قد قدمت على أنها مبادرات لمكافحة الفساد.
•سياسات غير مجدية
وقال ناصر الشوافي، مسؤول سابق في مؤسسة الكهرباء والطاقة اليمنية الحكومية، لـ"العربي الجديد"، إن دعم الطاقة بالفعل سياسة خاطئة وغير مجدية ومكلفة ونتائجها محدودة للغاية بالرغم من أن الصراع تسبب بطريقة غير مباشرة في إيقاف جميع أشكال الدعم باستثناء الكهرباء.
استمرت هذه السياسة وفق الشوافي، نتيجة التكيف الخاطئ مع خطط الترقيع التي تم اتباعها في هذا القطاع طوال السنوات الماضية والاعتماد على محطة مأرب الغازية في تغطية جزء كبير من الاحتياجات، إضافة إلى تردي وضعية محطات توليد الطاقة التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة لصيانتها وإعادة تأهيلها.