أثار قرار البنك المركزي الروسي بضم الجنيه المصري لقائمة العملات التي يحدد سعر صرفها بشكل رسمي يوميا، أجواء من التفاؤل في مصر خاصة في الأوساط التجارية باعتبار أن القرار سيكون له "مردود إيجابي كبير على حركة التجارة بين البلدين، وكذلك على سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، الذي يتسبب في أزمة في مصر منذ فترة ليست بالقصيرة"، وفقا لعضو مجلس إدارة شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية المصرية، أحمد شيحة.
وتضمن قرار البنك المركزي الروسي بجانب الجنيه المصري عملات أخرى منها الدرهم الإماراتي والروبية الإندونيسية والبات التايلاندي، وكان أول سعر صرف للروبل الروسي مقابل الجنيه المصري بعد صدور القرار هو 0.43 قرشا.
وقال شيحة لموقع "الحرة" إن "قرار اعتماد الجنيه المصري ضمن سلة العملات التي يحدد سعرها في روسيا رسميا يعني أن ميزان التبادل الجاري بين البلدين سيتم التعامل معه وفقا للجنيه والروبل، وليس بالدولار كما كان في السابق، وهذا سيخفف من الضغط على الدولار في مصر بالشكل الذي يجعل سعره مستقبلا انعكاسا حقيقيا لقيمة الجنيه، وليس بالقيمة المبالغ فيها حاليا، والتي تجعله بسبب الأزمة بسعرين في السوق الرسمي والسوق الموازي.
وأضاف أن "هذا الضغط الكبير على الدولار حوله من عملة إلى سلعة يتم المضاربة فيها لأعلى سعر، كأنه سلعة استهلاكية، وبالتالي فإن أي قرار يخفف ضغط الطلب على الدولار سيكون له مردود كبير على مستوى الاقتصاد ككل وعلى مستوى السياسة النقدية في مصر بشكل خاص".
تقليل الأعباء الدولارية
وتستورد مصر من روسيا عددا من السلع والمنتجات منها القمح واللحوم وبعض منتجات الفول والصويا وبعض المدخلات التي تدخل في الصناعات البترولية ويقول شيحة إن "حجم واردات مصر من روسيا سنويا يقارب 7.5 مليار دولار بينما الصادرات المصرية لها تمثل ما يقرب من 2 مليار دولار، فإذا استطعنا بموجب قرار البنك المركزي الروسي أن نزيل هذا العبء الدولاري ونتعامل فيه بالروبل والجنيه فإننا سنقطع خطوة كبيرة في اتجاه حل أزمة الدولار في مصر خاصة وأن إجمالي الواردات المصرية الدولارية تقترب من 80 مليار دولار منها 15 مليار دولار مع الصين ومثلها مع دول الإتحاد الأوروبي ومع الدول العربية 14.5 مليار دولار بالإضافة لما يقرب من 7 مليار دولار مع الولايات المتحدة الأميركية بالإضافة إلى 7 مليار دولار مع روسيا وأوكرانيا وهي التي سيتم التعامل فيها حاليا بعملات محلية بعيدا عن الدولار فهي تمثل نسبة جيدة من إجمالي أرقام التبادل التجاري المصري ككل والتي تقترب من 110 مليار دولار نسبة العجز فيها من 20 إلى 25 مليار دولار سنويا".
وتوقع عضو شعبة المستوردين في مصر أن يكون هناك "إقبال أكبر على استيراد السلع الروسية طبقا لقرار المركزي الروسي، فمن سيجد أزمة في توفير الدولاروالمنتج الذي يستورده من أي بلد له بديل في روسيا سيتجه إلى هناك بكل تأكيد لأنه سيتعامل مع رسائله الاستيرادية بالجنيه المصري أو حتى بالروبل الروسي خاصة وأن عدد الدول التي تم الإعلان عن تحديد أسعار صرف عملاتها في روسيا حاليا بلغ 43 دولة بينها دول لها تبادل تجاري كبير مع مصر مثل الصين وبعض الدول العربية، والتي من الممكن أن يكون التعامل معها هي الأخرى مستقبلا بالروبل بدلا من الدولار".
أزمة الديون
وقال الخبير الاقتصادي، محمد شلبي، لموقع "الحرة" إن " قرار المركزي الروسي بشأن صرف الجنيه المصري سيكون له تأثير جيد في مصر بكل تأكيد، لكن الأزمة الحقيقية في مصر تتمثل في الالتزامات الدولارية واجبة السداد في أجل قصير وهي التي تتعلق بسداد أقساط الديون وفوائدها.
وأوضح أن "الضغط على الدولار سيقل بمقدار حجم التعامل التجاري بين مصر وروسيا لكن مصر عليها التزامات واجبة السداد حتى منتصف العام العالي تزيد على 41 مليار دولار وهذا رقم كبير على فترة زمنية تمثل 6 أشهر وبالطبع سيكون هناك ضغط كبير على الدولار طوال تلك الفترة تؤثر في سعره وقيمته مقابل الجنيه المصري".
وحول صدور القرار نفسه قال شلبي إن " لا يمكن أن يعمل الاقتصاد بمعزل عن السياسة ولذلك فإن القرار جاء في إطار الرؤية الروسية لعلاقتها بمصر رغم ما يعلن عن مواقف كل طرف من الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة لرغبة روسيا في تكوين تحالفات اقتصادية تساعدها على المستوى السياسي، خاصة وأن هناك اتجاه متنام في العالم خلال السنوات العشر الأخيرة إلى خلق نظام نقدي عالمي جديد يستفيد منه الجميع بدلا من النظام النقدي العالمي الحالي الذي يتسيد فيه الدولار كل شيئ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقريبا".
وعما إذا كان من الممكن أن يدر قرار صيني شبيه بالقرار الروسي قال شلبي إن "الصين وضعها مختلف مع أنها تحاول تعزيز احتياطياتها من الذهب مؤخرا لكنها لا تدخل مواجهات مباشرة من هذا النوع لأن تكتيكاتها مختلفة في التعامل مع الأزمات سواء الاقتصادية أو السياسية ولذلك أتوقع أن لا يكون قرارها مماثلا على الأقل في الوقت القريب، وبالمثل باقي الدول الـ43 التي اعتمد البنك المركزي الروسي أسعار صرف لعملاتها لديه ومنها دول عربية، فكل منها ستتخذ قراراتها وفق مصالحها السياسية والاقتصادية وعلاقتها بالولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي".