فجرت الإجراءات الخاصة بالتعاملات المصرفية أزمة واسعة في اليمن، تركزت في العاصمة صنعاء التي تتخذ منها المصارف العاملة في البلاد مقراً رئيسياً لإدارة عملياتها النقدية.
وتشهد صنعاء عودة للجدل بين القطاع المصرفي والحوثيين في توجههم نحو تفعيل الإجراءات التي كانوا قد أعلنوا عنها قبل نحو عامين وتستهدف تغيير نظام سندات (أذون) الخزانة، وذلك بعد تمرير هذا الإجراء عبر مشروع قانون أقره مجلس النواب في الجزء العامل منه في صنعاء بعد انقسامه بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
وتعتقد صنعاء أن القانون الجديد الذي يمنع "التعاملات الربوية" خطوة مهمة لإصلاح النظام المصرفي وتصحيح نظام الفوائد والذي سيمكنها من توفير سيولة مالية نقدية تزيد على 500 مليون ريال يمني شهرياً من أرباح الخزانة التي تذهب كفوائد للبنوك اليمنية التي تعتمد بشكل كلي عليها في استثماراتها وتدوير رؤوس أموالها وودائعها.
وبعد الكثير من الأخذ والرد، أكد مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، منذ أيام، أنه سيتم تشكيل لجنة بقرار رئاسي تكون بعضوية السلطة القضائية والبنك المركزي لمتابعة معالجة مشاكل البنوك لدى المحاكم والنيابات، وقال إن صدور قانون منع المعاملات الربوية هو "خير لنا جميعاً"، مبيناً أنه إلى حين تعديل القوانين الخاصة بالقطاع المصرفي سيصدر البنك المركزي تعليمات تتضمن إجراءات هذه المرحلة ومنها صيغ تضمن للتجار والمودعين نسبة من أرباح استثمار عوائد أموالهم، وستكون هذه الصيغ متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وأضاف أن ودائع البنوك التجارية والمودعين في أذون الخزانة حتى تاريخ صدور القانون هي حقوق لا جدال بشأنها.
وأشار المشاط إلى أن البنك المركزي سيعمم بالسماح للبنوك التجارية بممارسة مهام التمويل والاستثمار المسموح للبنوك الإسلامية ممارستها بما لا يتعارض مع قانون منع التعاملات الربوية.
•تهديد للمصارف
ويرى الخبير الاقتصادي مطهر العباسي، نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق في الحكومة اليمنية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ما احتواه القانون من مواد بمثابة "رصاصة رحمة" لعمل ونشاط البنوك التجارية في جانب جذب الودائع من المدخرين. كما يجرم هذا التوجه الأدوات الأخرى مثل المساهمة والأرباح واعتبارها فوائد، وهذا يمثل، وفق العباسي، ضربة قاضية لنشاط البنوك في مجالات الاستثمار والتمويل المحددة في قانون البنوك المعمول به في اليمن.
وتقدر ودائع المدخرين في المصارف اليمنية بنحو 2.5 تريليون ريال قبل الحرب، في حين تصل القروض المقدمة للمستثمرين إلى أكثر من تريليوني ريال، وفق بيانات صادرة عن البنك المركزي اليمني، نهاية العام 2014.
وتؤكد جمعية البنوك اليمنية أنها وجهت مذكرة إلى اللجنة المالية بمجلس النواب العامل تحت سلطة الحوثيين في صنعاء قبل إقرار مشروع القانون تحذر فيها من المخاطر والمضاعفات المدمرة لهذا القانون على القطاع المصرفي بوجه خاص وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.
وحسب رئيس الجمعية محمود ناجي، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، فإن الجمعية طالبت بسحب مشروع القانون أو إحالته إلى هيئة مستقلة لدراسته وتقييم مضاعفاته.
كما قام وفد من الجمعية بمقابلة رئيس مجلس النواب الذي أكد لهم قبل يوم واحد فقط من التصويت على المشروع، أنّ المجلس أصرّ على تعديل مشروع القانون بحيث يتضمن مادة تنص على أن لا يتم تنفيذه إلا بعد التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والبنوك حول أرصدة البنوك المستثمرة في أذون الخزانة، وأن يتضمن القانون مهلة زمنية كافية تتم خلالها تسوية الحقوق وتهيئة بيئة العمل للتحول من النظام المصرفي التقليدي إلى الوضع الجديد.
•استهداف للاقتصاد
وكانت اللجنة الرباعية المعنية باليمن، السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، قد استهجنت في بيان صادر عنها، منتصف مارس/ آذار، ما وصفته بالحرب الاقتصادية الحوثية، وتهديدات البنية التحتية النفطية والتجار وشركات الشحن والقطاع المصرفي، ما يساهم في تأزم الوضع الإنساني المقلق في اليمن.
وفي الوقت الذي لم يصدر فيه حتى الآن أي موقف علني من قبل البنك المركزي اليمني في عدن بشأن الإجراء الذي يعتزم الحوثيون تنفيذه في صنعاء، أكد مصدر مسؤول مطلع، لـ"العربي الجديد"، عدم مشروعية أي إجراء يتخذه الحوثيون الذين يواصلون، وفق حديثه، "استهداف الاقتصاد الوطني وسياسة السطو والاستيلاء التي دأبوا عليها"، مشيراً إلى ما تحظى به الحكومة اليمنية وإصلاحات البنك المركزي اليمني من دعم دولي كبير من اللجنة الرباعية وغيرها، على مدى الأشهر الـ12 الماضية بما في ذلك البداية الناجحة لمزاد جديد شفاف للعملات الأجنبية.
في المقابل، تتعرض الحكومة اليمنية لضغوط واسعة لإلزامها بزيادة الشفافية حول استخدام الموارد والتشاور مع القطاع الخاص بشأن التدابير الاقتصادية المستقبلية ومواصلة دفع أجندتها الإصلاحية.
•تعارض مع القانون
الخبير القانوني عادل الجبلي يشدد في حديثه لـ"العربي الجديد"، على عدم مشروعية مثل هذا القانون ليس فقط بالنظر إلى الوضع الراهن في اليمن والانقسام المالي والنقدي والمؤسسات التشريعية كالبرلمان، بل يخالف المنظومة القانونية والتشريعية المحددة في الدستور اليمني والمتعلقة بحماية الحقوق والممتلكات وبيئة ممارسة الأعمال والأنشطة الاقتصادية والمالية والمصرفية وحرية التجارة والاستثمار.
ويعتبر خبراء اقتصاد ومستشارون قانونيون تحدثوا مع "العربي الجديد" أن هذا الإجراء يشكل انتهاكا صارخا للملكية الخاصة التي لا يجب المساس بها إلا للضرورة القصوى في حال توفر مصلحة عامة يقتضي بموجبها في هذه الحالة تقديم تعويض عادل وقانوني، إلى جانب ما تمثله هذه الخطوة من استهداف للاستثمار ورؤوس الأموال وحقوق المنتجين والمستهلكين وتوفير السلع الضرورية للمواطنين.
ويرى الخبير المصرفي محمود السهمي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الإقدام على تنفيذ مثل هذا الإجراء على المصارف العاملة في اليمن والتي رفضت معظمها نقل إدارة عملياتها من العاصمة اليمنية صنعاء إلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً منذ العام 2016، يعتبر بمثابة تعد صارخ على أهم قطاع مالي واقتصادي حاول الصمود جاهداً في وجه العواصف الهائلة الناتجة عن الحرب والصراع الدائر في البلاد وبمثابة تأميم في ظل انعدام البدائل المناسبة وتهيئة بيئة مؤاتية للاستثمارات ورؤوس الأموال وحل معضلة الانقسام المالي والنقدي والمؤسسي بين طرفي الحرب في اليمن.